التأخر عن صلاة الجماعة للشيخ د. عبدالعزيز بن محمد السدحان

سعد أبوخليل
1436/07/12 - 2015/05/01 07:45AM
التأخر عن صلاة الجماعة


إن الحمد لله :

فمعاشر المسلمين: لما كانت نفوس العباد تتفاوت في عزائمها وهممها بحسب ما يرد إليها وعليها من أسباب الكسل والعجز وسائر العوارض الأخرى جعل الله تعالى لهم أبواباً إلى الخير. فمن كان إلى الخير أسرع وأسبق كان بالأجر أحق وبوصف الخير ألصق. ولذا حث الله تعالى على المبادرة إلى أبواب الخير فقال :"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين"، " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم". ولقد كان أنبياء الله عليهم السلام أسرع الناس إلى الخير كما وصفهم الله تعالى مادحاَ لهم بقوله تعالى :"إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين".

معاشر المسلمين: وإذا كانت المسارعة إلى الأمور المستحبة من الأمور التي يدخل صاحبها في أولئك الذين أثنى الله تعالى عليهم. فكيف بالمسارعة إلى فعل ما أوجب الله تعالى لا شك أن الأجر أعظم وأن ذلك إلى براءة الذمة أسرع. كما أن مفهوم المخالفة في هذا أن التأخر عن فعل الأمور المستحبة يحرم صاحبه من خير كثير وقد يؤدي به ذلك إلى التهاون في المسارعة إلى فعل الواجبات حتى يستمر به الحال فيصل به إلى الإخلال بأداء الواجبات، وهنا تعظم المصيبة ويكبر الخطب.

معاشر المسلمين: إن التثاقل والتأخر في الذهاب إلى المسجد من الأوصاف المشينة والأخلاق الذميمة التي أصبحت عادة مستديمة عند بعض المصلين. ولقد بلغ الحال ببعضهم إلى أنه لايكاد أن يدرك صلاةً بجميع ركعاتها مع الجماعة إلا ما رحم الله تعالى. تارةً تفوته الصلاة كلها وتارةً يدرك الصلاة في آخرها وأغلب أحواله تفوته ركعة أو ركعتان. والعجب من هذا وأمثاله هداهم الله تعالى أن ذلك التأخرَ المستَمر منه لم يؤثرْ في نفسِه بلوم أو ندم بل ربما هون الشيطان’ عليه تأخرَه بل وربما حسن الشيطان’ له ذلك بتلبيسه عليه بأنك مع تأخرك خير ممن لا يصلي وهذا وإن كان في أصله صحيحاً إلا أن ذلك التلبيس يزيده ضرراً وإثماً فلا يزال الشيطان’ به حتى يمنعَه من الجماعةِ وقد يتمادى به حتى يؤخَر بعضَ الصلاةِ عن أوقاتِها ولن يكتفي منه الشيطان’ بذلك حتى يسلخَ العبدَ عن فعلِ الصلاةِ كلها وهنا عياذاً بالله الخسارة’ والبوار’. فالحذرَ الحذرَ معاشرَ المسلمين من التأخرِ عن القيامِ إلى الصلاةِ المكتوبةِ فذلك مفتاح’ للشيطانِ يفتح به للعبدِ أبواباً من الشرورِ والآثام.

معاشر المسلمين : إن التثاقلَ والتكاسلَ في القيامِ إلى الصلاةِ من أوصافِ المنافقين فاحذر عبدَ الله من التشبهِ بصفاتِ أولئك. "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى"
قال الإمام’ ابن’ كثيرٍ رحمه الله تعالى: (هذه صفة’ المنافقين في أشرفِ الأعمالِ وأفضلها وخيرِها وهي الصلاة، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها. لأنهم لا نيةَ لهم فيها ولا إِيمانَ لهم بها ولا خشيةَ ولا يعقلون معناها. ثم نقل بإسنادٍ عن ابنِ عباسٍ رضي الله تعالى عنهما أنه قال : يكره أن يقومَ الرجل’ إلى الصلاةِ وهو كسلان. ولكن يقوم إليها طلق الوجهِ عظيمَ الرغبةِ شديد الفرحِ فإنه يناجي الله وان الله تجاهه يغفر’ له ويجيبه إذا دعاه).

معاشر المسلمين : إن من العجبِ بل من التناقضِ أن ترى رجلا حريصاً على مواعيده مع أصحابه وعند ذهابه إلى وظيفته فهو عند أصحابه ومعارفه مضرب’ مثلٍ في التزامه بمواعيده والتقيدِ بها وهذا مما يحمد’ لصاحبه ويشكر’ عليه إذ أن الشرعَ حث على الوفاء بالوعدِ وحذر من إخلافه. لكن التناقضَ في حالِ ذلك الرجل أن تراه حريصاً على القيام بما يتعلق بدنياه في ذهابه إلى عمله وزيارة أصحابه. بينما تراه مهملاً لمواعيدِ حضورِ العباداتِ فلا يحضر إلى الصلاة إلا في آخرها أو بعد الفراغِ منها. وكان الأولى بهذا وأمثاله هداهم الله تعالى أن يكون حرصهم على أمورِ دينهم أكثر من حرصهم على أمورِ دنياهم.

معاشر المسلمين : ولو ذهبنا نقلب صفحاتِ التاريخ وكتبِ التراجم لرأينا في سيرِ سلفنا الصَالحِ عظيمَ عنايتهم بشأنِ الصلاةِ وعظيمَ حرصهم على التبكيرِ في الذهابِ إلى الصلاة مع أنهم في زمنهم ذلك كانوا يفتقدون كثيراً من وسائلِ الراحةِ والنعيمِ التي نتنعم بها في بيوتنا وطرقنا ومراكبنا ومساجدنا. فعندنا مياه متوفرة دافئة في الشتاء وباردة في الصيف وطرقٌ معبدةٌ مضاءةٌ في الليلِ، ومساجد’ مهيأةٌ للمصلين بوسائل التبريد والتدفئةِ ناهيكم عن الفرشِ الوثيرة وأجهزةِ الصوتِ لرفعِ النداء والخطابة، ومع هذه النعمِ الكثيرةِ وغيرها تثاقلَ كثيرٌ من الناس عن التبكيرِ إلى الصلاةِ وأصبح لا يخرج من بيته إلا متأخراً تارةً بعد شروع الإمامِ في الصلاةِ ومضي ركعة أو ركعتين، وتارةً مع الإقامةِ وإن جاهد نفسه قبيل الإقامة، مع عدم وجود ما يشغله أو يؤخره عن الذهابِ مبكراً؛ فيدخل في الصلاةِ بعجلة إليها، فيحرم نفسه من خيرٍ كثير كان قادراً على تحصيله بأمرٍ يسير؛ فلو بكر قليلاً لأدركَ السنةَ القبلية وأدرك الدعاء بين الأذان ولإقامة، وأدرك متابعة المقيم في إقامته، وأدرك الصفَ الأولَ، وأدرك تكبيرةَ الإحرامِ، ودخل إلى صلاته مطمئناً.

معاشر المسلمين : وعوداً على بدء إليكم بعضَ الأمثلة لنعرفَ ما كان عليه سلفنا الصالح’ من عظيمِ الحرصِ والهمةِ والعناية بشأن التبكير في الذهابِ إلى الصلاة. قال يحيى القطان: (كان الأعمش’ من النساك، وكان محافظاً على الصلاة في جماعة وعلى الصف الأول، وهو علامة الإسلام). وقال وكيع بن الجراح: كان الأعمش’ قريباً من سبعينَ سنة لم تفته التكبيرة الأولى. وقال القاضي تقي’ الدينِ سليمان: (لم أصل الفريضةَ قط منفرداً إلا مرتين. وكأني لم أصلها قط). وقال محمد بن سماعة: (مكثت’ أربعين سنة، لم تفتني التكبيرة’ الأولى إلا يوماً واحداً ماتت فيه أمي ففاتتني صلاةٌ واحدة جماعة). وجاء في ترجمة سعيد بن المسيب أنه مانودي إلى الصلاة من أربعين سنة إلا وسعيدٌ في المسجد. وجاء في ترجمة إبراهيم ابن ميمون الصائغ أنه كان نجاراً وكان إذا رفعَ المطرقة ليطرق مسماراً ثم سمع المؤذن ألقى المطرقة وذهب إلى الصلاة. معاشر المسلمين وهذا قليلٌ من كثيرٍ مما صح عنهم .

معاشر المسلمين : ولم يقف حرص’ سلفنا عليهم رحمة الله تعالى عند أمر التبكير إلى الصلاة فحسب. بل جعلوا محافظة الرجل على صلاة الجماعة من الأمورِ التي يوزن’ بها الرجل ومن الشواهدِ على ذلك ما جاء عن إبراهيم بن يزيد رحمه الله تعالى أنه قال: (إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه) بل وصل الحال’ ببعض المحدثين إلى ترك رواية من يخل بإقامة صلاته. قال شعبة’ ابن’ الحجاج:(رأيت يحيى بن عبيد الله التيمي يصلي صلاةً لا يقيمها فتركت حديثه) فكيف لو رأى سلفنا الصالح’ حالَ كثيرٍمنا ممن يتأخر دوماً عن الصلاة، وممن ينقر الصلاة نقراً ولا يعطي الركعة حظها من الركوع والسجود والطمأنينة.

معاشر المسلمين : أما حرص سلفنا الصالح على التبكير لصلاة الجمعة فشأنٌ عجيبٌ وعزمٌ عظيمٌ وهمةٌ عالية. نقل الإمام الزركشي’ عن بعضِ أئمة الشافعية من أهلِ القرنِ السادسِ الهجري أنه قال: (أول ما أحدثَ الناس’ التأخرَ عن صلاةِ الجمعةِ ولقد كان الأوائل’ يذهبون للجمعة بالسرج في أيديهم). والمراد من ذلك بيان’ حرصهم في التبكير إلى إدراكِ الساعةِ الأولى والصفِ الأولِ والدنوِ من الإمام.



الخطبة الثانية

معاشر المسلمين: لقد اعتاد بعض’ الناسِ هداهم الله تعالى ألا يحضرَ إلى الجامعِ إلا بعد الشروعِ في الخطبة أو قبيل نهايتها وقد يصل به الحال إلى إدراك بعض الصلاة. ولو كان هذا يعرض له مرةً أو مرات لكان الأمر’ أهون. إنما المصيبة’ أن يكون ذلك عادةً مستديمةً له في كل جمعة، وإذا كان ذلك كذلك فكيف يكون حاله في بقية الصلوات.

معاشر المسلمين: ذكر عن بعض الصالحين في هذا الزمن ممن عرفوا بالتبكير إلى الصلاة أنه يتأهب لصلاة الجمعة من ليلتها فيحرص على التفرغ من مشاغله ليلة الجمعة ليعطي نفسه حظها وحقها من الراحة والنوم فيصلي الفجر ويرتاح بعدها، ثم يغدو مبكراً إلى الجامع نشيطاً طيب النفس. فأين هذا ممن قطع ساعاتِ الليلِ في متابعة القنوات الهابطة أو في قيلٍ وقال ثم يرجع إلى منزله متثاقلاً يجر قدميه جراً. فكيف سيقوم إلى الفجر ناهيكم عن تأخره عن الجمعة.

معاشر المسلمين: ومما يحسن ذكره في هذا المقام أن أهل العلم قرروا في قواعد الشريعة أن عمل الخير المستحب إذا ترتب على أداءه التفريط في عملٍ واجبٍ؛ نهي عن ذلك العمل المستحب وأثم فاعله إذا علم أنه سيضيع ما أوجب الله تعالى عليه. أخرج مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد سليمان بن أبي خيثمة في صلاة الصبح فغدا عمر’ بن’ الخطاب فقابل أم سليمان بن أبي خيثمة فقال لها: لم أر سليمان في صلاة الصبح! فقالت: إنه بات يصلي؛ فغلبته عيناه. فقال عمر : (لأن أشهد صلاة الصبحِ في الجماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة). فانظروا رحمكم الله تعالى كيف عاب عمر’ على سليمان سهره مع أن سهره كان في قيامٍ وتلاوةٍ ودعاء ؟ ولذا قال الإمام الشاطبي’ رحمه الله تعالى: (كره مالكٌ أحياء الليل كله) وقال: (لعله يصبح مغلوباً، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة. ثم قال: لا بأس به مالم يضر بصلاة الصبح) انتهى كلامه. فكيف معاشر المسلمين بمن كان سهره على ما حرم الله تعالى من المرئيات والمسموعات والمقروءات!
المشاهدات 1883 | التعليقات 0