التحذير من الحزبية ومن جماعة التبليغ (خطبة عام 1441ه)
سليمان بن خالد الحربي
الخطبة الأولى:
إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينَهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى اللهُ علَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ واقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ -أيُّهَا المسلِمُونَ- حقَّ تُقَاتِهِ،{وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].
أحبَّتِي في اللهِ! مِنْ كرامَةِ اللهِ -تَعَالَى- لهذِهِ الأمَّةِ أنْ شرَّفَهَا لتقُومَ بِوظيفَةِ الرُّسُلِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ والدِّلالةِ عليْهِ؛ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. وقالَ -تَعَالَى- آمرًا نبيَّهُ -صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ- أنْ يُخبِرَ النَّاسَ بِأَنَّ منْهَجَهُ في الدَّعْوَةِ هُوَ المنْهَجُ الحقُّ، فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
والدعوةُ إلى اللهِ تكليفٌ دائمٌ لهذِهِ الأمَّةِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، وقال -عزَّ مِنْ قَائِلٍ-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، وقَالَ -جَلَّ وعَلا-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
وقَالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا في صَحِيحِ البُخَارِي-: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً».
قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وتَبْلِيغُ سُنَّةِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الأمَّةِ أفْضَلُ مِنْ تَبْلِيغِ السِّهام إلى نُحورِ العَدُوِّ؛ لأنَّ تَبْلِيغَ السِّهَامِ يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، أمَّا تَبْلِيغُ السُّنَنِ فَلا يَقُومُ بِهِ إلَّا ورَثَةُ الأَنْبِيَاءِ».
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «مَا تَصَدَّقَ عَبْدٌ بِصَدَقَةٍ أفْضَلَ مِنْ مَوْعِظَةٍ يعِظُ بِهَا إِخْوانًا لَهُ مُؤْمِنِينَ، فَيتَفَرَّقُونَ وَقَدْ نَفَعَهُمُ اللهُ بِهَا.
وفي "الصَّحِيحَيْنِ" -واللَّفْظُ لِلْبُخَارِي- مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَواللهِ لأنْ يُهدَى بِكَ رَجُلٌ واحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمرِ النَّعَم».
ولا شَكَّ أنَّ أعْظَمَ النَّفْعِ للنَّاسِ هُو نفْعُهمْ في تَصْحِيحِ مُعتقَدِهِمْ ودِينِهِمْ، وزيادَةِ الإيمانِ لَدَيْهِمْ، وتزكِيةِ أخلاقِهمْ وسُلُوكِهمْ، ومُحاربَةِ الباطلِ والشَّهَواتِ الَّتي تعترِضُهُمْ، وَيكْفِي الدُّعاةَ سُمُوًّا وفوزًا أنهمُ الـمُفلِحونَ والسُّعَدَاءُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]. وهُمُ المرحُومُونَ؛ قَال اللهُ تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
ورَوَى مُسلمٌ عنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قَالَ: «مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا ينقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا».
الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تُثمِرُ لِصَاحِبِهَا الثَّبَاتَ عَلَى الهُدَى، والبَرَكَةَ في الأَهْلِ والذُّرِّيَّةِ، وتَدْفَعُ الـمُنكَراتِ وتَقْطَعُهَا، وتَدْحَضُ شُبَهَ الـمُضلِّينَ وتَدْفَعُهَا، ويَصْلُحُ بِهَا حَالُ الـمُجْتَمَعِ، وتَنْشُرُ الإسلامَ وتُعِزُّهُ وتَرْفَعُ شَأنَهُ، وَكَفَى بِهَا شَرَفًا أنَّهَا سَبِيلُ قِيَامِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَضَاهُ للنَّاسِ رَبُّ العَالَـمِينَ.
والدَّعْوَةُ إلى اللهِ زيادةٌ في الحَسَنَاتِ، وَرِفْعَةٌ في الدَّرَجَاتِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ أُجُورُ العِبَادِ بَـمَوْتِهمْ، فَأَجْرُ الدَّاعِيَةِ مُسْتَمِرٌّ مَا اسْتَمَرَّ نَفْعُ دَعْوَتِهِ؛ كَمَا رَوى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ
رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِه».
وَمِنَ الخَطَأِ فِي التَّصَوُّرِ حِينَمَا نتكلَّمُ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ أَنْ نَحْصرَ ثَوَابَ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ في العَالِـمِ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ ويَعَظُهُمْ ويُوَجِّههُمْ، كَلَّا .. فَالأَبُ دَاعِيةٌ في بَيْتِهِ؛ يَأْمُرُ بِالمعروفِ ويَنْهَى عنِ المنْكَرِ بحسَبِ طاقَتِهِ واسْتِطَاعَتِهِ؛ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]، {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
قالَ الـمُفَسِّرُونَ: ووقَايتُهُمْ تَكُونُ بِأَمْرِهِمْ وَنَهْيِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ، فَالوالِدَانِ دَاعيانِ، وَمِثْلُهُمَا الـمُعَلِّمُ وَالـمُعَلِّمَةُ في مَدَرَسَتِهِمَا، فَإِنَّهُمَا دَاعِيانِ إلى اللهِ يقُومَانِ بِتَعْليمِ الطَّلَبَةِ وَتَرْبِيتِهِمْ، فَلَهُمَا ثَوَابُ الدَّعْوَةِ إلَى اللهِ، وَمِثْلُهُ الـمُؤَذِّنُ وَالإِمَامُ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَنْ يَحْفَظُ النِّظَامَ فِي البَلَدِ وَيَـمْنَعُ الظُّلْمَ، فَهُوَ دَاعٍ إِلَى اللهِ.
وَهَذَا هُوَ جَمَالُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ العَظِيمَةِ في شُمُوليَّتِهَا بِأَنْ جَعَلَتْ أَفْرَادَ هَذِهِ الـمِلَّةِ عُضْوًا فاعلًا وَمُثْمِرًا عَلَى أُسْرَتِهِ ومُجْتَمَعِهِ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِـمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِهْ، والشُّكْرُ على توفيقه وامتنانِهْ، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ تعظيمًا لشأنِهْ، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى جَنَّتِهِ ورِضْوَانِهْ، صَلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأعوانِهْ.
أمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ! وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ خَالِيةً مِنَ التَّحَزُّبِ والحِزْبِيَّةِ وَالبِدْعَةِ، والتَّسَمِّي بِأَسْمَاءٍ لَا أَصْلَ لَـهَا؛ يَتَزكُّونَ بَـهَا تميزهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ؛ لأنَّ التحزُّبَ إلَى جَمَاعاتٍ أَسَاسُ الفُرْقَةِ والاخْتِلافِ، وَضَيَاعِ الهَدَفِ الأَسْمَى؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105].
وَمِنْ أَعْظَمِ الـمَعْرُوفِ: الأمرُ بالائْتِلافِ والاجْتِمَاعِ، والنَّهِيُ عَنِ التَّحَزُّبِ والفُرْقَةِ؛ قَالَ ابْنُ تَيْمية: «وَهَذَا التَّفَرُّقُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ تَسَلُّطَ الأَعْدَاءِ».
وَكَيْفَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأُمَّةِ بِأَسْمَاءٍ مُبْتَدَعَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كِتَابِ اللهِ وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وَنَتِيجَةُ الجَمَاعَةِ: رَحْمَةُ اللهِ وَرُضْوَانُهُ وَصَلَوَاتُهُ، وَسَعَادَةُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَبَيَاضُ الوُجُوهِ، ونَتِيجَةُ الفُرْقَةُ: عَذَابُ اللهِ وَلَعْنَتُهُ، وَسَوَادُ الوُجُوهِ، وَبَرَاءَةُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ.
وَتَجِدُ الـمُنْتَسِبُ إلَى جَمَاعَةٍ يَتَعَصَّبُ لَـهَا وَيُوَافِقُهَا عَلَى الخَطَأِ، أَوْ يَغُضُّ الطَّرَفَ عَنْ أَخْطَائِهَا، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِّ وَسُلُوكِ سَبِيلِ الـمُؤْمِنِينَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ هَذَا الانْتِسَابُ تَفْرِقَةً لِأَهْلِ الإِسْلَامِ، وَإِحْدَاثًا فِي دِينِ اللهِ؟!
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَة: «الِانْتِسَابُ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْجَمَاعَةِ والائتلافِ إلَى الْفُرْقَةِ، وَسُلُوكِ طَرِيقِ الِابْتِدَاعِ، وَمُفَارَقَةِ السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ، فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
إِنَّ هَذَا التَّحَزُّبُ يَصْنَعُهُ العَدُوُّ لِيُضْعِفَ الـمُسْلِمِينَ وَيُفَرِّقَهُمْ، وَيُذَكِّيَ فِيهِمُ التَّنَاحُرَ وَالتَّشَرْذُمَ، وَإِنْ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الجَمَاعَاتِ مَا يُسَمَّى بِجَمَاعَةِ التَّبْلِيغِ، أَوِ الأَحْبَابِ، فَهَذِهِ الجَمَاعَةُ مَعْرُوفَةٌ بِفُشُوِّ الجَهْلِ فِيهَا، والتَّسَاهُلِ بِالبِدَعِ بَلْ وَبِالتَّدَيُّنِ بِهَا، وَضَعْفِ الإِنْكَارِ فِي مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالاجْتِهَادِ، والتَّرْكِيزِ فِي الدَّعْوَةِ عَلَى الـمُعَامَلَةِ الحَسَنَةِ، وَعَدَمِ الصَّدْعِ بِالحَقِّ فِي أُمُورِ الشِّرْكِ، وَالتَّسَاهُلِ مَعَ أَهْلِهَا، بَلْ وَالسَّفَرِ إِلَى مَزَارَاتِهِمْ فِي دُوَلِـهِمْ، مَعَ وُجُودِ تَعْظِيمِ الـمَشَاهِدِ وَالشِّرْكِ وَدُعَاءِ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى!
فَكَيْفَ يَنْتَسِبُ شَخْصٌ إِلَى جَمَاعَةٍ جَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُورِ، وَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَنْ يَكُونَ مِثْلَهُمْ! فَإِذًا لِمَ الانْتِسَابُ أصَلًا؟! إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ!
وَقَدْ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ، فَقَدْ حَرَّمَ الخُرُوجَ مَعَهُمْ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى بَصِيرَةٍ فِي الدِّينِ وَبِالعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، وَلَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَجْعَلُونَ الجَاهِلَ الـمُهْتَدِي وَاعِظًا وَدَاعِيَةً يِأْمُرُ وَيْنَهَى، وَهُوَ لَمْ يَتَبَصَّرْ فِي دِينِ اللهِ وَفِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، فَيُسِيءُ لِدِينِ اللهِ وَلَوْ حَسُنَ قَصْدُهُ!
لَكِنْ هَذَا الدِّينُ مَبْنِيٌّ عَلَى الاتِّبَاعِ، وَكَمْ مِنْ مُريدٍ لِلْخَيْرِ لَمْ يُصِبْهُ؟!
وَقَالَ الشَّيْخُ صَالح الفَوْزَان -عُضُوُ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلَمَاءِ-: «بِلَادُنَا وَللهِ الحَمْدُ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، كُلُّ أَفْرَادِهَا وَكُلُّ حَاضِرَتِهَا وَبَادِيَتِهَا تَسِيرُ عَلَى مَنْهَجِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، يُوالي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ويُحبُّ بَعْضُهُمْ بعضًا .
أَمَّا هَذِهِ الجَمَاعَاتُ الوَافِدَةُ فَيَجِبُ أَنْ لَا نَتَقَبَّلَهَا؛ لأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَنْحَرِفَ بِنَا أَوْ تُفَرِّقَنَا، وَتَجْعَلَ هَذَا تَبْلِيغيًّا، وَهَذَا إِخْوَانِيًّا .. وَلِـمَ هذا التفرقُ؟! هَذَا كُفْرٌ بِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى؛ حَيْثُ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، نَحْنُ عَلَى جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى وَحْدَةٍ وَعَلَى بَيِّنةٍ مِنْ أَمْرِنَا، فَلِمَاذَا نَسْتَبْدِلُ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر؟! لِـمَاذَا نَتَنَازَلُ عَمَّا أَكْرَمَنَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ مِنَ الاجْتِمَاعِ والأُلْفَةِ والطَّرِيقِ الصَّحِيحِ وَنَنْتَمِي إلى أَحْزَابٍ تُفَرِّقُنَا وَتُشَتِّتُ شَمْلَنَا وَتَزْرَعُ العَدَاوَةَ بَيْنَنَا؟! هَذَا لَا يَجُوزُ أَبَدًا».
وَقَدْ صَدَقَ -حَفِظَهُ اللهُ- فَلا يَنْتَسِبُ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الجَمَاعَاتِ إِلَّا مَنْ فُتِنَ قَلْبُهُ أَوْ لُبِّسَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ضَعْفِ عِلْمِهِ، قَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ: «إِذَا تَسَمَّى الرَّجُلُ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ فَأَلْحِقْهُ بِأَيِّ دِينٍ شِئْتَ». وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: «إِيَّاكُمْ وَكُلَّ اسْمٍ يُسَمَّى بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ»، وَقَالَ الإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: «أَهْلُ السُّنَّةِ هُمُ الَّذِينَ لَا لَقَبَ لَـهُمْ يُعْرَفُونَ بِهِ».
فَاحْمِدُوا رَبَّكُمْ أَنْ شَرَّفَكُمْ بِالإِسْلَامِ، وَكَمَا قَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ»، أَيْ: أَنَّ الإِسْلَامَ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الحِلْفِ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ، فَإِنَّ فِي التَّمَسُّكِ بِالإِسْلامِ حِمَايَةً كَافِيَةً عَمَّا كَانُوا فِيهِ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَة: «لأنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ أَخُو المسلم» ... فَاللهُ وَرَسُولُهُ قَدْ عَقَدَا الْأُخُوَّةَ بَيْنَهُمَا».
فَلَا حَاجَةً إِلَى أَنْ تُوجَدَ جَمَاعَةٌ يَنْتَسِبُ لَهَا الرَّجُلُ يُوَالِي عَلَيْهَا وَيُفَرِّقُ جَمَاعَةَ الـمُسْلِمِينَ، فَالانْتِسَابُ للإسْلامِ كَافٍ عَنْ كُلِّ جَمَاعَةٍ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ الهُدَى وَإِمَامِ الوَرَى، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ الـمَهْدِيينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الـمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ الـمُعْتَدِينَ وَالنَّصَارَى الـمُحَارِبِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِـمَا يُرْضِيكَ، وَجَنِّبْهُمْ مَعَاصِيكَ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَى التَّائِبينَ، وَاهْدِ ضَالَّ الـمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ رُدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدُّا جَمِيلًا، اللَّهُمَّ ارْفَعْ مَا نَزَلَ مِنَ الفِتَنِ ... اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا ...
عِبَادَ اللهِ، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل:90]، فَاذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ يَذْكُركُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1638969656_التحذير من الحزبية ومن جماعة التبليغ.docx