التحذير من السهر وأضراره وأثره على استثمار الإجازة وشهر رمضان
فيصل التميمي
1435/08/22 - 2014/06/20 05:07AM
الخطبة في أصلها لفضيلة الشيخ ابراهيم الحقيل نفع الله به الإسلام والمسلمين
وقد جرى عليها قلم الاختصار والإضافة بما يناسب المقام وتضمنت الإشارة إلى
مشكلة السهر في الإجازة الصيفية وشهر رمضان المبارك وما ينبغي للأولياء بما
استرعاهم الله من أمانة على من تحت أيديهم بتجنيبهم السهر قدر المستطاع
وأن نهيأ أنفسنا وأجواء بيوتنا لاستثمار موسم كريم فيما يقربنا إلى الله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السهر وأضراره
أَمَّا بَعْدُ: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزوجل فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ وَالْزَمُوهُ.
معاشر المسلمين.. مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى البَشَرَ، وَجَعَلَهُ قَانُونًا فِي الأَحْيَاءِ: آيَةُ النَّوْمِ، قال جل وعلا وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ[الرُّوم: 23]، وَلاَ يُغَالِبُ أَحَدٌ سُنَّةَ اللهِ تَعَالَى فِيهِ إِلاَّ هَلَكَ؛ وَلِذَا كَانَ النَّوْمُ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يَفْرَحُ بِهَا الإِنْسَانُ، وَالأَرَقُ مِنَ النِّقَمِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا، وَمَنْ لَا يَنَامُ أَبَدًا لَا يَلْبَثُ أَنْ يمرضَ ويَمُوتَ!
وَالأَصْلُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّيْلَ لِلنَّوْمِ وَالهُدُوءِ وَالسُّكُونِ، وَجَعَلَ النَّهَارَ لِلسَّعْيِ وَالحَرَكَةِ وَالكَسْبِ، فَسُكُونُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ يَدْعُوَانِ لِلْهُدُوءِ وَالنَّوْمِ، وَنُورُ النَّهَارِ وَصَخَبُهُ يَدْعُوَانِ لِلنَّشَاطِ وَالاسْتِيقَاظِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ فِي الأَرْضِ وَفيمَا عَلَيْهَا مِنْ أَحْيَاءٍ، حَتَّى كَانَتْ آيَةً مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ؛ قال جل وعلا فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْل سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ[الأنعام: 96]، وقال سبحانه هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ[يونس: 67]، وقال تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا[الفرقان: 47].
فَالنَّوْمُ انْقِطَاعٌ عَنِ الحِسِّ وَالوَعْيِ وَالشُّعُورِ، فَهُوَ سُبَاتٌ، ثُمَّ يَتَنَفَّسُ الصُّبْحُ وَتَنْبَعِثُ الحَرَكَةُ، وَتَدُبُّ الحَيَاةُ فِي النَّهَارِ، فَهُوَ نُشُورٌ مِنْ ذَلِكَ المَوْتِ الصَّغِيرِ.
هَذِهِ الآيَةُ العَظِيمَةُ المُوَائِمَةُ لِلْفِطْرَةِ البَشَرِيَّةِ بَقِيَتْ فِي النَّاسِ مُنْذُ عَهْدِهِمُ الأَوَّلِ فِي الأَرْضِ، إِلَى أَنِ اكْتُشِفَتِ الطَّاقَةُ الكَهْرُبَائِيَّةُ، فَأَضَاءَتْ لَيْلَ النَّاسِ، وَحَوَّلَتْ هُدُوءَهُمْ إِلَى صَخَبٍ، فَقَلَبُوا سُنَّةَ اللهِ تَعَالَى رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ.
لَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَدِيمًا يَنَامُونَ فِي أَسْطُحِ المَنَازِلِ وَأَفْنِيَةِ الدُّورِ، وَيُبَرِّدُونَ حَرَّهَا بِالماءِ يَرُشُّونَهُ فِيهَا قُبَيْلَ اللَّيْلِ، فَمَا يُصَلُّونَ العِشَاءَ الآخِرَةَ إِلاَّ وَرُؤُوسَهُمْ تَخْفُقُ مِنْ شِدَّةِ التَّعَبِ وَالنُّعَاسِ، فَيُصَلُّونَ وَيَنَامُونَ، وَيَقُومُ أَهْلُ اللَّيْلِ فِي ثُلُثِهِ الآخِرِ يَتَهَجَّدُونَ، فَيُصَلِّي النَّاسُ الفَجْرَ فِي المَسَاجِدِ صِغَارًا وَكِبَارًا، فَمَنْ نَامَ بَعْدَ الفَجْرِ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ لِلصَّلاَةِ أَيْقَظَهُ حَرُّ الشَّمْسِ، فَلاَ يَأْتِي الضُّحَى إِلاَّ وَالأَرْضُ تَدُبُّ بِالنَّاسِ، وَلاَ أَحَدَ مِنْهُمْ فِي فِرَاشِهِ؛ فَالرِّجَالُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَالنِّسَاءُ فِي المَنَازِلِ تُدَبِّرُهَا، وَالأَطْفَالُ مَعَ أَقْرَانِهِمْ، وَالبُيُوتُ مُفْعَمَةٌ بِالحَيَوِيَّةِ وَالنَّشَاطِ.
أَمَّا الْيَوْمَ فَأَضْحَتِ البُيُوتُ فِي الضُّحَى كَأَنَّهَا المَقَابِرُ فِي وَحْشَتِهَا وَسُكُونِهَا، إِنَّهَا الجِدَةُ وَالفَرَاغُ، قَلَبَا سُنَّةَ اللهِ تَعَالَى فِي البَشَرِ، وَلَيْسَ هَذَا الانْتِكَاسُ فِي كُلِّ الأَرْضِ، بَلْ فِي أَجْزَاءٍ مِنْهَا، فِي دُوَلٍ شَدِيدَةِ الحَرَارَةِ فِي الصَّيْفِ، يَجِدُ أَفْرَادُهَا وَسَائِلَ التَّبْرِيدِ، مَعَ ضَعْفٍ فِي العَمَلِ، وَسَعَةٍ فِي الرِّزْقِ، فَهَرَبَ بِهِمْ حَرُّ الشَّمْسِ إِلَى النَّوْمِ فِي الغُرَفِ المُظْلِمَةِ المُبَرَّدَةِ فِي النَّهَارِ، وَخَرَجَ بِهِمْ فَرَاغُ النَّهَارِ إِلَى سَهَرِ اللَّيْلِ لِلاسْتِجْمَامِ فِي الاسْتِرَاحَاتِ، أَوِ افْتِرَاشِ الأَرْصِفَةِ وَالخَلَوَاتِ، أَوِ التَّسَكُّعِ فِي الأَسْوَاقِ وَالطُّرُقَاتِ، حَتَّى إِذَا بَهَرَهُمْ شُعَاعُ الشَّمْسِ مُصْبِحِيِنَ عَادُوا إِلَى أَكِّنَّتِهِمْ وَغُرَفِهِمْ فَسَقَطُوا فِيهَا هَامِدِينَ، هَذَا دَأْبُهُمْ فِي كُلِّ صَيْفٍ، وَالإِجَازَةُ فِيهِ تُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى انْقَسَمَتْ بَعْضُ البُيُوتِ إِلَى قِسْمَيْنِ لَا يَكَادُ يَرَى كُلُّ قِسْمٍ مِنْهُمُ القِسْمَ الآخَرَ وَإِنْ أَظَلَّهُمْ سَقْفٌ وَاحِدٌ؛ فَالمُوَظَّفُونَ الجَادُّونَ مِنْهُمْ يَنَامُونَ بِاللَّيْلِ وَيَعْمَلُونَ بِالنَّهَارِ، وَالمجازونَ مِنْهُمْ يَسْهَرُونَ اللَّيْلَ وَيَنَامُونَ بِالنَّهَارِ وتركوا وقتهم نهباً للكسلِ ولضياعهِ فيما لا ينفعُ لا في دنياً ولا دين.
معاشر الموحدين.. إِنَّ آفَةَ السَّهَرِ هَذِهِ قَدِ انْتَشَرَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ، وَسَلِمَت مِنْهَا الأمم الجادةُ والمنتجة، مَعَ أَنَّهُمْ أَسْبَقُ إِلَى التَّمَتُّعِ بِالطَّاقَةِ وَمُنْتَجَاتِ الحَضَارَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ جِدُّهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَشِدَّةُ مُحَاسَبَتِهِمْ عَلَى الإِخْلاَلِ بِهَا، وَجِدُّهُمْ فِي مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى صِحَّةِ أَبْدَانِهِمْ؛ ذَلِكَ أَنَّهم أدركوا أن لِقَلْبِ الفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ آثَارًا مَأْسَاوِيَّةً على الفردِ وعلى المجتمع.
والأَصْلُ فِي السَّهَرِ عباد الله أَنَّهُ مَذْمُومٌ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، وَبِشَرْطِ أَلاَّ يُخِلَّ بِشَعَيرَةٍ وَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ عُمُومَاتِ القُرْآنِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّيْلَ لِلسَّكَنِ وَالنَّوْمِ، وَجَعَلَ النَّهَارَ لِلْحَرَكَةِ وَالانْتِشَارِ، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ تُعَزِّزُ هَذِهِ الآيَةَ الرَّبَّانِيَّةَ فِي البَشَرِ لِتَجْعَلَهَا وَفْقَ الفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ؛ فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْم قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا نَامَ رَسُولُ اللهِ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَلَا سَمِرَ بَعْدَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَهَذَا هَديُهُ الدَّائِمِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَمَا نُقِل مِنْ سَهَرِهِ وَحَدِيثِهِ بَعْدَ العِشَاءِ فَهُوَ عَارِضٌ لِحَاجَةٍ دَعَتْ إلى ذَلِكَ من رعاية أمور المسلمين.
وَلِذَا كَانَ يَذُمُّ السَّهَرَ وَيَعِيبُهُ؛ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ يَجْدِبُ لَنَا السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، أي: يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ. وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي السَّهَرِ إِلاَّ لِمَنْ لَهُ حَاجَةٌ تَدْعُو لِلسَّهَرِ كَمَنْ يُصَلِّي أَوَّلَ اللَّيْلِ يَخْشَى أَلَّا يَقُومَ آخِرَهُ فَيُقَدِّمُ الوِتْرَ، أَوْ مَنْ كَانَ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ المَسِيرَ فِي اللَّيْلِ أَبْرَدُ وَأَهْوَنُ، وَفيِه تُطْوَى الأَرْضُ، وَيَقِلُّ العَطَشُ، أَوْ لِحَدِيثٍ يُذَكِّرُ بِالآخِرَةِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَوْ لِعَمَلٍ لَا بُدَّ مِنْهُ كَحِرَاسَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ، أَوْ لِعَمَلٍ لَا يُمْكِنُ إِنْجَازُهُ إِلاَّ فِي اللَّيْلِ، أَوْ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ، أَوْ لِتَفَقُّدِ أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ مِنَ الإِمَامِ أَوْ نُوَّابِهِ، أَوْ لِحِفْظِ الأَمْنِ وَالأَعْرَاضِ مِنْ أَهْلِ الحِسْبَةِ وَالشُّرَطِ وَنَحْوِهِمْ.
وَأَمَّا السَّهَرُ لِلْحَدِيثِ فِي الدُّنْيَا، وَمُؤَانَسَةِ الأَصْحَابِ، وَالاسْتِجْمَامِ فِي الخلواتِ والاسْتِرَاحَاتِ وَنَحْوِهَا، وَاتِّخَاذِ ذَلِكَ عَادَةً دَائِمَةً لَا تَنْقَطِعُ فَهُوَ إِلَى الكَرَاهَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ لِلْإِبَاحَةِ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُنْكَرٌ -وَأَغْلَبُهُ كَذَلِكَ- كَالاجْتِمَاعِ عَلَى مَا تَبُثُّهُ الفَضَائِيَّاتِ مِنْ سُوءِ المَشَاهِدِ، أَوْ عَلَى الغِيبَةِ وَالقِيلَ وَالقَالِ، فَهُوَ سَهَرٌ مُحَرَّمٌ وَاجْتِمَاعٌ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَيَعْظُمُ خَطَرُهُ وَتَشْتَدُّ حُرْمَتُهُ إِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَضْيِيعُ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَةِ؛ فَقَوْمٌ يَسْهَرُونَ اللَّيْلَ حَتَّى إِذَا مَا بَقِيَ عَلَى الفَجْرِ إِلاَّ سَاعَةٌ أَوْ بَعْضُهَا نَامُوا إِلَى مَوْعِدِ الوَظِيفَةِ، وَقَوْمٌ يُوَاصِلُونَ سَهَرَهُمْ إِلَى نَحرِ الضُّحَى ثُمَّ يَنَامُونَ إِلَى المَسَاءِ، فَيُضَيِّعُونَ صَلاتَيِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَكُلُّ أُولَئِكَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ بِتَضْيِيعِهِمْ فَرَائِضَ اللهِ تَعَالَى، وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ((لَا سَمَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ -يَعْنِي: الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ- إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ، أَوْ مُسَافِرٍ))، وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول لمن يسمر: أريحوا كتابكم. تعني: الملائكة الكاتبين.
فاللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَارْزُقْنَا العَمَلَ بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَاكْتُبْنَا فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْل لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَار مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[النمل: 86].
بارك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيم، ونفعَني وإياكم بهدي نبيه الكريم، أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْمَدُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ؛ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل وَالنَّهَار لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[القصص: 73].
معاشر المسليمن وهانحن في الإِجَازَةَ الصيفية وعلى أبواب موسم كريم شهر رمضان المبارك، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُحَوِّلُونَ لَيْلَهُمْ إِلَى نَهَارٍ، وَنَهَارَهُمْ إِلَى لَيْلٍ، فَتَضِيعُ لَيَالٍ وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ فِي غَيْرِ مَا يُفِيدُ لَا فِي دنياً ولا دين، بَلْ يَحْمِلُ أَصْحَابُ هَذَا السَّهَرِ المَذْمُومِ أَوْزَارًا كَثِيرَةً بِمُحَرَّمَاتٍ يَرْتَكِبُونَهَا، وَفَرَائِضَ يُضَيِّعُونَهَا وأبداناً ينهكونها وعقولاً يعطلونها. فحري بنا كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً أن نتق الله في أنفسنا وفيمن استرعانا الله القيام عليهم بتجنب السهر قدر ما نستطيع وأن نهيأ أنفسنا وأجواء بيوتنا لقضاء إجازة مستثمرة وموسم كريم عامر بالخير والبركة، وأعمالٍ تعود على الجميع بالنفع في دينهم ودنياهم لا العكس،
فمشكلة السهر عباد الله لها أضرار عظيمة جسيمة ليست على الأولاد فقط؛ بل تمتد إلى أسرهم ومجتمعاتهم، ووطنهم وأمتهم؛ وأدٌ للبركة، وتعطيل للطاقات والإمكانيات، ونشر للكسل والبطالة، وتعوّد على سفاسف الأمور وإلْف لها، وضعف عن المعالي وإحجام عنها، وتلك أمور مشاهدة ظاهرة للعيان، لا يحتاج من يتكلم عنها إلى استشهاد أو ذكر برهان.
عباد الله كلنا يدرك بما أودع الله فيه من فطرة سليمة سوية وبما مر عليه في حياته أن نَوْمَ أَوَّلِ اللَّيْلِ لَا يَعْدِلُهُ نَوْمُ آخِرِ اللَّيْلِ، وَنَوْمَ آخِرِ اللَّيْلِ لَا يَعْدِلُهُ نَوْمُ النَّهَارِ كُلِّهِ، وَقَلِيلُ نَوْمِ اللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ نَوْمِ النَّهَارِ لِجِسْمِ الإِنْسَانِ وَعَقْلِهِ وَذَاكِرَتِهِ، وِلِأَهْلِ الطِّبِّ أَبْحَاثٌ وَدِرَاسَاتٌ وَمَقَالاَتٌ فِي أَضْرَارِ السَّهَرِ، وَاتِّخَاذِهِ عَادَةً جدير بمن ابتلي بالسهر أن يراجعها ليردع نفسه عن السهر وليدرك بدنه قبل هزله ومرضه، وعقله قبل بلادته وضعفه!
وَ إذا كان النَّبِيُّ قَدْ زَجَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي صَلاَةٍ وَعِبَادَةٍ، وَقَالَ: «لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ... فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» فمن باب أولى أن يكون الزجر والنهي أشد فيمن يخالف سنة الله في خلقه ويقضيه في لهو يتبعه إثم.
استضَافَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ رضي الله عنهما: فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فقَالَ سلمان: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْل قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا رضي الله عنهما فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، صلى الله عليه وسلم وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «صَدَقَ سَلْمَانُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ. فَإِذَا نَهَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَنْ إِحْيَاءِ اللَّيْلِ كُلِّهِ بِالصَّلاَةِ مُحَافَظَةً عَلَى الجَسَدِ مِنَ التَّلَفِ وَالضَّعْفِ، وَهِيَ عِبَادَةٌ مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ؛ فَلَأَنْ يُنْهَى عَنْ سَهَرٍ لَا طَائِلَ مِنْهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
أسأل الله بمنه وكرمه ولطفه ورحمته أن يصلح أحوالنا وأحوال أمتنا، وأن يرفع عنا كل داء وبلاء، إنه سميع قريب مجيب،
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال قولاً كريماً...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق