البهجة والسرور بأفضل الأيام والشهور

خالد علي أبا الخيل
1437/09/04 - 2016/06/09 07:22AM
البهجة والسرور بأفضل الأيام والشهور
التاريخ: الجمعة: 27/ شعبان /1437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله، جعل رمضان سيد الشهور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبرور، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وكل من كان لأوقات الخيرات مسرور.
أيها المسلمون: أفضل وصية، وأجمل هدية، تقوى الله في السر والعلانية.
عباد الله: في هذه الأيام، شهركم قد أظلكم، أيام من دهركم، ها هو قد حل، ونزل ضيفًا و[ظل]، ها هو الشهر القلوب له تواقة، والأفئدة له مشتاقة، ولحظات النفس له مُرتاقة، ننتظره بفارغ الصبر، ونحسب اليوم والشهر، بل الدقيقة من الدهر، لماذا أيها الإخوة؟، والمسلمون في أصقاع المعمورة، تهتف به، وتتحدث به، وتتطلع له، وتتهيأ لقدومه، لماذا الحديث في هذه الأيام له طعم، وود حميم؟، والنفوس هياجة، والحياة مُحياها ثجاجة، شهر ليس كالشهور، وأيام كالزهور، كم كنا في عامنا الماضي متأسفين، وأحوالنا فيه من الآسفين! كم أسبلنا العبرات عند فراقه، وبكينا عند رحيله، وعاهدنا نفسونا لئن قدم علينا وحل بنا، لنرين الله ما نفعل من جهد وبذل وعمل؟، وهذا من النوايا الحسنة، والبشرى المستحسنة، والأمنيات المشوقة، وعنوان حب الخير، والعطاء والبر.
عباد الله: يقدم الشهر والناس يتهيؤون في منازلهم وأحوالهم ومأكولاتهم ومشروباتهم، فرحًا وسرورًا، تهيؤ وحبورًا، أفلا لا يتهيؤون له عبادة وأجورًا.
جاء الصيام فجاء الخير أجمعه
***
ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح

فالنفس تدأبُ في قول وفي عملٍ
***
صوم النهار وبالليل التراويح

كيف لا يفرح المؤمن بفتح أبواب الجنان؟ كيف لا يفرح بغلق النيران؟ كيف لا يفرح في وقت النفحات، وأوقات الرحمات، وزمن الهبات والعطيات؟ كيف لا يفرح بأوقات المغفرة، ورفع الدرجة وعلو المنزلة؟ إنه سيد الشهور، وبهجة النور، وزينة البدور.
مرحبًا أهلًا وسهلًا بالصيام
*** يا حبيبًا زرانا في كل عام

قد لقيناك بحبٍ مفعمٍ
***
كل حبٍ في سوى المولى حرام

النفوس في هذه الأيام تستعد، والحياة تطمئن وتسعد، الفرح والسرور بمواسم الخيرات والحبور من علامات الإيمان، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، و(للصائم فرحتان).
أيها المسلمون: لو أن ضيفًا غاليًا، وحبيبًا وافيًا، قدم عليك بعد طول غياب، كيف شعورك بقدومه، والتهيؤ له، والاستعداد له؟ كيف إذا حدد المقام ببضعة أيام، وفي الصيام يقول الملك العلام {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 202]، بل كيف والشهر يحمل في طياته، وخلال أيامه، ولحظات لياليه، الخير والبركة، السعادة والمسرة، السرور والبهجة؟، بل كيف إذا كان الشهر العتق من النار، والفوز بدار الأبرار؟.
إخوة العقيدة: ها هو قد هل أشرف الشهور، ذابت الأصداف في انتظاره، تمزقت المآقي على فراقه، فسبحان الحكيم في خلقه وأمره.
أتاك شهر السعد والمكرمات
***
فحيه في أجمل الذكريات

يا موسم الغفران: أتحفتنا
*** أنت المُنى يا زمن الصالحات


أتى الشهر ليقرب العبيد إلى رب العبيد، أتى ليلين القلب القاسي من الذنوب والمعاصي، أتى ليقول للدنيا: أنا شهر التوبة والتقى، والبر والتقوى. أتى هذا الشهر ليذكر المسلم بإخوانه الذين حلت بهم الفتن والنكبات، والتشريد والقتل، والجوع والهم، والخوف، والحزن، أتى ليمد العون للغير، أتى ليذكيّ النفوس، ويرد الشارد والمنكوث، يكاد المرء يبكي فرحًا بقدومه، ويسيل الدمعة بحضوره.
يا غائبًا: الكون أنشد شوقه
***
عجل خطاك فحلمنا لُقياك

