التحذير من الاحتفال بأعياد الكفار
زكي اليوبي
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: ١٠٢] ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[سورة النساء: ١]﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[سورة الأحزاب: ٧٠-٧١]
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عِبَادَ اللَّهِ: إن ديننا الإسلامي الحنيف حذرنا من اتباع طريق اليهود والنصارى في عاداتهم وتقاليدهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": الله عز وجل بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، الذي هو الصراط المستقيم، وفرض على الخلق أن يسألوه هدايته كل يوم في صلاتهم، ووصفه بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، قال ذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. والله عز وجل قد حذرنا سبيلهم. وقال النبي عليه الصلاة والسلام محذراً أمته من طريقهم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يارسول الله، اليهود والنصارى، قال: "فمن". ثم بين أن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب: من اعتقادات، وإرادات، وغير ذلك، وأمور ظاهرة: من أقوال، أو أفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس، وغير ذلك. وهـذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال، يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال، يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً. وقد بعث الله عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي الكتاب والسنة، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه لنا، فكان من هـذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يخالف سبيل المغضوب عليهم، والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر لعدة أسباب منها: أن المشابهة في الأمور الظاهرة ينتج عنها موافقة ما في الأخلاق والأعمال. ومنها: أن المخالفة في الأمور الظاهرة ينتج عنها مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال، والميل إلى أهل الهدى والرضوان، وأن ترك مشابهتهم أمر مشروع، فكلما بعد الإنسان عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا، كان أبعد عن الوقوع في المشابهة المنهي عنها، وهـذه مصلحة جليلة. ا.ه. وذلك تعليل جيد من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه القضية أعني قضية النهي عن التشبه باليهود والنصارى.
أسأل الله العلي القدير أن يوفقني وإياكم للإسلام والسنة، ويجنبنا البدع والعصيان، وأن يجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [سورة البقرة: 281].
عباد الله: إن مسألة الأعياد، من أشد وأخطر ما تساهل فيه المسلمون بعد القرون المفضلة، وتوافق هذه الأيام احتفالات النصارى برأس السنة الميلادية، واعلموا أن الاحتفال بأعياد المشركين ومشاركتهم وتهنئتهم لا تجوز، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب في قوله تعالى: {وَٱلَّذِینَ لَا یَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغۡوِ مَرُّوا۟ كِرَامࣰا} [الفرقان ٧٢] فروي عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنه، وعدد من التابعين، في قوله تعالى: {وَٱلَّذِینَ لَا یَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ} قالوا: أعياد المشركين، وعن عمرو بن مرة، ﴿والذين لا يشهدون الزور﴾، قال: لا يمالئون أهل الشِّرك على شركهم، ولا يُخالِطونهم، وأما السنة فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما فقالَ: ما هذانِ اليومانِ قالوا كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ. أخرجه أبو داود وصححه الألباني
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: (إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما يومين آخرين) والإبدال من الشيء، يقتضي ترك المبدل منه. وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال : "من بنَى ببلادِ الأعاجمِ، فصنع نَيروزَهم ومهرجانَهم، وتشبَّهَ بهم حتَّى يموتَ وهو كذلك، حُشِرَ معهم يومَ القيامةِ" أورده ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم وقال: إسناده صحيح
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، ووفقنا لاتباع سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ثم صلوا وسلموا عليه حيث أمرنا الله بذلك فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم, اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ اَلْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ بِفَضْلِكَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللهم تول أمر إخواننا المستضعفين في فلسطين، وفي السودان اللهم كن لهم عوناً ونصيرا، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. والحمد لله رب العالمين