التجريم والتصحيح في #حادثة_القديح 11 شعبان 1436هـ. لفضيلة الشيخ: راشد البداح
أحمد بن ناصر الطيار
1436/08/10 - 2015/05/28 08:34AM
الحمد لله مَا سبّحَت بحمدِه ألسنةُ الذاكِرين، وسبحانَ الله ما أشرَقت بأنوار طاعته وجوهُ العابدين، والله أكبر ما هدى لنوره ما شاء من المهتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسان إلى يومِ الدِّين. أما بعد:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
اذكروا نعمَ الله الكثيرةَ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأعظمُهن نِعمةُ الإسلام والإيمان، ثم الأمْن في الأوطان، ولذا جاء الأمنُ مقرونًا بالطَّعام الذي لا حياةَ للإنسان بدونِه، كما قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}.
ومن أعظم آثار هذا الإسلامِ والإيمانِ وهذا الأمنِ: ما تراه من هذه اللُّحمة المتجسدة بين الراعي والرعية، والمحبةِ والقوةِ التي بها تستقيم أحوال الدولة، وتستمرُّ متماسكةً مُهابة. {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
ومن النعم الظاهرة الحاضرة: ما تراه من يقظة المجتمع عند حلول العوادي الطارئة على بلادنا، وأقربُ الأمثلة على هذا حادثُ يومِ الجمعةِ الماضية، فبينما الناس يصلون الجمعة إذ وقع ذلك الحادث الماكر الغادر القبيح: حادث تفجير القُديح، وراح ضحيتَه إحدى وعشرون نفساً معصومة، ومع أليم وقْع الحدث وتداعياتِه إلا أنه قد زادت لدى أكثرِ الناس -ولله الحمد- قناعةٌ بمثالبِ وسَوءاتِ هذا النهجِ التكفيري التفجيري، حتى غدا فكرًا مذؤومًا مدحورًا، وصار لا يَمتري عاقل أن هذه الفئةَ المفسدةَ لا تمثّل إلا نفسَها، حيث انجرَّت بجريمةِ التكفيرِ بغير حقٍّ إلى جريمةِ سفكِ دمِاء المعصومين، والثانيةُ وليدةٌ للأُولَى في الغالِب، وحين يبدأ الانتحار الفكري يتلوه الانتحار البدني!!
وقد وصل الإجرامُ ذروتَه باستهدافِ فِئةٍ عزيزة علينا، هم عيوننا الساهرة وليوث عرينِنا الكاسِرة، إنهم رجالُ أمننا البواسل، الذين قبضوا على عدة عصابات، وفضحوا المخططات التي وراءها جهات أجنبية خبيثة، فضحوهم في وقت قياسي، وقطعوا طريقهم قبل تنفيذ أكثر خططهم. فاللهم احفظ رجال أمننا بحفظك واكفهم كيد المتربصين الزائغين.
وهؤلاء الأغَيلِمةُ الصِغار قد تبرأ وتبرَّم منهم أهليهم وأقاربهم، بل وحذروا من أفعالهم، فلا مجال لشماتة شامت أو لوم لائم، ولكنه ابتلاء مبين، يستدعي من القرابة المكلومين وأهل البلد الواحد المصابين أن يتماسكوا، ويكونوا كالبنيان المرصوص، وأن يتواصوا بالحق وبالصبر، وأن يتفاءلوا ويفخروا بهذه الملايين من الشباب الفخورِ بدينه وببلده المسلمِ، والمدافعِ عن حماه، والمشاركِ في وطنه بدراسته ووظيفتِه وهمَّتِه، وبسعيِه لرفعةِ دينه، وبيقينِه أن الله اختار هذا الدينَ {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
والأصلُ في شبابِنا السلامةُ والاستِقامة، وأكثرُهم على هُدًى وخيرٍ تُسرُّ به نفوسُ المُؤمنين، وتغتمُّ له قلوبُ المُنافِقين، الذين ما فتِئُوا يخلِطُون الحقَّ بالباطِل، ويُعمِّمُون القليلَ على الكثيرِ.
فإن وجدنا من شذَّ في فكره وعمله، فلا نَشْمِتْ به ولا نَنْفُرْ منه حتى نناقشَه ونقنعَه بالحجة والحكمة. وهذا هو المنهج السلفيُّ مع أولئك.فقد كان السلف الصالح أيضاً يكتوون بنار غُلاةِ من الشباب، ولكنهم يَحتوونهم ثم ينتشلونهم. وإليكم مثالين شاهدَين على ذلك:
قال التابعي قبيصة بن جابر ~: خَرجنا حُجَّاجًا، فبينما نحن محْرِمون إذ سَنَح لنا ظبي، فرماه رجل منا بحجَر، فقتَله، فأُسْقِطَ فى أيدينا، فدخلتُ أنا وصاحب الظبي على عمرَ ابن الخطاب > فقصَّ عليه القصةَ، فاجْتَنَحَ عمرُ إلى رجل إلى جَنْبِه، فكلَّمه ساعة، ثم أقبَلَ على صاحبي فقال له: خُذْ شاة من الغنم، فأَهْرِقْ دَمَها، وتصدق بلَحْمِها. فأقبلتُ على الرجل، فقلت له: أيها المستفتي عمرَ بنَ الخطاب؛ إن فتياه لن تُغْني عنك من الله شيئًا، واللهِ ما عَلِمَ عمرُ حتى سأل الذي إلى جنبه، فانْحَرْ راحلتَكَ، فتصدَّق بها، وعظِّم شعائر الله.
قال: فواللهِ ما شَعُرْت به إلا يضرِب بالدِّرَّة عليَّ. ثم قال: قاتَلَك الله! تعدَّى الفُتيا، وتَقتل في الحَرَم، وتقول: والله ما عَلِمَ عمر حتى سأل الذي إلى جنبِه؟! أمَا تقرأ كتاب الله؟! فإن الله يقول:( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
ثم أخذ بمَجَامع ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين! إني لا أُحِلُّ لك منِّي أمرًا حرَّمه الله عليك، فأرسَلَني، ثم أقبَلَ عليَّ فقال: إني أراك شابًا فَصِيح اللسان، فَسِيح الصدر، وقد يكون فى الرجل عشَرةُ أخلاق، تِسْعٌ حَسنة، وواحدة سيئة، فيُفْسِد الخلقُ السيِّئُ التِّسعَ الصالحة، فاتَّق طَيْراتِ الشباب، وإيَّاك وعَثْرةَ الشباب( ).
فانظروا للمحدَّث المُلهَم عمر؛ كيف احتوى الشابَ وأقنَعه بالحجة والحكمة، وأزال عنه الشبهةَ، حتى صار ذلك الشابُ تلميذاً لعمرَ وابنِ مسعود، ثم إماماً من أئمة التابعين.
المثال الثاني: يؤكد أهميةَ الحوارِ الهادئِ بين العلماء والمربين والشباب، وتحمُّلَ اندفاعِهم وتحذيرَهم من حماسٍ غيرِ منضبط، ومن خطرِ التكفيرِ المؤدي إلى دهاليز التفجير.
قال سوّار بن شبيب: كنت عند ابنِ عمر{، إذ أتاه رجل جَليدُ العين، شديدُ اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نَفَرٌ ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرعَ فيه، وكلهم مجتهِد لا يأْلُوا، وهم في ذلك يَشهد بعضهم على بعض بالشِّرك! فقال رجل من القوم: وأيَّ دَناءةٍ تريد، أكثرَ من أن يَشهد بعضهم على بعض بالشرك؟! فقال الرجل: إني لستُ إيّاك أَسأل، إنما أَسأل الشيخ! فأعاد على ابنِ عمرَ الحديث، فقال ابن عمر: لعلك تَرى -لا أبا لَك- أني سآمُرك أن تذهب فتقتلَهم؟! عِظْهُم وانْهَهُم، فإن عَصَوْك فعليك بنفسِك، فإن الله تعالى يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)( ).
حمدًا لكَ اللهمّ حمدًا حمدًا، وشكرًا لك ربَّنا شُكرًا شكرًا، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمَّدٍ عبدِ الله ورسولِه؛ أشرفِ الخليقة طُرًّا، وعلى آلِه وأصحابه والتابعين بإحسان ورجى أجراً، أما بعد: فكم نحتاج إلى فتح أبوابِ الحِوار الصريح الشفّاف مع الشباب، يقوده علماؤنا في حوارٍ بنَّاء، بلا تجهّم أو ازدراء لأسئلتِهم أو تجاهل استفساراتهم مهما بدَا من غرابتِها أو سَذاجتها أو خشونتِها.
ويا أيها الآباء: اقترِبوا من أولادكم، واصطَفُوهم أصدقاءَ لكم، وصادِقوا أصدقاءَهم، واسمعوا وجهات نظرهم وحاوِروهم بلا عنف، ولا تجعل شغلَك الشاغلَ سائمتَك ومزرعتَك وتجارتَك واستراحتَك، ولا تتعامل مع أولادك بِرَدَّة فعلٍ مُعاكِسة، فتمنعَهم مما فيه خير، ولكنْ عند ملاحظتِك أيَّ تغيُّر في ولدِك فلابدّ من الاستنارة بآراء المشايخ والمستشارين: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
ويا أيها الشباب الصادقون: ما أجمل هذه الرسائل والمقاطع والتحذيرات التي ترسلونها في القروبات والحسابات من استنكار هذه التفجيرات وأحداثِ القتلِ الآثمة وخطرِ أثَرِها، والتي تؤكد صدقَ ولائِكم لدينكم وولاةِ أمركم، وعمقَ برِّكم بوالديكم باستئذانِهم ومشاورتِهم فيما تفكرون فيه، وحين لزِمْتُم حلقاتِ القرآن حفظاً وتحفيظاً حَفِظَكم ربكم بذلك، ووقاكم من الفتن باعتصامكم بحبل الله جميعاً.
وبقي -يا شبابَنا وأحبابَنا- أمرٌ مهم؛ ألا وهو الاحترازُ من الحساباتِ الوهميةِ في وسائلِ التواصلِ والتي فاقَت أربعين ألف حسابي وهمي ماكر كاذب، حسابات تُوغر الصدورَ على ولاة الأمورِ من العلماء والأمراء، وتوهِنُ القلوبَ لتهوِّلَ من قوة العدو، وتهوِّنَ من قدرة أمةِ الإسلام. وحذِّروا من ترَونه من خطورةِ إيواءِ المطلوبين ومساعدِتهم؛ لأن إيواءَهم من التعاون على الإثم والعدوان.
• حمَى الله هذه الديارَ خاصة، وديارَ المسلمين عامةً من كلِّ سوء، وجنَّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وحفِظ علينا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلَحَ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وآخرتَنا التي إليها معادنا، إنه سميعٌ مجيب.
• اللهم إنا نبرأ إليكَ مما صَنع هؤلاء القَتَلةُ الجَهَلة، ونسألك أن تُديم علينا أمنَنا واجتماعَنا، وأن تهديَ ضالَّ المسلمين، وتردَّه إلى الحق.
اذكروا نعمَ الله الكثيرةَ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأعظمُهن نِعمةُ الإسلام والإيمان، ثم الأمْن في الأوطان، ولذا جاء الأمنُ مقرونًا بالطَّعام الذي لا حياةَ للإنسان بدونِه، كما قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}.
ومن أعظم آثار هذا الإسلامِ والإيمانِ وهذا الأمنِ: ما تراه من هذه اللُّحمة المتجسدة بين الراعي والرعية، والمحبةِ والقوةِ التي بها تستقيم أحوال الدولة، وتستمرُّ متماسكةً مُهابة. {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
ومن النعم الظاهرة الحاضرة: ما تراه من يقظة المجتمع عند حلول العوادي الطارئة على بلادنا، وأقربُ الأمثلة على هذا حادثُ يومِ الجمعةِ الماضية، فبينما الناس يصلون الجمعة إذ وقع ذلك الحادث الماكر الغادر القبيح: حادث تفجير القُديح، وراح ضحيتَه إحدى وعشرون نفساً معصومة، ومع أليم وقْع الحدث وتداعياتِه إلا أنه قد زادت لدى أكثرِ الناس -ولله الحمد- قناعةٌ بمثالبِ وسَوءاتِ هذا النهجِ التكفيري التفجيري، حتى غدا فكرًا مذؤومًا مدحورًا، وصار لا يَمتري عاقل أن هذه الفئةَ المفسدةَ لا تمثّل إلا نفسَها، حيث انجرَّت بجريمةِ التكفيرِ بغير حقٍّ إلى جريمةِ سفكِ دمِاء المعصومين، والثانيةُ وليدةٌ للأُولَى في الغالِب، وحين يبدأ الانتحار الفكري يتلوه الانتحار البدني!!
وقد وصل الإجرامُ ذروتَه باستهدافِ فِئةٍ عزيزة علينا، هم عيوننا الساهرة وليوث عرينِنا الكاسِرة، إنهم رجالُ أمننا البواسل، الذين قبضوا على عدة عصابات، وفضحوا المخططات التي وراءها جهات أجنبية خبيثة، فضحوهم في وقت قياسي، وقطعوا طريقهم قبل تنفيذ أكثر خططهم. فاللهم احفظ رجال أمننا بحفظك واكفهم كيد المتربصين الزائغين.
وهؤلاء الأغَيلِمةُ الصِغار قد تبرأ وتبرَّم منهم أهليهم وأقاربهم، بل وحذروا من أفعالهم، فلا مجال لشماتة شامت أو لوم لائم، ولكنه ابتلاء مبين، يستدعي من القرابة المكلومين وأهل البلد الواحد المصابين أن يتماسكوا، ويكونوا كالبنيان المرصوص، وأن يتواصوا بالحق وبالصبر، وأن يتفاءلوا ويفخروا بهذه الملايين من الشباب الفخورِ بدينه وببلده المسلمِ، والمدافعِ عن حماه، والمشاركِ في وطنه بدراسته ووظيفتِه وهمَّتِه، وبسعيِه لرفعةِ دينه، وبيقينِه أن الله اختار هذا الدينَ {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
والأصلُ في شبابِنا السلامةُ والاستِقامة، وأكثرُهم على هُدًى وخيرٍ تُسرُّ به نفوسُ المُؤمنين، وتغتمُّ له قلوبُ المُنافِقين، الذين ما فتِئُوا يخلِطُون الحقَّ بالباطِل، ويُعمِّمُون القليلَ على الكثيرِ.
فإن وجدنا من شذَّ في فكره وعمله، فلا نَشْمِتْ به ولا نَنْفُرْ منه حتى نناقشَه ونقنعَه بالحجة والحكمة. وهذا هو المنهج السلفيُّ مع أولئك.فقد كان السلف الصالح أيضاً يكتوون بنار غُلاةِ من الشباب، ولكنهم يَحتوونهم ثم ينتشلونهم. وإليكم مثالين شاهدَين على ذلك:
قال التابعي قبيصة بن جابر ~: خَرجنا حُجَّاجًا، فبينما نحن محْرِمون إذ سَنَح لنا ظبي، فرماه رجل منا بحجَر، فقتَله، فأُسْقِطَ فى أيدينا، فدخلتُ أنا وصاحب الظبي على عمرَ ابن الخطاب > فقصَّ عليه القصةَ، فاجْتَنَحَ عمرُ إلى رجل إلى جَنْبِه، فكلَّمه ساعة، ثم أقبَلَ على صاحبي فقال له: خُذْ شاة من الغنم، فأَهْرِقْ دَمَها، وتصدق بلَحْمِها. فأقبلتُ على الرجل، فقلت له: أيها المستفتي عمرَ بنَ الخطاب؛ إن فتياه لن تُغْني عنك من الله شيئًا، واللهِ ما عَلِمَ عمرُ حتى سأل الذي إلى جنبه، فانْحَرْ راحلتَكَ، فتصدَّق بها، وعظِّم شعائر الله.
قال: فواللهِ ما شَعُرْت به إلا يضرِب بالدِّرَّة عليَّ. ثم قال: قاتَلَك الله! تعدَّى الفُتيا، وتَقتل في الحَرَم، وتقول: والله ما عَلِمَ عمر حتى سأل الذي إلى جنبِه؟! أمَا تقرأ كتاب الله؟! فإن الله يقول:( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
ثم أخذ بمَجَامع ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين! إني لا أُحِلُّ لك منِّي أمرًا حرَّمه الله عليك، فأرسَلَني، ثم أقبَلَ عليَّ فقال: إني أراك شابًا فَصِيح اللسان، فَسِيح الصدر، وقد يكون فى الرجل عشَرةُ أخلاق، تِسْعٌ حَسنة، وواحدة سيئة، فيُفْسِد الخلقُ السيِّئُ التِّسعَ الصالحة، فاتَّق طَيْراتِ الشباب، وإيَّاك وعَثْرةَ الشباب( ).
فانظروا للمحدَّث المُلهَم عمر؛ كيف احتوى الشابَ وأقنَعه بالحجة والحكمة، وأزال عنه الشبهةَ، حتى صار ذلك الشابُ تلميذاً لعمرَ وابنِ مسعود، ثم إماماً من أئمة التابعين.
المثال الثاني: يؤكد أهميةَ الحوارِ الهادئِ بين العلماء والمربين والشباب، وتحمُّلَ اندفاعِهم وتحذيرَهم من حماسٍ غيرِ منضبط، ومن خطرِ التكفيرِ المؤدي إلى دهاليز التفجير.
قال سوّار بن شبيب: كنت عند ابنِ عمر{، إذ أتاه رجل جَليدُ العين، شديدُ اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نَفَرٌ ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرعَ فيه، وكلهم مجتهِد لا يأْلُوا، وهم في ذلك يَشهد بعضهم على بعض بالشِّرك! فقال رجل من القوم: وأيَّ دَناءةٍ تريد، أكثرَ من أن يَشهد بعضهم على بعض بالشرك؟! فقال الرجل: إني لستُ إيّاك أَسأل، إنما أَسأل الشيخ! فأعاد على ابنِ عمرَ الحديث، فقال ابن عمر: لعلك تَرى -لا أبا لَك- أني سآمُرك أن تذهب فتقتلَهم؟! عِظْهُم وانْهَهُم، فإن عَصَوْك فعليك بنفسِك، فإن الله تعالى يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)( ).
حمدًا لكَ اللهمّ حمدًا حمدًا، وشكرًا لك ربَّنا شُكرًا شكرًا، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمَّدٍ عبدِ الله ورسولِه؛ أشرفِ الخليقة طُرًّا، وعلى آلِه وأصحابه والتابعين بإحسان ورجى أجراً، أما بعد: فكم نحتاج إلى فتح أبوابِ الحِوار الصريح الشفّاف مع الشباب، يقوده علماؤنا في حوارٍ بنَّاء، بلا تجهّم أو ازدراء لأسئلتِهم أو تجاهل استفساراتهم مهما بدَا من غرابتِها أو سَذاجتها أو خشونتِها.
ويا أيها الآباء: اقترِبوا من أولادكم، واصطَفُوهم أصدقاءَ لكم، وصادِقوا أصدقاءَهم، واسمعوا وجهات نظرهم وحاوِروهم بلا عنف، ولا تجعل شغلَك الشاغلَ سائمتَك ومزرعتَك وتجارتَك واستراحتَك، ولا تتعامل مع أولادك بِرَدَّة فعلٍ مُعاكِسة، فتمنعَهم مما فيه خير، ولكنْ عند ملاحظتِك أيَّ تغيُّر في ولدِك فلابدّ من الاستنارة بآراء المشايخ والمستشارين: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
ويا أيها الشباب الصادقون: ما أجمل هذه الرسائل والمقاطع والتحذيرات التي ترسلونها في القروبات والحسابات من استنكار هذه التفجيرات وأحداثِ القتلِ الآثمة وخطرِ أثَرِها، والتي تؤكد صدقَ ولائِكم لدينكم وولاةِ أمركم، وعمقَ برِّكم بوالديكم باستئذانِهم ومشاورتِهم فيما تفكرون فيه، وحين لزِمْتُم حلقاتِ القرآن حفظاً وتحفيظاً حَفِظَكم ربكم بذلك، ووقاكم من الفتن باعتصامكم بحبل الله جميعاً.
وبقي -يا شبابَنا وأحبابَنا- أمرٌ مهم؛ ألا وهو الاحترازُ من الحساباتِ الوهميةِ في وسائلِ التواصلِ والتي فاقَت أربعين ألف حسابي وهمي ماكر كاذب، حسابات تُوغر الصدورَ على ولاة الأمورِ من العلماء والأمراء، وتوهِنُ القلوبَ لتهوِّلَ من قوة العدو، وتهوِّنَ من قدرة أمةِ الإسلام. وحذِّروا من ترَونه من خطورةِ إيواءِ المطلوبين ومساعدِتهم؛ لأن إيواءَهم من التعاون على الإثم والعدوان.
• حمَى الله هذه الديارَ خاصة، وديارَ المسلمين عامةً من كلِّ سوء، وجنَّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وحفِظ علينا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلَحَ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وآخرتَنا التي إليها معادنا، إنه سميعٌ مجيب.
• اللهم إنا نبرأ إليكَ مما صَنع هؤلاء القَتَلةُ الجَهَلة، ونسألك أن تُديم علينا أمنَنا واجتماعَنا، وأن تهديَ ضالَّ المسلمين، وتردَّه إلى الحق.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق