البَرَرَةُ الوَاصِلُونَ ( تعميم )

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/06/09 - 2024/12/11 20:01PM

الحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُ الصالحاتُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ فيالحياةِ وبعدَ المماتِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المؤيدُ بالمعجزاتِ، صلَى اللهُ وسلمَ عليهِ ما تُلِيَتِ الآياتُ. أما بعدُ:

فيا أيُها المؤمنونَ: إنَّ ثمتَ مخلوقَينِ شفيقَيْنِ، بَذَلا الكثيرَ، ولا يَطلبانِ إلا أقلَ القليلِ. إنهما اللذانِ أوصانَا اللهُ بهِما فقالَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ‌وَهْنًا ‌عَلَى وَهْنٍ}. كنتَ رضيعاً ضعيفاً، فأحاطَكَ اللهُ بأمٍ حنونٍ تسهرُ على راحتِك، وأبٍ رحيمٍ يَسعَى لمصلحتِك.

يا أيُها الأبناءُ والبناتُ البرَرةُ: هنيئاً عُقْبَى برِّكم؛ فإن البارَ مِن أهنأِالناسِ عَيشاً، وأبرَكِهم مالاً وولداً.

ويا مَنْ مَنَّ اللهُ عليهِ بحياةِ والديهِ أو أحدِهما: بادرْ بالبرِ، واطَّرِحِ العقوقَ والهجرَ، فسَيَأْتِي يومٌ لَنْ تَرَى فِيهِ أمَّكَ وأَبَاكَ، ومَن جَرَّبَ الحِرمَانَ عَرَفَ، وَسَتَبْكِي نَدَمًا أَنْ لَوْ بَرَرْتَ، فَاتَّقِ اللهَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ اللِّقَاءُ إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ.

عنِ ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهُما- مرفوعًا: مَا مِنْ مِسْلِمٍ يُصْبِحُ وَوَالِدَاهُ عَنْهُ رَاضِيَانِ إِلاَّ كَانَ لَهُ بَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصْبِحُ وَوَالِدَاهُ عَلَيْهِ سَاخِطَانِ إِلاَّ كَانَ لَهُ بَابَانِ فِي النَّارِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ ظَلَمَاهُ؟ قَالَ: وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ. رواهُ أبو يعلَى، وحسنهُ ابنُ حجرٍ().

نعم؛ لقد كثُرَتْ -بحمدِ اللهِ- نماذجُ البررةِ؛ يُتَحدَّثُ عنها فيُحتذَى بها، فهذا بارٌّ مباركٌ بنَى بيتاً جديداً، فلم تطِبْ نفسُهُ أنْ يَسكُنَهُ حتى يُرافقَهُ والداهُ، وثانٍ يُنفقُ من مالهِ لبناءِ بيتٍ مجاورٍ لمنزلهِ؛ ليكونَمَجْمَعاً تسعَدُ به أمهُ مع بناتِها، وثالثٌ يترددُ يومياً على أبيهِ المُغمَى عليهِبالمستشفَى منذُ ثمانِ سنينَ، لا يَشعرُ به أبوهُ، لكنَّ ربَّ أبيهِ يَعلمُ،وسيَجزيهِ الجزاءَ الأوفَى.

أيُها المؤمنونَ: إن السؤالَ الهامَ هوَ: كيفَ نَبَرُ والدَينا أحياءً وأمواتاً؟

وإليكَ ثلاثاً من الأفكارِ العمليةِ في برِ الوالدينِ:

1. التوقيرُ والاحترامُ: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) بحُسنِ الاستماعِ لهما، والتفاعلِ مع حديثِهما، ولو كانَ مكرَراً، وبالثناءِ عليهِما في حضورِهما، ولْتَقُلْ كلَّما حققتَ نجاحاً: هذا النجاحُ بفضلِ اللهِ ثم بتشجيعِكما ودعائِكما.
2. البرُ الماليُ: باقتطاعِ مبلغٍ شهريٍ دائمٍ، فذلكَ من الإحسانِ ومن المعروفِ اللذَينِ قالَ عنهُما ربُنا -سبحانَهُ-: [وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا]وقالَ: [وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا].
3. الدعاءُ لهما: في سجودِك، وفي دعائِك، وفي وجهَيْهِما: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ أتدرِي ما أعظمُ الشكرِ لهما؟! إنه كما قالَ سفيانُ بنُعيينةَ -رحمهُ اللهُ-: إذا دعوتَ لوالديْكَ في أدبارِ الصلواتِ الخمسِ فقد شكرتَ لوالديكَ().
فيا أيُّها البارُّ الذي رحلَ أبواهُ:أتُريدُ أن يَزيدَ برُّكَ بوالدَيْكَ ولو وارَاهُماالثرَى؟!

إذًا: فلتُكثِرْ من الدعاءِ لهما دُبُرَ كلِّ الصلواتِ المكتوبةِ والنافلةِ، وليسَ عندَ ذكرِهما فقطْ. أفتَبْخَلُ عليهِما بجملةٍ من الدعاءِ تُردِّدُها؟!

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: وَلَدٍ ‌صَالِحٍ ‌يَدْعُو لَهُ.. الحديثَ(). قالَ: "وَلَدٍ ‌صَالِحٍ" فكنْ أنتَ الولدَ الصالحَ، فكلما زادَ دعاؤُك زادَصلاحُك وبرُك، و‌لذا قالَ: "يَدْعُو لَهُ" ولم يَقُلْ: يَتصدقُ عنهُ، أو يَعتمرُعنهُ.

فمَنْ قصَّرَ أو لم يُدرِكْ والِدَيهِ أو أحدَهُما؛ فإن الدعاءَ لهما منْ أعظمِ البرِ والتعويضِ. فاللهم {‌ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، ‌وَلَا ‌عُدْوَانَ ‌إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ. أما بعدُ: فمن أعظمِ البرِّ بالوالدَينِ صلةُ أرحامِهِما، فصِلَتُكَ لأعمامِكَوعماتِكَ من البرِ بأبِيكَ، وصلتُكَ لأخوالِكَ وخالاتِكَ من البرِ بأمِكَ.

وَمَنْ قَطَعَ رَحِمًا أَمَرَ اللَّهُ بِهَا أَنْ تُوصَلَ، رَأَى وَبَالَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةٍ أَعْجَلُ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَمِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ شَيْءٌ أَعْجَلُ عُقُوبَةً مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ الْقَوْمَ لَيَتَوَاصَلُونَ وَهُمْ فَجَرَةٌ، فَتَكْثُرُ أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ، وَإِنَّهُمْ لَيَتَقَاطَعُونَ فَتَقِلُّ أَمْوَالُهُمْ، وَيَقِلُّ عَدَدُهُمْ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ ذَنْبٍ أجْدَرُ أنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبةَ في الدُّنْيا معَ ما يَدَّخِرُ لهُ في الآخِرةِ ‌من ‌البَغْيِ وقَطيعةِ الرَّحِمِ().

فليحذَرِ المتهاجِرونَ مِن ذوِي الأرحامِ خصوصاً: أنْ يفجأَ الموتُ أحدَهمْفيندمَ، ولاتَ ساعةَ مَنْدَمٍ، وحينَها لا يَنفعُ البكاءُ في مِغسلةِ الموتَى.

• فاللهم اجعلْنا بَرَرةً واصِلينَ لأرحامِنا.
• اللهم ربَّنا أوزِعنا أن نشكرَ نعمتَكَ التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا، وأنْنعملَ صالحاً ترضاهُ، وأدخِلْنا برحمتِك في عبادِكَ الصالحينَ.
• اللهم مَنْ كانَ مِن والدَينا حياً فأطِلْ بطاعتِكَ أيامَهُ، وأحسِنْ خِتامَهُ.
• اللهم ومَنْ قدْ وارَيناهُ في الترابِ، فنوِّرْ له في قبرهِ، ووسّعْ له فيهِ. اللهم واجمعْنا بهِما في الفردوسِ بعد عُمرٍ طويلٍ.
• اللهم باركْ في أزواجِنا وأولادِنا.
• اللهم إنا نحمدُكَ على نعمةِ الأمنِ، وعلى نعمةِ حُكامٍ يَحكمونَ بالشرعِ، ويَقِفُونَ مع إخوانِهمُ المسلمينَ في شتى البقاعِ.
• اللهم احفظْ ملِكَنا وأمدَّهُ بالصحةِ في طاعتِك، وسددْهُ ووليَّ عهدِه وأعنهُم ببطانةٍ صالحةٍ ناصحةٍ.
• اللهم واحفظْ جنودَنا وحدودَنا، ومحارمَنا وحُرُماتِنا.
• اللهم يا مَن حفِظتَ بلادَنا طيلةَ هذهِ القرونِ الماضياتِ، وكفيتَها شرَالعادياتِ المدبَّراتِ، اللهم فأدِمْ بفضلِك ورحمتِك عِزَّها وحِفْظَها من كلِ سوءٍ ومكروهٍ.
• اللهم عُمَّ أوطانَ المسلمينَ بالأمنِ والسلامِ. وانصرْ إخوانَنا بغزةَ، وأتمَالنصرَ والأمنَ على إخوانِنا بسوريا.
• اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1733936502_‎⁨البررة الواصلون⁩.docx

1733936502_‎⁨البررة الواصلون⁩.pdf

المشاهدات 1126 | التعليقات 0