التحذير من السحرة والمشعوذين.

رمضان صالح العجرمي
1446/03/30 - 2024/10/03 12:22PM

خُطبَة بعنوان: (التَّحذِيرُ مِنَ السَّحَرَةِ وَالمُشَعوِذِينَ.)

1- خُطُورَةُ السِّحرِ وَكَثْرَةِ انْتِشَارِهِ.
2-خُطُورَةُ الذِّهَاب إِلَى السَّحَرَةِ وَسُؤَالِهِم وَتَصدِيقِهِم.
3- أَسبَابُ الوِقَايَةِ مِنَ السِّحرِ وَالعِلَاج الشَّرعِي.

(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
بيانُ خُطُورَة السِّحرِ، وخُطُورَة الذِّهَاب إِلَى السَّحَرَةِ، مع بيان أَسبَاب الوِقَايَةِ مِنَ السِّحرِ وَالعِلَاج الشَّرعِي.

• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، نقف اليوم مع ظاهرة خطيرة للغاية، تؤدي إلى دمار البيوت، وتفريق الأسر، والطلاق بين الأزواج؛ إنها ظاهرة: [انْتِشَارُ السِّحرِ، والسَّحَرَةِ والمُشَعوِذِين.]
•هذه الظاهرة الخطيرة: كم من شاب دُمِّرت حياتُه بسببها؟! وكم من فتاة ضاع مستقبلُها؟! وكم من انسان مَرِضَ وقُتِلَ؟! وكم بُثَّ من الخصومة والأحقاد والكراهية بين الأخوة والأخوات؟! وكم من أسرة تفرقت؟! وكم من شاب تزوج ولكنه لا يستطيع أن يأتي زوجته؟! وكم من عائلة كانت تعيش بسعادة واطمئنان، لكن بسبب هـذه الظاهرة أصبحت حياتها جحيمًا؟! فما هي خطورة السحر؟ وخطورة الذهاب إلى السحرة وسؤالهم وتصديقهم؟ وما هي أسباب الوقاية من السحر والعلاج الشرعي؟ هذا ما نتعرَّفُ عليه من خلال هذه الوقفات الثلاثة:-

• الوقفة الأولى: خُطُورَةُ السِّحرِ وَكَثْرَةِ انْتِشَارِهِ.
•يقول الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
•فهذه الآية العظيمة: تُبيِّن حكم السِّحْر، وأنه كفر، وأن السحرة يُفرِّقون بين المرء وزوجه، وأنَّ تعلُّمَ السحر حرام؛ بل هو كفر إذا كان عن طريق الاستعانة بالجن والشياطين.
•فالساحر لا يتمكَّن من سحره إلا بالخروج من الدين عياذًا بالله؛ إمَّا بالذبح للجن، أو الاستعانة بهم، أو إهانة كلام الله؛ فلرُبَّما يكتبه بالنجاسات ودماء الحيض، ورُبَّما أهانه بالدخول به في دورات المياه؛ وصدق الله إذ يقول: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}
•وكُلَّما كان مِن الدِّين أبعد كان في السحر أقوى، ومن دقائق المعاني أن الله تعالى ذكر أن الذين اتَّبَعوا ما تتلو الشياطين هم الذين نبذوا كتابَ الله وراء ظهورهم؛ كما قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
•ومِمَّا دلَّتْ عليه الآيةُ الكريمةُ أيضًا: أن السحر يضُرُّ ولا ينفع، وأن الساحر ليس له عند الله من خَلاقٍ ولا حَظٍّ ولا نصيبٍ؛ لأنه ظالم، يعتدي على الأعراض، وظالم يأكل أموال الناس بالباطل، ويدَّعي علم الغيب، فالسحر لا يتعلَّمه ولا يفعله إلا مَن خلا قلبُه من الإيمان، واستهوته الشياطين.
•وأن الساحر من أعظم المفسدين في الأرض، وأنه لا يفلح أبدًا في الدنيا والآخرة؛ كما قال الله تعالى: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}
•فهو خطر عظيم يُدمِّر دين المرء ويوبقه في الدنيا والآخرة؛ كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)) أي المهلكات. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: ((الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ.)) ؛ وهذا يدل على عظم جريمة السحر؛ لأنه قَرَنَهُ بالشِّرْك، وعدَّه من السبع الموبقات التي نهى عنها؛ لكونها تُهلِك فاعِلَها في الدنيا؛ لما يترتَّب عليها من الأضرار الحسِّية والمعنوية، وتُهلِكه في الآخرة بما يناله بسببها من العذاب الأليم.
•فكما ذكرنا: كم من علاقات زوجية وأرحام تقطَّعَتْ، وكم من أمراضٍ مزمنة، وكم مِن أُسَر تفرَّقَتْ وتشتَّتَتْ بسبب فعل هؤلاء المجرمين؛ وقد انتشر السحر في المجتمعات كثيرًا، وأصبحت أعداد السحرة والمشعوذين تتزايد، وراجت بضاعتُهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
•ولا شَكَّ أن سبب هذا الانتشار هو إهمال الناس لأمور التوحيد، وعدم صيانة التوحيد؛ لأن التوحيد يقوم على اللجوء إلى الله تعالى، وعلى تحريم السحر وتحريم الإتيان إلى السحرة والدَّجَّالين، وكذا إهمال جانب دعوة النساء.

• الوقفة الثانية: خُطُورَةُ الذِّهَاب إِلَى السَّحَرَةِ وَسُؤَالِهِم وَتَصدِيقِهِم.
•فقد حذَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم من الذهاب إلى السحرة والعرافين، وبيَّنَ خطورة ذلك؛ ففي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.)) وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.))
•وهنا توضيح مهم جدًّا، وردٌّ على شبهة: أن السحرة ربما يُخبِرون عن الأحداث وكل التفاصيل وكأنهم معنا! فإنهم لا يعلمون ذلك إلا عن طريق الجِنِّ؛ ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل أُناسٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الكُهَّان، فقال: ((ليسوا بشيءٍ))، قالوا: يا رسول الله، فإنهم يُحدِّثون أحيانًا بالشيء يكون حقًّا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُها الْجِنِّيُّ، فَيُقِرُّها فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجاجةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيها أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ كَذْبَةٍ))؛ ففي هذه الأحاديث النهي عن إتيان العرَّافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك.
•وتجدر الإشارة هنا إلى ذكر بعض علامات السحرة والعرَّافين والدَّجَّالين؛ ليحتاط المؤمن منهم:-
1- فمن أبرز هذه العلامات: أنه يبدأ بالسؤال عن اسم أُمِّ المريض، أو والده، ليستعين بذلك على معرفة المرض عن طريق الشياطين.
2- يأخذ أو يطلب أثرًا من آثار المريض؛ كشَعْرٍ أو ثوبٍ أو غير ذلك.
3- يعطيه حرزًا فيه كتابات وطلاسم.
4- أن تكون قراءتُه غيرَ مفهومة، ويشتمل كلامه على استغاثات بالجِنِّ؛ كأن يقول كلامًا وطلاسِمَ غير مفهومة.
5- يطلب من المريض أن يذبح حيوانًا معينًا؛ مثل: (ديك أسود أو لون معين لحيوان معين ... إلخ).
6- قد يطلب من المريض ألَّا يمس الماء مدةً معينةً.
7- وقد يُعطيه أشياء يدفنها في الأرض أو يعطيه أوراقًا ليحرقها ويتبخَّر بها.
8- قد يخبر المريض باسمه، واسم أُمِّه، ويخبره بمرضه الذي جاء من أجله، وربما بأمور تحصل في بيته.
9- قد يطلب من المرأة أن تتكشَّف وتتبرَّج أمامه، وكم من امرأة رجعت من عند هؤلاء السحرة وقد دنَّسَتْ عرضَها.
10- يطلب ممن يأتيه أن يأتيه بملابس خاصة أو بأجزاء من بدن من يريد أن يلحق به الضرر.

نسأل الله العظيم أن يحفظنا بحفظه، وأن يُعيذَنا من شرِّ الأشرار وكيد الفُجَّار.
                 *    *    *
•الخطبة الثانية:- أَسبَابُ الوِقَايَةِ مِنَ السِّحرِ وَالعِلَاج الشَّرعِي.

•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فما هو العلاج الشرعي؟ وأسباب الوقاية من السحر والسحرة؟
•أولًا: لا بُدَّ من عدة كبسولات لتقوية عدة جوانب تتعلَّق بالتوحيد وسلامة العقيدة وقوة الإيمان؛ ومن ذلك:
• قوة التوكُّل على الله تعالى، واليقين بأنه وحده الذي بيده النفع والضر والشفاء، ولا يكون ذلك إلا بأسباب مشروعة؛ كما قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}، وقال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}
• وأنه لا يعلم الغيب إلا الله؛ لا ملك مُقرَّب ولا نبي مرسل؛ كما قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} والآيات في هذا الباب كثيرة.
• تقوية جانب الإيمان بالقضاء والقَدَر خيره وشره؛ فقد قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كَتَبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قَبْلَ أنْ يخلقَ السمواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ))، فكل شيء هو بقدر الله: تأخُّر زواج، تأخُّر ذرية، ذكور أو إناث، سعة أو ضيق رزق، الأعمار والآجال، فكُلُّها بقَدَر الله تعالى.
• عند المصائب والابتلاءات فإن المؤمن له شأن آخر:
1- يلجأ إلى الله تعالى بالدعاء.
2- يصبر ويحتسب أجره عند الله تعالى.
3- يتخذ الوسائل الشرعية لدفع المصائب ويتحصَّن بالأوراد الشرعية.

•ثانيًا: المحافظة على الصلوات الخمس، وكثرة الذِّكْر وقراءة القرآن؛ خاصة سورة البقرة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر؛ إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.)) وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة.))؛ أي: السحرة.

•ثالثًا: تطهير المنزل من الصور وآلات اللهو والطرب وأجهزة الفساد التي دمَّرَتْ كثيرًا من بيوت المسلمين أخلاقيًّا.
 
•رابعًا: تجنُّب الاسترسال مع الأوهام والخيالات، فربما يضخم هؤلاء السحرة الأمر لسلب أموال الناس، فإن أغلب ما تشتكيه كثير من النساء هو مجرد أوهام وأراجيف (ولا يمنع أن هناك مَن قد تكون مصابة بالفعل).
 
•خامسًا: المحافظة على الأوراد والأذكار التي تقي من السحر قبل وقوعه، وبعد وقوعه؛ مثل: قراءة سورة الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوِّذَتينِ والإخلاص.
 
•سادسًا: عند التحقُّق من الإصابة بالسحر؛ فالعلاج يكون بالرقية الشرعية ممَّن يُعرَفون بالصلاح والتقوى، وشروطها:
1- أن تكون بكلام الله أو بالأدعية الشرعية، وتكون باللسان العربي، وأن تكون واضحةَ المعنى.
2- ألا يعتمد عليها بنفسها؛ فهي سبب، فقد تُجدي وقد لا تُجدي، وكذا الراقي، فهو مجرد سبب؛ فالشافي هو الله عز وجل.
3- ألَّا تشتمل على شيء من دعاء غير الله تعالى.
4- ألَّا تشتمل على خَلْوَة الراقي مع النساء، وكذا الاسترسال في الحديث معهن.
5- وهنا تنبيه مهم جدا: وهو أن كثيرًا من الناس يعتقدون أن الرقية لا تكون إلا من الغير؛ فالأولى والواجب أن يرقِيَ المريضُ نفسه، ثم يرقيه من حوله من أهل بيته، ثم يكون الشيخ أو الراقي آخر شيء.

•ختامًا: فإنه يجب علينا جميعًا الوقوف في وجه السحرة والتصدِّي لهم، وكُلٌّ له دور، وذلك بالآتي:
1- تقوية جانب العقيدة عند الناس.
2- بيان خطورة هؤلاء السحرة على الدين والعقيدة والمجتمعات.
3- بيان كذبهم وفضحهم.
4- الإكثار من الخطب والدروس في هذا الموضوع لا سيَّما دروس النساء؛ فما تكرر تقرر.

نسأل الله العظيم أن يحفظنا من شَرِّ الأشرار، وكيد الفُجَّار، ومِن شرِّ ما تعاقب عليه الليل والنهار.

#سلسلة_خطب_الجمعة.
#دروس_عامة_ومواعظ.
(دعوةٌ وعمل، هدايةٌ وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp

المشاهدات 246 | التعليقات 0