الحمدُ لله الذي خلقَ الخلقَ وبرأَ وأحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه وذرَا لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى أحمدُه سبحانه وأشكُره وأتوبُ إليهِ وأستغفِرُه على نعمٍ تتكاثَر وآلاءٍ تترَى وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، المبعوثُ من أمِّ القُرىَ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه ، وأصحابِه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما صبحٌ أقبلَ، وليلٌ سرى.أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوَى الله، فاتَّقوا الله رحمكم الله فالتقوَى هي أكرَمُ ما أسرَرتُم، وأحسَنُ ما أظهَرتُم، وأفضلُ ما ادَّخَرتُم الواعِظُون بها كثير، والعامِلُون بها قليل، لا يقبَلُ الله غيرَها، ولا يرحَمُ إلا أهلَها، ولا يُثيبُ إلا عليها؛ فتقوَى الله أصلُ السلامة وقاعِدةُ الثَّبات، وجِماعُ كلِّ خيرٍ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. أيها المسلمون : يناديكم ربكم في محكم كتابه ويحذركم من فتنتين عظيمتين هما: فتنة الدنيا وفتنة الشيطان.يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ وكم في كتاب الله من التحذير من الاغترار بهذه الدنيا وذمها، وبيان سرعة زوالها، وضرب الأمثال لها؛ ما يكفي بعضه زاجراً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟فلا خُلْد في الدنيا يُرتَجى، ولا بقاء فيها يُؤمَّل، وما الناس إلا راحلٌ وابنُ راحلِ، وما الدهرُ إلا مَرُّ يومٍ وليلةٍ، وما الموتُ إلا نازلٌ وقريبُكُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍوَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. سبيل الخلق كلهم الفناء فما أحد يدوم له البقاء . يقربنا الصباح إلى المنايا . ويدنينا إليهن المساء. أيها المسلمون إذا فهمنا هذا عرفنا أن ما يقع من التظالم بين العباد هو من الاغترار بالدنيا والجهل بعظيم يوم الحساب إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وفي صحيح مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه إلى سبع أراضين. فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب وقال أبو الدرداء رضي الله عنهإياك ودعوات المظلوم؛ فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار لَا يَظُنَّنَّ أحَدٌ أَنَّ ظُلْمَهُ لِلْعِبَادِ بِضَرْبٍ أَوْ سَبٍّ أَوْ شَتْمٍ، أَوْ تَزْوِيرٍ، أَوْ أَكْلِ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، أَوْ هَتْكِ عِرْضٍ، أَوْ سَفْكِ دَمٍ، أَوْ غَيْبَةٍ أَوْ نَمِيمَةٍ، أَوْ اسْتِهْزاءٍ أَوْ سُخْرِيَةٍ، أَوْ جَرْحِ كَرَامَةٍ؛ أَوْ مُمَاطَلَةٍ فِي الدُّيُونِ لَا يَظُنَّنَّ أحَدٌ أَنَّ شيئاً مِنْ ذَلِكَ الظُّلْمِ سَيَضِيعُ وَيَذْهَبُ دُونَ حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ ولكن ستستأنف المحاكمة عند رب حكم عدل ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون . ذَلِكَ الْيَوْم الَّذِي لَا ظُلْمَ فِيهِ وَلَا وَاسِطَةَ وَلَا جَاهَ وَلَا رَشْوَةَ وَلَا شَهَادَةَ زُورٍ. اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَفاتقوا الله عباد الله وتخلصوا من المظالم واجتنبوا الآثاموَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ . بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : ومن الظلم في هذا الزمن الذي زاد فيه الطمع والحرص على الدنيا وشهواتها وملذاتها تقديم الدعاوى الكيدية ومن دوافعها البغض والحقد والحسد والغل، ومن أهدافها تشويه سمعة المدَّعى عليه وإلحاق الضرر به بغير حقّ، وهي ظلم وإثم وتجر إلى الكذب والمكر والخداع . والمخاصِم بالدعاوى الكيدية الباطلة، فإنَّه ينال سخط الله حتى يترك ويتوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عنه، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ رواه الإمام أحمد وأبو داود وقَصْدُ المُؤْمِنِ بِمَا يَسُوءُهُ وَيُؤْذِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ الأَذَى حِسِّيًّا ، أَوْ كَانَ معنوياً. هو من كبائر الذنوب وَقَدْ يَكُونُ الأَذَى المَعْنَوِيُّ أَشَدَّ وَطْأَةً عَلَى النَّفْسِ، وَأَبْقَى أَثَرًا فِي النَّاسِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلْوِيثِ السُّمْعَةِ، وَنَشْرِ السُّوءِ، وَلا سِيَّمَا إِنْ كَانَ كَذِبًا وَبُهْتَانًا، وَفِيهِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وبعد عباد الله فَاحْذَرُوا مِنْ الْخُصُومَاتِوالدعوي الكيدية وراقبُوا اللَّهَ فِي أَعْمَالِكُمْ وأقوالِكموَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ. ثم صلو وسلموا
المشاهدات 643
| التعليقات 0
تسجيل دخول
إذا لم يكن لديك حساب بالفعل قم بالضغط على إنشاء حساب جديد