التحذير من البدع في نهاية وبداية العام الهجري

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}   أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّار

أيها المؤمنون فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ "، ولمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

إن الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في البدعة كلها على سبيل الذم ، ومن ذلك أيضا حديث جابر رَضْيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم: إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيناه وَعَلا صَوتُه، واشتدَّ غَضَبُه، حتَّى كأنَّه مُنذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحكُمْ ومَسَّاكُمْ» ويَقولُ: «بُعِثتُ أنا والسَّاعةِ كهاتَينِ» ويَقرِنُ بين أُصْبُعَيْهِ؛ السَّبَّابةِ والوُسْطَى، ويَقولُ: «أمَّا بَعدُ؛ فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدِي هديُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشَرُّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكلُّ بِدعةٍ ضَلالةٌ» رواه مسلم.

وفي رواية للنسائي :( وشرًّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وكلَّ ضلالةٍ في النارِ ).

وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم".

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة).

عباد الله إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يلحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله به الدين ، وأظهر به التوحيد والسنة ، وسد به طرق الشرك والبدعة ، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) ، فأصبح هذا الدين كاملاً ليس في حاجة لزيادة ، صالحاً لكل زمان ومكان ، كفيلاً بكل مايحتاجه البشر ، ولكن أعداء السنّه ومن يُحزِنُهم التّمَسُّك بها حسّنُوا لبعض الناس الإبتداع في الدين ، وقَصْدِهم هو التّحريف والتبديل في دين الإسلام وإفساده .

عباد الله فالْحَدِيثُ عَنِ الْبِدَعِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ خَطَرِهَا وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ؛ فَهِيَ بَابٌ لإماتَةِ السُّنَنِ؛ وصَدَقَ ابنُ عباسٍ-رضيَ اللهُ عَنْهُمَا-حَيْثُ قالَ: (مَا أَتَى عَلَى النَّاسِ عَامٌ؛ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ، وتَمُوتُ السُّنَنُ)) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَندٍ صَحِيحٍ.

عباد الله ومن البدع التي تنتشر في مثل هذه الأيام   مَنْ يَرْسِلُ للناس فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَبْرَ َشَبَكَاتِ التَّوَاصِلِ ، رَسَائِلَ يَقُولُ فِيهَا: ((هَذِهِ آخِرُ جُمْعَةٍ أَوْ آخِرُ يَوْمٍ فِي العَامِ؛ فَلَا تُفَرِّطُوا فيهِمَا بالدُّعَاءِ  ؛أو الصيام أو الصلاة أو الاستغفار فَاِخْتِمُوا عَامَكُم بِـخَيـْرٍ)).

عباد الله وَمَا عَلِمَ هَؤُلَاءِ الْمُرْسِلُونَ أَنَّ الْخَاتِمَةَ هِيَ خَاتِمَةُ الْعُمْرِ، ولَيْسَتْ خَاتِمَةَ السَّنَةِ. وَخَاتِمَةُ الْعُمْرِ هو الموت الذي لا نعلم متى يحصل لنا ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ حَذِرِينَ مِنَ الْـمَوْتِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بَلْ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلَحْظَةٍ، وَلَيْسَ فِي آخِرِ وَأَوَّلِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ.

أيها المؤمنون ومن البدع التي تنتشر في هذه الأيام: ما ينتشـر في الرسائل ووسائل التواصل، أن صحيفة العمل تُطْوَى عند نهاية العام، وتُفتح صحيفةٌ جديدةٌ في بدايته، وهذا لا دليل عليه، وصحيفة كل إنسانٍ تُطوى إذا مات، وتُعرض بعد الممات؛ (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِـرَتْ) وقال سبحانه ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾.

أيها المسلمون ومن هذه البدع الاحتفال برأس السنة الهجرية، والاحتفال برأس السنة الهجرية أمر مُحدث مُبتدع ، لم يُؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم ، ولا عن السلف الصالح ، ولكن حدث ذلك بعد القرون المفضلة ، وكان أول من أحدث هذه البدعة الرافضة الفاطمية.

عباد الله : الحذر من نشر الرسائل في وسائل التواصل، التي تدعو إلى البدع والمحدثات وفيها التعاون على الإثم والعدوان، وعلينا التثبت من صحة الرسائل قبل نشرها . وعلينا محاربة البدع وانتشارها، ولا نتعبد لله إلا بما شرع في كتابه وما جاء عن رسول ربنا صلى الله عليه وسلم.

عباد الله واعلموا أن التهنئة بالعام الجديد لم تكُن معروفةً عند السَّلف، لأنَّ التهنئةَ بالعام الهجري الجديدَ لا معنَى لها أصلًا؛ إذ الأصلُ في معنى التهنئة: تجدُّد نِعمة، أو دَفْع نِقمة؛ فأيُّ نِعمة حصَلَت بانتهاءِ عامٍ هِجري؟! والأَوْلى هو الاعتبارُ بذَهابِ الأعمار، ونَقصِ الآجال.

وعلى المؤمن أن يأخذ العبرة من مرور الليالي والأيام، فإن الليل والنهار يُبليان كل جديد، ويقرِّبان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويشيِّبان الصغير، ويفنيان الكبير، وكل يوم يمر بالإنسان، فإنه يبعده من الدنيا ويقرِّبه من الآخرة.

والسعيد عباد الله مَن حاسب نفسه، وتفكر في انقضاء عمره، واستفاد من وقته فيما ينفعه في دينه ودنياه .

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن بسلف الأمة اقْتدى، ولنهجهم اقتفى، وبِهَديهم اهتدى. أقول ما قد سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لاشريك لهُ، تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَتْبَاعِهِ، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا ،

أمّا بعدُ:

فيا أيها المسلمون : في يوم غد إن شاء الله يبدأ شهر الله المحرم ، وقد ورد الدليل بفضل الصيام في شَهْرِ مُـحَرَّم ، فمن أراد صيامه فلا يصمهُ لأنه بداية السنة الهجرية، إنـما يصومه لثبوت النص والدليل بفضل الصوم فيه، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وقال بعضُ العُلماءِ على هذا الحديث أنه فيه الترغيبِ في الإكثارِ من الصِّيامِ في شهرِ المُحَرَّم لا صومِه كُلِّه؛ لقولِ عائشةَ رضي الله عنها: (ما رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استكمَلَ صيامَ شَهرٍ قَطُّ إلَّا رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثَرَ منه صيامًا في شعبانَ) أخرجه مسلم

عباد الله ومن أيام شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ؛ يومُ عاشوراء، وهو اليومُ العاشر منهُ، صَامَهُ صلى الله عليه وسلم، وأخبر بأجر من يصومه فقال: (( وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ )) رواه مسلم

عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....