رمضان هرول فالقلوب كليلة
***
لله تشدوا ربنا رحماك

فهنيئًا لمن أدركه، وهنيئًا لمن بلغه، روحانية الصائمين ترتاح، وتبتهج وتطير الأرواح، فهي في أفراحٍ وأفراح، كيف سيكون حالنا، وبعد أيام ينزل علينا؟ هل من وقفه صادقة، وتوبة ناصحة، ونية خالصة، ودمعة باكية، وسجدة خاضعة؟، في الصيام حلاوة، وفي لحظاته بشاشة وطلاوة، فسبحان الذي فاوت بين الليالي والأيام، وخصها بالنور والسرور والتمام، كان سلفنا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم إياه، أتدرون –أيها المسلمون- إن الشهر شهر النصر والعز، والقوة والشجاعة، على النفس والشيطان والهوى، والعدو الأقوى، نعم إنها حياة الروح، وحياة القلب، وحياة الانتصارات.
يا ذا الذي: ما كفاه الذنب في رجبٍ ***
حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
***
فلا تصيره أيضًا شهر عصيان

في الشهر المبارك، يمثل المؤمنون موسمًا من أعظم المواسم، ووقتًا من أجمل الأوقات والمغانم، أبشروا يا أهل الصيام، وأمنوا يا أهل القيام بما يعطيكم الملك العلام، أبشروا أيها الصائمون، أبشروا يا أهل القرآن، أبشروا يا أهل الصدقات، أبشروا يا أهل المروءات والخيرات، أبشروا يا من تحرصون على تفطير الصائمين، وإعانة المحتاجين، أبشروا يا من تقومون على الأرامل والمساكين، أبشروا يا من تفرجون هموم المهمومين، وقضاء المديونين، أبشروا أيها التائبون، أبشروا أيها الغافلون، أبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا برحمة أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، وخير المعطين، يرحم عباده، ويغفر للمذنب ويرده إلى بابه، أبشروا أيها المرضى بالشفاء وحسن العقبى، أبشروا يا من تسابقون وتنافسون، فهذه أوقاتكم، وهذه أيامكم، وهذه أمنياتكم، فاصدقوا وصادقوا، وأخلصوا وخلّصوا، واجتهدوا وابذلوا، وجدوا وشمروا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} [آل عمران: 200].
يا صائمًا: ترك الطعام تعففًا
***
أضحي رفيق الجوع واللأواء

أبشر بعيدك في القيامة رحمة
***
محفوفة بالبر والأنداء

كلما تذكر الصائم أن باب الجنة مفتوح، تلذذ واجتهد في النفس والوقت والروح.
فأتى رمضــان مــزرعة العبــاد
***
لتطـهير القلــوب من الفســاد

فــأدِ حقــوقــه قــولًا وفعــلًا

***
وزادك فــاتـخـذه للـمعــادِ

إذا رمضان أتى مقبلًا
***
فأقبل بالخير تستقبل

لعلك تخطئوه قبالًا
***
وتأتي بعذرٍ فلا يقبل

هذه أوقات المصالحة، وهذه أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر، ففي أي شهرٍ يربح؟! من لم يقرب من مولاه، ففي أي شهر يقرب؟! فهو مضمار السابقين، وغنيمة الصادقين، وربيع المؤمنين، وهو غرة الدهور، ومصباح الشهور، وربيع المؤمن يقتطف فيه الأجور.
قد جاء شهر الصوم فيه الأمان
*** والعتق والفوز بسكنى الجنان

شهر شريف فيه نيل المنى

*** وهو طراز فوقكم للزمان


طوبى لمن صامه واتقى
*** مولاه في الفعل ونطق اللسان

ويا هنا من قام في ليله
***
ودمعه في الخد يحكي الجمان

ذاك الذي قد خصه ربه
***
بجنة الخلد وحورٍ حسان

هنّاكم الله بشهرٍ أتى
***
في مدحه القرآن نص عيان

الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، ونسأله أن يجعلنا من عباده الصائمين، وأن يمن علينا بالقبول والفوز المبين.
إخوة الإسلام: فرحنا واستبشارنا، أُنسنا وسرورنا، فما موقف شهرنا منا؟ تلكم كلمات مختصرات، ووصايا وأساسيات، اجعلها أصلك في شهرك.
الأولى: الترتيب. فرتب وقتك، وحافظ على شهرك، وكل إنسان أعرف بما يصلح له، ويوافقه ويناسبه، واعلم أن الذي لا يرتب ماذا يعمل في شهره؟ أنه يضيع ولا يستفيد، فجزئ نهارك قراءة وصلة، وبرًا وصدقة، وصلاة ودعاء، بذلًا وعطاء، وهكذا في يوم متنقلًا في ربوع الصالحات وألوان الطاعات، ولا سيما النفع المتعدي كالعلم وبذله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخدمة المصليين، وتهيئة المساجد للساجدين، والإحسان والعطاء ونفع المسلمين.
الوصية الثانية: كن دعّاءَ. أكثر من الدعاء، بما تحب في شهرك، في نهارك وليلك، في كل لحظة، تغانم كل سجدة، احرص ألا تفوتك لحظة إلا بدعوة، لا سيما الزوجة والذرية، ولا تنسى كل مسلم ومسلمة، فرمضان شهر الدعاء، فابذل جهدك في دعائك.
الوصية الثالثة: لا تفوتك صلاة الفريضة. اجعل شهرك انطلاقة للمحافظة على الصلوات المكتوبة، لا يؤذن غالبًا إلا وأنت في المسجد، علق قلبك في الصلاة، (ورجل قلبه معلق في المساجد).
حافظ على فعل الفروض بوقتها
***
وخذ بنصيب في الدجى من تهجدِ

وكذا حافظ على السنن الرواتب، وركعتي الضحى، والتراويح احرص أن لا تهملها وتتركها، فـ(من قام مع الإمام حتى ينصرف، كُتب له قيام ليلة)، و(من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
أكثر من الجلوس في المساجد، فهو بيت العزة والرحمة، والفوز والنصرة، والطمأنينة والراحة، وكان شعار سلفنا: نجلس في مساجدنا، ولا نغتاب أحدًا.
إياك أن تنام عن الصلوات المفروضات، فالبعض ينام عن الظهر، وربما أضاف إلى الظهر العصر.
الوصية الرابعة: القرآن. عش مع القرآن، تدبرًا وتلاوة، وتعلمًا وتعليمًا، حبذا أن تعاهد نفسك كم ختمة تختمها في شهرك، فعند الصباح يحمد القوم السرى، ومن البشائر أن لك بكل ختمة أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، فرمضان شهر القرآن، عاهد نفسك بتلاوته وتأمله، والعمل به وتدبره.
الوصية الخامسة: البر والصلة للوالدين والأقارب. صلتهم والإحسان إليهم، وبرهم، وإدخال السرور عليهم، وتفقد أحوالهم، سواء كانوا أبناء وبنات، أو إخوة وأخوات، أو أعمامًا وعمات، أو أخوالًا وخالات، بالنفقة والهدية، وسد الخلة والحاجة والذكاة والصدقة.
الوصية السادسة: تصدق في شهرك يوميًا. ولو بشيءٍ يسير، ولو درهمًا، فالصدقة لها أثرها ونفعها وبرها، وانظر في المنافع والمصالح، ولا تنسى أقاربك، فهم أعظم لأجرك، طعامًا أو سدادًا أو كساء أو نفقة.
الوصية السابعة: حسن خُلقك. في صومك، وابذل المعروف، وتنقل في وجوه الإحسان، وانفع الإنسان، وقضاء حاجات الناس، والمعاونة والمساعدة.
الوصية الثامنة: احفظ صيامك. من كل معصية، من الغيبة والنميمة، والنظر إلى الحرام، وسماع الحرام، وكلام الحرام، تريد أن ينفعك صومك؟ حافظ عليه، تريد أن تؤجر عليه؟ حافظ عليه، تريد أن تدخل من باب الريان؟ حافظ عليه، تريد الجنان، والنجاة من النيران؟ حافظ عليه، تريد أن تحظى ببركته وخيره؟ حافظ عليه.
إذا لم يكن في السمع مني تصامم
فحظي إذن من صومي الجوع والظمأ
***
***
وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فإن قلت: إني صمت يومي. فما صمت

احفظه من القنوات الهابطة، ومن الفضائيات السافلة، إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء.
الوصية التاسعة: إعانة الأسرة والولد والزوجة على الطاعة والقربة. اجعل حوافز للقراءة، وجوائز للعبادة تنشيطًا وتعليمًا، تربية وتذكيرًا، فكما أنكم تحرصون على ألوان المأكولات والمشروبات والمطعومات، فاحرصوا على الطاعة والعبادة والقراءة، وتهيئة الأجواء لهم ومساعدتهم، فرمضان –أيها الأب- فرصة ذهبية، ومنحة ربانية للدروس والتربية للأبناء والذرية.
الوصية العاشرة –وهي الخاتمة، أحسن الله لي ولكم الخاتمة-: لا تنسَ ذكر ربك. فالذكر أكبر معين على طاعة رب العالمين، وأفضل الأعمال في شهر الصائمين، فأكثر ثم أكثر ثم أكثر من ذكر ربك قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، لا يفتر لسانك، فعندها تتيسر أمورك، وتذهب همومك، وتفلح في شؤونك، وتجد إعانة في عبادتك، في صلاتك وقراءتك وجلوسك في مسجدك، لا سيما بعد الفجر ولحظات الأسحار، وعند وجبات الإفطار.
وكذا –أيها الأحبة-: لا ننسى إخوانًا لنا، وأحبابًا لنا من أباء وأمهات، وإخوة وأخوات، وأحباب وجيران بالدعاء لهم أحياء وأمواتًا، إخوان لنا كانوا معنا في العام الماضي، نسأل الله: أن يغفر لهم، وأن يرحمهم، وأن يتجاوز عنهم، وأن يفسح لهم في قبورهم، وإخوان لنا مرضى، نسأل الله: أن ينزل عليهم الشفاء، وإخوان لنا مستضعفون، نسأل الله لهم: النصر على الأعداء.
والله أعلم.
المشاهدات 1285 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا