البَلَاءُ الَمُبِينُ فِي الْمُهَربِ الَلعِينِ المخدرات 1443/3/2هـ موافقة للتعميم

عبد الله بن علي الطريف
1443/03/01 - 2021/10/07 10:10AM

البَلَاءُ الَمُبِينُ فِي الْمُهَربِ الَلعِينِ المخدرات 1443/3/2هـ

الحمدُ لله ربِ العالمين وأشهدُ ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبدُه وسولُه إمامُ المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.. أما بعد أحبتي: خذوا بأمرِ ربكم القائل: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]

أيها الإخوة: ضررُ المخدراتِ أَقَضَّ مضاجعَ الغيورين في هذا البلاد، وجعل هاجس التوعية بضررِها حكايةُ المصلحين، لذلك لن نفتأ نُذكرُ بذلك، وندعو الجميع للوعي بأضرارها، ونهتفُ لكل المربين بضرورة تحذير الجيل الصاعد من خطرها.. ولن نملَ ولن نكل من التحذيرِ منها، والتذكيرِ بخطرِها بين الفينة والأُخرى استجابةً لأمرِ ربنا القائل: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55] ذلك أنَّ كلَ أَمرٍ ونهيٍ من الشرعِ فإنَّه من التذكير، ومن تمامِ التذكيرِ به، أن يُذكر بما في المأمورِ به من الخيرِ والحسنِ والمصالحِ، وبما في المنهيِ عنه من المضارِ والمفاسدِ. وقال سبحانه: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) [الأعلى:9] أي: (فَذَكِّرْ) بشرعِ اللهِ وآياتِه (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصلَ من الذكرى جَمِيعُ المقصودِ أو بعضُه.

أيها الأحبة: بين الفينة والأخرى تَؤُمُّ بلادَنا المباركة قَوافلُ مظلمة تَتَسَلَلُ من منافذِها الخارجية تحملُ السمَّ الأبيضَ الزعاف، من تجارٍ مُغْرضِين يهدفونَ للربحِ على حسابِ إفساد عقولِ الأمةِ قبلَ أجسادِها..

لن أزعجكم بأرقام الملايين من المضبوطات، ولكن سأذكر خبرين الأول: خبر شحنة قبل أسبوع أحبطها رجال الجمارك تحمل  اثني عشر مليون حبة كبتاجون عثروا عليها في شاحنة تحمل الكاكاو داخل ميناء جدة الإسلامي.. وقبل أيام تم إحباط تهريب 161 كيلو من الحشيش.. وغيرها كثير تم إحباط محاولات تهريبه.. كل هذا بفضل الله تعالى وتوفيقه، ثم بجهودِ رجالِ الأمن والجمارك المخلصين..

وهذه الجهود المباركة لهؤلاء الرجال المخلصين تذكر وتشكر؛ فكم من شرٍ عن حياضِ بلادنا منعوه، وباغٍ على الفضيلةِ كبحوه، ومتسترٍ على المخدرات كشفوه، وحاملٍ للبلاء أمسكوه، وَلِمَا يَحْمِلُ من سُمٍ ضبطوه.. فلله الحمدُ والمنة وجزى الله كل ذائدٍ عن بلادنا وشعبنا خير الجزاء.. 

أيها الأحبة: لي مع هذه الإحصاءات المزعجة التي يُعلنُ عنها عدةُ وقفات:

الأولى: تُشَنُّ على هذه البلادِ المباركة حربٌ عُظمى لا هوادةَ فيها بأساليبَ متعددة.. حَربُ المخدراتِ من أقذرِها، وما تتضمنه الإحصاءات من ضبطٍ لكمياتٍ تفوق الخيال جزءٌ من هذه الحرب، وهي حربٌ سريةٌ تسري في جسدِ الأمة في ظلمةِ الليلِ البهيم سريان النارِ بالهشيم.

هي -والله- حربُ إبادةٍ صامتةٍ، وتدميرٍ خفي.. حربٌ لا يسمع فيها أزيز الطائرات، ولا دوي المدافع، ولا هدير الدبابات، ولا انفجار القنابل، ولا يُرى فيه لهيب الصواريخ.. إنها حرب الإبادة بالسموم البيضاء، إنها حرب المخدرات.! ولن تتوقف هذه الهجمات على هذا الوطنِ الكريمِ حتى يُحَقِقَ صانِعُوها أهدافَهم، ولكنَّ اللهَ تعالى لهم بالمرصاد، والله من ورائهم محيط.

ويجب علينا ألا نحزن ولا نخاف ولا نيأس؛ فإن الله الذي لا يخلفُ الميعاد قد قال في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج:38] يقول الشيخُ السعديُ رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذا إخبارٌ ووعدٌ وبشارةٌ من اللهِ للذين آمنوا، أنَّ اللهَ يدافِعُ عنهم كلَّ مكروه، ويدفعُ عنهم كلَّ شرٍّ؛ بسببِ إيمانِهم، من شرِّ الكفار، وشرِّ وسوسةِ الشيطان، وشرورِ أنفسهم، وسيئاتِ أعمالهم، ويحملُ عنهم عند نزولِ المكاره ما لا يتحمَّلون، فيخففُ عنهم غايةَ التخفيفِ.. ولكلِ مؤمنٍ من هذه المدافعةِ والفضيلةِ بحسبِ إيمانه، فمُستقِلٌّ ومُسْتَكْثِر. أ هـ.

ونقول نحن: لن يبطلَ أمرَ الله مُبْطِلٌ، ولن يغلبَه مُغَالِب، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:21].

الوقفة الثانية: إنَّ هذه الحوادثَ التي ذكرت وما تضمَّنَته من حقائقَ مخيفة ومفزعة، هي من الهجمات الشرسةِ على بلادنا، ومن مقاصد الإعلان عنها من الجهات المختصة، من أجل أن نُدركَ المخاطرَ التي تواجِهُها أمتنا وبلادنا، وبهذا ندرك حجم المسؤولية الملقاة علينا جميعاً لدرءِ هذا الشر الدَاهِم، والخطرِ المحدق ببلادنا؛ لذا يجب علينا رصَّ الصفوفِ، والوقوفَ صفاً واحداً أمامَ تُجار ومُروجي المخدرات، وتقديمَ المعلومات عنهم إلى أجهزةِ الأمن المعنيةِ بمكافحةِ المخدرات من أجلِ إنقاذ المجتمع بأسره من مخططات الدمار التي تحاك ضده.

حقٌ على كل واحد منا أن يغيرَ ملابسه التي يرتدي، ويرتدي لباس جُنديةِ الحرب ضد المخدرات، وعلينا أن نُبلغَ عن كل حالة.. وأن نحمل مَن نعلمه ولنا فيه صلة إلى مستشفيات الأمل؛ دفاعاً عن هذا الوطن العزيز.

الوقفة الثالثة: حرب المخدرات قديمة، ويقف ورآها دولٌ وعصابات كالدول من أعداءِ الإسلام والإنسانية وعُبادِ المادة ورفقاءِ الشيطان، يروجون تجارة الموت في الأمة، وينشرون هذا الوباء بين صفوف أجيال الشباب ذكوراً وإناثاً من أجل تدميرهم وتحويلهم إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل؛ حتى يصبح العنصر البشرى في بلادنا أداة هدم وإجرام وليس أداة بناء وتعمير.

وهذا يؤدي إلى إلحاقِ الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني، والبنيانِ العائلي والاجتماعي والثقافي، ويكون سبباً في الإخلالِ بالأمن والنظامِ العام، ونشرِ الجريمة بين صفوف المواطنين، وحجبِ أنظارِ الأجهزة الأمنية عن المشاكل الأمنية الحقيقية وتوجيهِها للانشغالِ في محاربةِ عصابات المخدرات من اجلِ استنزاف المجهود الأمني والقومي والاقتصادي، والقضاءِ على معتقدِها، واستنزافِ خيراتها، ثم الاستيلاء على أراضيها، وتدنيسِ مقدساتها.

أيها الأحبة: ووقائعُ التاريخِ تثبتُ أن سلاحَ المخدِّرات يُوجَّه للأمم بهدفِ نخرِها من الداخل، وتجريدِها من أهمِ عناصرِ القوةِ فيها وهو الشبابُ القويُ الواعي المنتمي لدينِه ووطنِهِ، الغيورُ عليه، والحريصُ على مُقدراتِهِ.

وقديما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو يتحدث عن حكم الحشيش، قال: إِنَّ أَوَّلَ مَا بَلَغَنَا أَنَّهَا ظَهَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ حَيْثُ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التتر؛ وَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جنكيزخان لَمَّا أَظْهَرَ النَّاسُ مَا نَهَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ مِنْ الذُّنُوبِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ... إلى أن قال: فَإِنَّهَا، مَعَ أَنَّهَا تُسْكِرُ آكِلَهَا حَتَّى يَبْقَى مَصطُولاً، وتُورِثُ التَّخْنِيثَ والديوثة، وَتُفْسِدُ الْمِزَاجَ؛ فَتَجْعَلُ الْكَبِيرَ كَالسَّفِيه، وَتُوجِبُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ، وَتُورِثُ الْجُنُونَ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ صَارَوا مَجْانين بِسَبَبِ أَكْلِهَا (مجموع الفتاوى 34/ 205).

وقبل أكثر من قرنين من الزمان قامت بريطانيا بشن حرب الأفيون الحشيش ضد الصين، وهي أقذرُ حروبِ التاريخ على الإطلاق، فقد استزرعت الأفيون في شمال الهند وقامت بإدخاله إلى الصين، وأدمنه كثير من الشعب الصيني؛ وبات يهدد بتدمير المجتمع الصيني، حتى بلغ الأمر بالمتعاطي الصيني أن يقوم ببيع أرضه‏ ومنْزله وزوجته وأولاده للحصول على الأفيون.! وأخيراً نجحت بريطانيا في هذه الحرب، وحققت ما تريد. وكذلك تفعلُ إسرائيل تدعم الترويج في جميع الدول الإسلامية.

إن هذه البلاد المباركة -وهي حصن السنة الأخير- مستهدفة، فبعد أن فشل دعاة الانحراف الفكري وكذا الانحراف العقائدي من تحويل أهلها وشبابها عن معتقدهم، ورأوا تماسَكهم وتمسكَهم بقيادتِهم وانتماءِهم لوطنِهم، سلطوا عليهم عصابات المافيا ومروجي المخدرات، ودعموهم بالمال والفكر والتخطيط؛ ولكن الله تعالى أحبط كيدهم وأفشل خططهم.

وستظل هذه البلاد المباركة تواجه هذه الهجمات الشرسة.. ولن تتوقف هذه الهجمات؛ بل ستزداد! وعلينا اليقظة والاستعداد التام، وعلى كل مواطنٍ أن يقوم بما يستطيعُ من جهد في صد هذا الشر عن بلاده.. حما الله بلادنا والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد...

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المجتبى صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه النجباء وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد..

 أيها الإخوة اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى..

أما وقفتنا الرابعة: حق على كل أب وأم ومربٍّ أن يتعرف على صنوف هذه المخدرات وأنواعها وأشكالها وآثارها وعلامات متعاطيها حتى يُوجِهَ أبناءَهُ وبناته إلى الحذر من تعاطيها، ويتعرف مبكراً على من وقع في براثنها منهم.

الوقفة الأخيرة: الدعاء، ثم الدعاء، ثم الدعاء.. الدعاءُ: بأن يحفظ الله هذه البلاد المباركة من كيد هؤلاء، وكيد كل مَن يريدها وأهلها بشَرٍّ مهما كان.. والدعاء: لحراسِ البلاد من رجال مكافحة المخدرات والجمارك وغيرهم ممن يقومون على كشف هذا الشر.. ثم الدعاء: بالحفظ لأولادنا من أن يقعوا في براثن هذه الرذيلة.. فقد قال ربكم: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60] وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل:62] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن لم يسأل الله يغضبْ عليه" رواه الترمذي وحسنه الألباني. فسلوا الله أن يحفظ بلادنا وذريتنا منها ويجزي حراس أمننا عنا خير الجزاء إنه جواد كريم.. ثم صلوا وسلموا على نبينا محمد

 

 

المشاهدات 1449 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا