التبيان في الدفاع عن لغة القرآن. 4/3/1436ه

عبد الله بن علي الطريف
1436/03/04 - 2014/12/26 08:22AM
التبيان في الدفاع عن لغة القرآن. 4/3/1436ه
أما بعد فأوصيكم أيها الإخوة ونفسي بتقوى الله تعالى فالتقوى خيرُ زادٍ وخيرُ لِباسٍ يقول ربنا جل في علاه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]
أيها الأحبة: كان للفتوحات الإسلامية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الأثرُ الكبيرُ في نشرِ اللغةِ العربيةِ في كثيرٍ من البلادِ خارجَ شبه الجزيرة العربية، فبعد أن اعتنق كثير من السريان والأقباط والروم والأمازيغ والآشوريين الدين الإسلامي، أصبحوا عربًا باللغة لأن اللغة الجديدة هي لغة الدين الجديد في المعمورة، ولغة مصدر التشريع الأساسي في الإسلام (القرآن، والسنة النبوية). بل إن بعض العبادات في الإسلام لا تتم إلا بإتقان بعض كلمات من هذه اللغة..
ثم أن اللغة العربية أصبحت لغة الدواوين في الأمصار حديثة الفتح، في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهي لغة السياسة والإدارة بعد أن نُقلت إليها المصطلحات الفنيّة في الإدارة والحساب وغيرها.
ومع أن كثيراً من الأمم الأعجمية من الأمازيغ والترك والكرد والفرس وبعض الآشوريين والسريان، بقوا على هويتهم ولم يتقبلو الهوية العربية، إلا أن قسماً كبيراً منهم تلقى اللغة العربية وتكلمها بطلاقة إلى جانب لغته الأم، لأنهم اعتنقوا الإسلام مثل الأكراد والفرس والأتراك، وحتى الذين بقوا على الديانة النصرانية أو اليهودية أو الصابئة وغيرهم، تكلموا العربية كلغة أساسية إلى جانب لغتهم الأم، بعد أن أصبحت لغة العلم والأدب خلال العصر الذهبي للدولة الإسلامية، تحت ظل الخلافة العباسيّة والأموية في الأندلس، بل أن تلك الشعوب اقتبست الأبجدية العربية في كتابة لغتها.
ومع مرور الوقت أصبحت اللغة العربية لغة الشعائر لعدد كبير من الكنائس النصرانية في الوطن العربي، مثل كنائس الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والسريان، كما كتبت باللغة العربية كثير من الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.
بل ساهم عدد من الأعاجم في تطوير اللغة العربية ومصطلحاتها خلال العصرين الأموي والعباسي..
أيها الإخوة: ولقد أولى علماء الإسلام اللغة العربية عنايتهم فكما أنهم عدوا إتقان العربية شرطاً لعالم الشريعة وبقدر معرفته بها يتبوأ المكانة العلمية، ذكروا في المقابل الحد الأدنى الذي يجب على المسلم معرفته من لغة اللغة العربية، وبينوا أحكام استخدام اللغات الأخرى بالعبادات بالتفصيل .. وهذا سبب كبير في شيوع تعلم اللغة العربية وبقائها وقوتها..
قال الإمام الشافعي رحمه الله في حكم تعلم اللغة العربية: (يجب على كل مسلم أن يتعلم من ‏لسان العرب ما يبلغه جهده في أداء فرضه فيما ورد التعبد به في الصلاة من القراءة ‏والأذكار، لأنه لا يجوز بغير العربية).‏
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط: كراهة أن يتعود الرجلُ النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء أو أكثرهم يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر أن يُدْعَي اللهُ أو يُذْكَرَ بغيرِ العربيةِ..
وقال رحمه الله: أما القرآن فلا يقرؤه بغير العربية سواء قدر عليها أو لم يقدر عند الجمهور وهو الصواب الذي لا ريب فيه، بل قد قال غير واحد إنه يمتنع أن يترجم سورة أو ما يقوم به الإعجاز. (ومقصوده رحمه الله الترجمة الحرفية) وقال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله عن الترجمة الحرفية: أنها محرمة لأنها لا يمكن أن تؤدي المعنى بكماله، ولا أن تؤثر في النفوس تأثير القرآن العربي المبين، ولا ضرورة تدعو إليها؛ للاستغناء عنها بالترجمة المعنوية. وقال عن ترجمة معاني القرآن: وأما الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية ، لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وذكر لذلك شروطاً ثلاثة. أ هـ
أما أذكار الصلاة الواجبة كتكبيرة الإحرام والتسليم فلا تجوز بغير العربية لمن يحسنها ومن لم يحسنها فله ذكرها بلغته لكن يجب عليه تعلمها.
وأما سائر الأذكار بغير العربية فقد ذكر بعض أهل العلم كراهة الذكر بغير العربية ولا يبطل الصلاة، وإذا لم يحسنها فله ذلك لكنه يحث على تعلم العربية..
أيها الإخوة أما الدعاء فقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه، فإنَّه يعلم ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تنوع الحاجات... وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة بجواز ذلك وأن للشخص أن يدعو الله جل وعلا باللغة التي يعرفها من لغة عربية أو إنجليزية أو أردية أو غيرها من اللغات لقول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286] وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].
أيها الإخوة: واشتد حرص علماء الأمة على حفظ المجتمع المسلم من التغير في قيمه وشعائره، واعتبروا تحدث المسلمين بغير العربية سبب لما يصيبها من آثار.
قال ابن تيميّة رحمه الله في مجموع الفتاوى: "وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ تَغْيِيرَ شَعَائِرِ الْعَرَبِ حَتَّى فِي الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ "التَّكَلُّم بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ" إلَّا لِحَاجَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِك وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد بَلْ قَالَ مَالِك: (مَنْ تَكَلَّمَ فِي مَسْجِدِنَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أُخْرِجَ مِنْهُ.) مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْأَلْسُنِ يَجُوزُ النُّطْقُ بِهَا لِأَصْحَابِهَا؛ وَلَكِنْ سَوَّغُوهَا لِلْحَاجَةِ وَكَرِهُوهَا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ وَلِحِفْظِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ الْعَرَبِيَّ وَجَعَلَ الْأُمَّةَ الْعَرَبِيَّةَ خَيْرَ الْأُمَمِ فَصَارَ حِفْظُ شِعَارِهِمْ (وهو التكلم بالعربية) مِنْ تَمَامِ حِفْظِ الْإِسْلَامِ"
وقال رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم: "اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخُلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخُلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب" اللهم فقهنا في ديننا وحبب إلينا لغتنا وزدنا من علومها وأعنا على نشرها.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد
الثانية:
أيها الإخوة: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في حكم تعلم العربية: "معلومٌ أنّ تعلمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدّبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً"
ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد رحمه الهس كراهة الرَطانةِ، وتسميةِ الشهورِ بالأسماءِ الأعجميّةِ، والوجهُ عند الإمام أحمد رحمه الله في ذلك كراهةُ أن يتعوّد الرجل النطقَ بغير العربية..
وذكر الشافعيِّ رحمه الهر أَنّ على الخاصَّة الّتي تقومُ بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلّم لسان العرب ولغاتها، التي بها تمام التوصُّل إلى معرفة ما في الكتاب والسُّنن والآثار، وأقاويل المفسّرين من الصحابة والتابعين، من الألفاظ الغريبة، فإنّ من جَهِلَ سعة لسان العرب وكثرة ألفاظها، وافتنانها في مذاهبها جَهِلَ جُملَ علم الكتاب، ومن علمها، ووقف على مذاهبها، وفَهِم ما تأوّله أهل التفسير فيها، زالت عنه الشبه الدَّاخلةُ على من جَهِلَ لسانها من ذوي الأهواء والبدع. الأزهري ،التهذيب1/ 5 (المقدمة)
وبعد أيها الإخوة: وهنا عدد من الرسائل السريعة أود توجيهها.. الأولى لوزارة التجارة والبلديات ألا يسمحوا لكائن من كان أن يجعل اسم متجره أو مطعمه بغير اللغة العربية ، ولا يأذنوا بكتابة أسماء المطاعم أو المحلات بغير العربية ولا ما يقدمونه من فواتير أو عقود أو غيرها بغير اللغة العربية.. والثانية: لوزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد والجامعات بإنشاء معاهد لتعليم العربية واعتماد شهاداتها وكذا الموسرين لإقامة هذه المعاهد والحلق لتعليم العربية.. جميل ما تفعله دعوة الجاليات من دعوة لهم بلغتهم لكن الأجمل تعليمهم اللغة العربية. الثالثة: لكل واحد منا أن نتعامل مع إخواننا من غير العرب بلغة عربية لا تلك اللغة البائسة المكسرة والتي لا أعلم من أين أتتنا.. والغريب أنه إذا علم بعض الناس أن أحداً سيذهب لبلاد الغرب لعلاج أو عمل أو غيره أوصاه بأن هذه السفرة فرصة لتعلم لغة القوم.. لما لا نستثمر فرصة وجود من عندنا لنعلمه لغتنا العربية لغة القرآن ونقول فرصة لنعلمهم العربية ليتعلموا القرآن فيكون لنا بكل حرف يُقرأ حسنة والحسنة بعشر أمثالها.. أسأل الهل أن يوفقنا لكل خير ويجعلنا هداة مهتدين...
المشاهدات 2091 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا