الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ 28 رَبِيعٍ الأَوَّلِ 1445هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1445/03/26 - 2023/10/11 16:31PM

الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ 28 رَبِيعٍ الأَوَّلِ 1445هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوه، وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لِلِقَائِهِ هُمْ بِالِغُوه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا يُحْمَدُ وَيَرْقَى بِهِ الْمَرْءُ عِنْدَ اللهِ هُوَ الْخَوْفُ مِنْهُ وَالْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَتِهِ، بَلْ إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ طُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ وَارْتِيَاحِ الْقَلْبِ أَنْ تَبْكِي خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ رَجَاءَ رَحْمَةِ اللهِ، أَوْ تَلُومَ نَفْسَكَ فِي ذَاتِ اللهِ أَوْ تَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ فَتَبْكِي أَوْ تَتَذَكَّرَ أَحْوَالَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ الْكِرَامِ أَوْ صَحَابَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبْكِي شَوْقًا لَهُمْ وَتَتَأَثَّرُ بِأَحْوْالِهِمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى تَأَثُّرَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إِذَا سَمِعُوهُ أَوْ قَرَأُوهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}، وَقَالَ تَعَالَى لائِمًا أُنَاسًا لا يَتَأَثَّرُونَ بِالْقُرْآنِ وَمُوَبِّخًا لَهُمْ {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ}.

وَكَانِ نِبيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَكَانِ الْأَعْلَى تَأَثُّرًا بِالْقُرْآنِ وَمَحَبَّةً لَهُ، فَإِذَا سَمِعَهُ خَشَعَ وَبَكَى، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ الذِي قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ لَي النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اقْرَأْ علَّي القُرآنَ) قلتُ: يَا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ (إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) فقرَأْتُ عَلَيْهِ سورَةَ النِّساء، حَتَّى جِئْتُ إِلى هذِهِ الآية {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيدًا} قَالَ (حَسْبُكَ الآنَ) فَالْتَفَتُّ إِليْهِ فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ. متفقٌ عَلَيْهِ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعِظُ أَصْحَابَهُ وَيُذَكِّرُهُمْ بِاللهِ حَتَّى يُؤَثِّرَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَيظْهَرَ عَلَيْهِمْ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقالَ (لَوْ تعْلمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ ولهمْ خَنِينٌ. متفقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاَيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع, وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إِنَّ اللَّه، عَزَّ وجَلَّ، أَمْرَني أَنْ أَقْرَأَ علَيْكَ: لَمْ يَكُن الَّذِينَ كَفَرُوا) قَالَ: وَسَمَّاني؟ قَالَ (نَعَمْ) فَبَكى أُبَيٌّ. متفقٌ عَلَيْهِ، وفي رواية: فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكي.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَصْحَابَ قُلُوبٍ حَيَّةٍ وَدَمْعَةٍ قَرِيبَةٍ وَتَأَثُّرُهُمْ صَادِقٌ، فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يزَوُرَانِ أُمَّ أَيْمَنَ : برَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهِيَ حَاضِنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُرَبِّيَتُهُ، وَكَانَتْ امْرَأَةً كَبِيرَةً قَدْ قَارَبَتِ التِّسْعِينَ مِنْ عُمُرِهَا, فَتَبْكِي حِينَ رَأَتْهُمَا, فَبَكَيَا لِبُكَائِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، فَعَنَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنا إِلَى أُمِّ أَيمنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَزُورُها, كَمَا كَانَ رسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَزُورُها فَلَمَّا انْتَهَيا إِليْها بَكَتْ فقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّه تَعَالَى خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عنْدَ اللَّهِ خَيرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى البُكَاءِ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْكِي حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، جَاءَ فِيهَا: فَابْتَنَى [أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ [بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ]، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قيلَ لَهُ في الصَّلاَةِ فقال (مُرُوا أَبا بَكْرِ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقيقٌ إِذا قَرَأَ القُرآنَ غَلَبَهُ البُكاءُ، وفي رواية : إِنَّ أَبا بَكْرٍ إِذا قَامَ مقامَكَ لَم يُسْمع النَّاس مِنَ البُكَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

هَكَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ كَانَ الصِّدِّيقُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ يَتَأَثَّرُ وَيَبْكِي مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَيْنَ بُكُاؤُنَا نَحْنُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَهَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَحَدُ السَّابِقِينَ لِلْإِسْلَامِ وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينِ بِالْجَنَّةِ، أُتِيَ بطَعامٍ وَكَانَ صَائِمًا وَتَأَثَّرَ حِينَ رَآهُ وَتَذَكَّرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَالُهُمْ فِي أَوِّلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ لَه مَا يُكَفَّنُ فيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ إِنْ غُطِّي بِها رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاُه، وإِنْ غُطِّيَ بِهَا رِجْلاه بَدَا رأْسُهُ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيا مَا أُعْطِينَا, وقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنا عُجِّلَتْ لَنا. ثُمَّ جَعَلَ يبْكي حَتَّى تَرَكَ الطَّعامَ, رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, فَتَرَكَ الطَّعَامَ مِنْ شِدَّةِ تَأَثُّرِهِ وَكَثْرَةِ بُكَائِهِ.

أُولَئِكَ آبَائِي فِجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ *** إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ الْمَجَامِعُ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتِغْفُرُ اللهُ لِي وَلَكُمْ وَلِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتْغِفْرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَّةُ

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهُدُ إِلَّا إِلَّهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ التَّأَثُّرِ وَالْبُكَاءِ: تَذَكُّرَ عَظَمَةِ اللهِ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَالْخَوْفَ مِنْ سَطْوَتِهِ وَعَذَابِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}

وِمِنْ أَسْبَابِ الْبُكَاءِ : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَسَمَاعُهُ إِذَا كَانَ بِتَرْتِيلٍ، وَلِذَلِكَ فَافْعَلْ ذَلِكَ وَاخْلُ بِنَفْسِكَ, وَرَتِّلْ كَلَامَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ بِإِذْنِ اللهِ تَتَأَثَّرُ وَيَرِقُّ قَلْبُكَ وَتَسْعَدُ نَفْسُكَ.

وَمِنْ أَسْبَابِ التَّأَثُّرِ وَالْبُكَاءِ تَذَكُّرُ الْمَوْتِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ ذِكْرُ الْمَوْتِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمٍ مِرَارًا وَتِكْرَارًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}، وَأَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ رِقِّةِ الْقَلْبِ وَالتَّأَثُّرِ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْأَمْوَاتِ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيَارَةِ الْقُبُورِ وَرَغَّبَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ، فَعَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ (فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمِنْ أَسْبَابِ رِقَّةِ الْقَلْبِ الْقَرَاءَةُ فِي السِّيرَةِ, وَلا سِيَّمَا سِيرَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَةُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّهَا مِمَّا يُعَلِّقُ بِاللهِ وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَتَأَثَّرُ وَيَبْكِي، فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَإِيَّاكُمْ قُلُوبًا خَاشِعَةً وَأَلْسِنَةً ذَاكِرَةً وَعُيُونًا دَامِعَةً مِنْ خَشْيَتِهِ وَهَيْبَتِهِ وَإِجْلَالِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَمِنْ قَلوبٍ لَا تَخْشَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لَا تَشْبَعُ، اللَّهُمْ اجْعَلْنَا مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ الْفَائِزِينَ بِرِضْوَانِكَ، النَّاجِينَ مِنْ نِيرَانِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِين، اللَّهُمْ اجْعِلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِكَ الْمُتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ الْمُفْلِحِينَ، ولَا تُخْزِنَا يَوْمَ يُبْعَثُونَ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1697031084_الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ 28 ربيع الأول 1445هـ.doc

المشاهدات 455 | التعليقات 0