الانقياد والتسليم عند الصحابه رضي الله عنهم

طلال شنيف الصبحي
1439/06/05 - 2018/02/21 23:22PM

التسليم والانقياد عند الصحابة 30 / 5 / 1439ه

إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بطاعته وطاعةِ نبيه صلى الله عليه وسلم في أكثرَ من موضعٍ في كتابه الكريم فقال جل وعلا " وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " وجعل طاعته وطاعةَ نبيه صلى الله عليه وسلم فرضا مؤكدا فقال " من يطع الرسول فقد أطاع الله " ونبه سبحانه إلى أن كمال الانقيادِ لا يكون إلا بالطاعة والتنفيذ والتسليم له عليه الصلاة والسلام فقال " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " وعلق سبحانه وعلا الفوز العظيم لمن أطاعه وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم فقال "ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما" وأكد أن حصول الرحمةِ متحققةٌ فيمن أطاعه وأطاعَ رسوله عليه الصلاة والسلام فقال "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون " وحث سبحانه على أهميةِ الاستجابةِ لله ورسوله فقال "يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"

عباد الله: لقد تحدثنا في الخطبة الماضية عن نموذج فريد قصه الله علينا في القرآن الكريم لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وآل بيته الطيبين في قضية التسليم والانقياد والطاعة لأمر الله عز وجل دون تردد أو ارتياب. وكان هذا دأب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرعة الاستجابة والتسليم والطاعة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, يقول صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه : لست تاركا شيئا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلمَ يعمل به إلا عملت به ، فإني أخشى إنْ تركت شيئا من أمره أن أزيغ ،

ويرغب النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فيمن يأتيه بخبر القوم في غزوة الخندق، فيقول: من يأتيني بخبر القوم وله الجنة؟ والشدة والخوف والبرد والجوع والحصار يحيط بالصحابة الكرام رضي الله عنهم، فلما لم يقم أحد فقال عليه الصلاة والسلام: قم يا حذيفة، فما كان منه إلا أن قام ..لأن الأمر انتقل من الترغيب إلى الأمر، وأصبح الأمرُ الآن واجبا على حذيفة أن يقوم، فقال: قم يا حذيفة، واتينا بخبر القوم، ولا تذعرهُم علي، قال حذيفة رضي الله عنه: فلم أجد بُدا إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقام يمشي، إلى أن وصل معسكر القوم وجلس إليهم ودنا من زعيمهم أبي سفيان، قال حذيفة فوضعت سهما في كبدي قوسي لأرميه، ولو رميته لأصبته، لكني تذكرت النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه لي، فأرجعت سهمي في كنانتي، إنها الطاعة والانقياد والتسليم.

وهذا أحد الصحابة رضي الله عنه يلبس خاتما من ذهب لا يدري أنه قد نزل حكم بتحريم لبس الذهب للرجال، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم نزعه من يديه وطرحه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده، فقيل للرجل بعد ما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه النبي صلى الله عليه وسلم. وعن جابر بن سليم -رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اعْهَدْ إِلَيَّ، قَالَ: (لا تَسُبَّنَّ أَحَدًا) قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلا عَبْدًا، وَلا بَعِيرًا، وَلا شَاةً. (رواه أبو داود، وصححه الألباني).وهذا معقل بن يسار -رضي الله عنه- قد زوَّج أخته لرجل، لكنه طلقها ثم ندم وجاء يخطبها مرة أخرى، فقال معقل: زوجتك وأكرمتك ثم طلقت أختي، لا والله لا ترجع إليك أبدًا، فأنزل الله -تعالى-: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ). فقال معقل -رضي الله عنه-: "سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني)

عباد الله: ماذا تقولون في أناس من العرب درجوا على الخمر أجيالا يشربونها، تجري في دمائهم مجرى الدم؟ ثم يأتي الأمر بعد مدة من الزمن أن يجتنبوا هذه الخمرة وينتهوا عنها ولا يشربوها "يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منهون" يقول أنس رضي الله عنه: أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي أبو طلحة: أخرج فأنظر ما هذا الصوت؟ فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال أنس: فجرت في سكك المدينة [رواه البخاري ومسلم] وفي رواية "قال: قم يا أنس فأرق هذه القلال، قال: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل" الله أكبر ..إنه الانقياد والتسليم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم" فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل" لم يكن هناك توسلاتٌ وإعفاءاتٌ واستثناءاتٌ وفترة تأجيلية، لا .. لقد كُسرت تلك العبوات، وشقت تلك الأوعية، وسُكبت في شوارع المدينة إنفاذا لهذا الأمر النبوي.

عباد الله: لم يكن تنفيذُ الأوامر عند الصحابة رضوان الله عليهم خاصا بالرجال فقط، تقول أم سلمةَ رضي الله عنها: لما نزلت آية الحجاب "يدنين عليهن من جلابيبهن" خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية [رواه أبو داود] وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساءَ المهاجرات الأول، لما أنزل الله "ولْيضْرِبنَ بخُمُرِهنَّ على جيوبهن" شقّقّن مروطَهن فاختمرن بها "فأصبحن يصلين الصبح مُعْتجِراتٍ كأن على رؤوسهن الغربان" إنه تنفيذ الأمر.

لقد كان هذا التنفيذ العجيب من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم للأوامر فردا وجماعات، بل كان هذا التنفيذ ينطوي على فقه عظيم، واسمع إلى هذه الحادثة العجيبة التي تبين لك فقههم رضي الله عنهم في دقتهم لتنفيذ الأوامر، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: بينما الناس في قُباء في صلاةِ الصبح إذْ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلةَ قرآنٌ، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها، وكانت وجُوههم إلى الشام قِبَلَ المقدس [وهذه القبلة عباد الله هي عكس القبلةِ الحالية] قال: فاستداروا إلى الكعبة أثناء صلاتهم" تنفيذٌ فوري بدونِ اضطراب، وليس العجب في الاستقبال، لكن العجب كل العجب في كيفية استدارتهم وهم في الصفوف، الإمامُ والرجال والنساء، والأمر جاء فورا بدون تدريبات ولا تمرينات، لكنهم استداروا لأن الأمر لا يحتمل التأخير.

وانظر أيضاً إلى سرعة استجابتهم رضي الله عنهم وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فقد كانوا يصلون معه عليه الصلاة والسلام وفجأة يخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف، قال عليه الصلاة والسلام: لم خلعتم نعالكم؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا" أنهم قوم ليسوا بإمعة، ليس القوم ينقصهم الذكاء والعمق في التفكير .. أبدا، لكنهم قوم لهم قواعد أساسية مستقرة وإيمان قوي في قلوبهم يدعوهم إلى التنفيذ مباشرة، فبمجرد ما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه خلعوا، فالأمر لم يكن يحتمل التفكير ولا وقتا لتقليب الأمور، قال عليه الصلاة والسلام "إنه أتاني جبريل عليه السلام وأخبرني أن بهما خبثا"

عباد الله: إن أمر التسليم والطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون في حسِّ الإنسان المسلمِ وحياته واقعا مقررا لا يمكنُ تركه ولا المحيدُ عنه، لأن الأصل في هذه الطاعةِ الوجوب"وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" أقول قولي هذا

الخطبة الثانية:

عباد الله: المؤمن يسلِّم لأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل شأنه وأموره وأحواله، ويعلم أن الخير كله فيما شرعه الله وما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن الشر كله في مخالفة حكم الله وما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا يعارض شيئًا مِن وحي الله بعقله وهواه، فهذا العقل له عبودية عظيمة وهي الإذعان والاستسلام والاعتراف بأن الله -تعالى- يحكم ما يريد ويشرِّع ما يشاء، وما على العبد إلا الانقياد والتسليم المطلق لرب العالمين -تبارك وتعالى-. فالتسليم والاستسلام للواحد الديان هو روح الإسلام؛ فلا يصل العبد إلى حقيقة الإيمان إلا بالإذعان والاستسلام للوحي المنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابًا وسنة؛ فلم يكن الاقتناع العقلي شرطـًا عندهم للانقياد والإذعان، بل كان الواحد منهم يمتثل الشرع سواء اقتنع أم لا؟ فهم العلة أم لا؟ هذا وصلوا وسلموا على رسول الله

المرفقات

الصحابة-3

الصحابة-3

المشاهدات 3828 | التعليقات 0