الانشراح (أسرار وأخبار) - خطبة عيد الفطر 1443هـ

هشام الذكير
1443/09/29 - 2022/04/30 20:28PM
الانشراح (أسرار وأخبار)  إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله! خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً. الله أكبر! عنت الوجوه لعظمته، عز سلطانه، وعم إحسانه. الله أكبر! كلما ذكره الذاكرون، الله أكبر! عدد ما هلل المهللون، وكبَّر المكبرون، وسبح المسبحون. اللهم أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.. قال جل في علاه: " ولتكلموا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون". تأملوا معي – معاشر الكرام – أمراً عجيباً تتفق فيه الأمم كلها، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، شيبهم وشبابهم، ذكرهم وأنثاهم، صالحهم وطالحهم، وعلى اختلاف ألوانهم وأعراقهم وتخصصاتهم ومعارفهم، يتفقون جميعاً على طرده من أنفسهم. إنه (الهم) .. فكل مَنْ على ظهر الأرض " لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يرجون طرده، ولا ينطقون بكلمة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم ... وليس في العالم مذ كان إلى أن يتناهى أحدٌ يستحسنه، ولا يريد طرده عن نفسه "([1]). فمن قصد الصِّيت والمنصب، فما طلبهما إلا ليطرد عن نفسه همَّ الاستعلاء عليها، ومن هشَّ إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس ومواقع التواصل فما طلبها إلا ليطرد عن نفسه همَّ العيش وحيداً. وما سعى الناس في أرزاقهم إلا ليطردوا عنهم هَمَّ الفقر، وما طلب اللذات من طلبها إلا ليطرد عن نفسه همَّ فواتها. . كل هذه الهموم تتلاشى إذا كان الصدر منشرحاً. حديث الانشراح له وشيجة بأيام الفرح، وعيدنا – أهل الإسلام - يوم فرح وانشراح وطرد للهموم، يفرح المؤمن فيه بتمام العبادة (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )). فالله أكبر الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً. أيها المؤمنون والمؤمنات: (الانشراح) أول دعاءٍ لنبي الله موسى – عليه الصلاة والسلام – وهو مقدمٌ على أمرٍ جلل: (( قال رب اشرح لي صدري )). بهذا (الانشراح) امتنَّ الله على نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وتنزل سورة كاملة باسم (الانشراح) أو (الشرح) يقول سبحانه وتعالى فيها (ألم نشرح لك صدرك). الانشراح هو حالةٌ من الطمأنينة والسكينة والإيمان يهون معه كل شيء، أما ضِيْق الصدر فيعسر معه كل شيء، ويكون صاحبه مهموماً منقبضاً، والشيء الواحد يكون سهلاً يسيراً على منشرح الصدر، وصعباً عَسِراً على ضَيِّق الصدر. انشراح الصدر يعني طِيْب العيش، ورضى النفس، والسعادة الكاملة، وهذا ما كان عليه أنبياء الله – عليهم الصلاة والسلام – ومن تبعهم بإحسان؛ لما جعل الله في قلوبهم من الانشراح، بخلاف من يعاني فراغاً وخواءً.   أيها المؤمنون: أعظم وسيلة تقودك إلى انشراح الصدر وطرد الهموم عن نفسك: أن تعمل للآخرة. بمعنى: تجعل بوصلة حياتك تتجه نحو الفوز بالآخرة. وبهذا الاتجاه ستكون صبوراً منشرح الصدر لما تُبتَلى به في سبيل الهدف، وستزداد من الخيرات الموصلة إلى ذات الهدف. تأملوا حال المريض الذي يستشعر أن مرضه تكفيراً لسيئاته، والمريض الآخر الذي لم تطرأ الآخرة على قلبه. أي فرقٍ بينهما في تحمِّل تبعات المرض؟ الأول لسانه يلهج بالشكر والرضى لأن هدفه الآخرة، أما الثاني فيمتعض ويئن ويحن لأن نظرته قاصرة على هذه الدنيا. مثال آخر: تاجران، أحدهما عَمَرت الآخرة قلبه، والآخر ألهته دنياه. خسرا تجارتهما، فالأول موقن أن المال مال الله، وأن الله يقول: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا "، وأن الإيمان بالقضاء والقدر من أصول الإيمان. أما الآخر فيلطم نفسه، ويشق جيبه لأنه خسر دنياه ولم ينظر لآخرته. وحين ترسم بوصلتك حياتك نحو الآخرة، فأبشر بخيري الدنيا والآخرة. ستعيش منشرح الصدر، هادئ البال، وهذا ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على أذى قومه حين شجوه وأَدْموه وهو يقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "([2]). منشرح الصدر: على ثقة من المستقبل .. تأملوا معي سورة الشرح أو الانشراح كانت عاشر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ومع ما في إيذاء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وصده عن دعوته إلا أنَّ الله ينزل:  (( ألم نشرح لك صدرك )). وهو في مكة محاصر، ولم تظهر بوادر النصر. منشرح الصدر يعيش متفائلاً، يتوسَّد النبي صلى الله عليه وسلم بردةً بجانب الكعبة ولا يملك إلا أتباعاً يعذَّبون فيأتيه بعض الصحابة رضوان الله عليهم يقولون: ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يمشي الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون "([3]). منشرح الصدر مهما لاقى من الأزمات والمصاعب فإن طمأنينة قلبه تجعله متعلقاً بربه، ويوقن أن اليسر يغلب العسر، وأن الفرج بعد الكرب، ولا يشتد الظلام إلا      بقرب الفجر. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
 (الخطبة الثانية) : (المقدمة)     منشرح الصدر عنده هدوء في معايشة الحياة الزوجية. مع كل المصاعب التي لاقاها النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه يؤانس زوجه، قائماً بدور الزوج في الإسعاد وأداء الحقوق. في إحدى الغزوات تخرج معه زوجه عائشة رضي الله عنها ويسابقها، مع أنه في غزو! والزوجة الصالحة لها أثرٌ بالغٌ في انشراح الصدر، فهي خير متاع الدنيا، تشرح صدر زوجها إذا رآها، وتهوِّن عليه ما يحزنه، وتحفظه في غيبته.   شهر رمضان شهر عبادة، والعبادة أعظم أسباب انشراح الصدر، ولهذا ختم الله سورة الشرح بقوله (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب).   أيها المؤمنون والمؤمنات: ارقبوا مظاهر الانشراح في العيد مع ركضة الأطفال فرحاً بقدومه، فــ" الطفولة هي قوام العيد، فلولا الأطفال لما استطاع المجتمع أن يُوقِّت الفرح مُقدَّماً بميقات معلوم في يومٍ من الأيام"([4]). قلب الصغير يعلمنا معانٍ كبيرة: بسلامة الصدر، وسعادة اللحظة، وحسن الظن مع الجميع. وهذه دواعي انشراح الصدر.   لنطرد عنا الهموم، ولنسهم في انشراح صدور الآخرين ونفرح بالعيد.  اطرد عن الفقير هَمَّ فقره بصدقة ولو يسيرة.  واطرد عن الغريب هَمَّ غربته بابتسامة صادقة.  واطرد هَمَّ ضعف الكبير ووحدته بزيارة أو اتصال. ( الدعاء) ______      

([1]) الأخلاق والسير لابن حزم ص(75).
([2]) أخرجه البخاري (3477).
([3]) أخرجه البخاري (3852، 6943)
([4]) كتاب (أنا) للعقاد ص (56)
المرفقات

1651350428_الانشراح أسرار وأخبار - نسخة للقراءة من الأجهزة الذكية.pdf

1651350451_الانشراح أسرار وأخبار - خطبة إصدار 1.3.docx

المشاهدات 1453 | التعليقات 0