الامراض والاوبئة

يحيى جبران جباري
1441/07/10 - 2020/03/05 21:44PM

الحمد لله ذو الكرم والفضل ، أحمده سبحانه وأشكره اعظم الحمد وأكمل ، و أستعينه وأستهديه وأستغفره ، يعين من له الناس تهمل ، ويهدي من له الشيطان يضلل ، ويغفر لمن تاب من الذنب بعد أن كان يفعل ، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، شهادة صدق وحق لا تتغير ولا تتبدل ، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله أخير الخلق وأفضل ، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم ليس منه على الخلائق أثقل .

ثم أما بعد : فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله عز وجل والخوف من غضبه والوجل ، فما الحياة الا عجل ، ولادة ، وعيش وكد ، ثم خاتمة بأجل ،  يا رب إنا نسألك حسن الخاتمة إن الموت نزل .

(يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )

عباد الله : كنت في موعظة خلت ، تكلمت عن وباء في بعض البلاد انتشر ، وأودى بحياة ثلة من البشر ، واحترازا منه في كل الدول ومنها هذه الدولة المباركة حماها الله وأهلها  ، سأسرد عليكم جملة من الأدلة وأقوال الصحابة واهل العلم ، مما يوافق الحل في التعامل مع هذه الآفات ، بما لا ينافي التوكل ، مما اعتمد عليه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله ، لإيقاف تأشيرات الحج والعمرة حتى يصرف الله عن الأمة هذه الغمة .يقول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً)، فمتى لم يستطع الحاج الحج؛ لخوف طريق، أو قلة زاد ومسغبة، أو مرض عام، سقط وجوبه عليه، ويقول تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، ويقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)،ويقول تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، ويقول تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) وترك الوباء ينتقل مع القدرة – بإذن الله تعالى – من دفعه قبل وقوعه أو رفعه قبل وقوعه، سبب في إهلاك النفس ونفوس الآخرين.

وتفشي الوباء وإن لم يصب الشخص نفسه يعد مخوفاً، حيث قال الرملي الشافعي في "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان": (وفشو الوباء مخوف وَلو في حق من لم يصبه)، وإن كان هذا في باب الوصايا وما ينفذ منها وما لا ينفذ، إلا أن الشاهد منه عده مخوفاً قد يفضي إلى الهلكة.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري: (لاَ يورِدَنَّ ممرِضٌ على مصحٍّ)، وقال ابن بطال رحمه الله في شرح صحيح البخاري، وقد تأول يحيى بن يحيى الأندلسي، في قوله: (لا يحل الممرض على المصح) تأويلاً آخر، قال: "لا يحل من أصابه جذام محلة الأصحاء فيؤذيهم برائحته وإن كان لا يعدو، والأنفس تكره ذلك"، قال: "وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغي له أن يحل موردة الأصحاء إلا ألا يجد عنها غناء فيرِد.

قلت: فالقوم يكونون شركاء في القرية في مائها وثمارها، فيجذم بعضهم، فيتأذى بهم أهل القرية، ويريدون منعهم من ذلك؟.

قال يحيى: إن كانوا يجدون من ذلك الماء غناء بماء غيره يستقون منه من غير ضرر بهم أو يقومون على حفر بئر أو جري عين، فأرى أن يؤمروا بذلك، وقال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في "المسالك" في شرح موطأ مالك، قال علماؤنا: "الممرِضُ ذُو الماشية المريضةِ، والمصحُّ ذو الماشية الصحيحة".

وقيل: "معناه أنّ يأتي الرّجلُ بإِبلهِ أو غنمهِ الجرِبةِ، فيحلَّ بها على ماشيةٍ صحيحةٍ، فيؤذِيهِ بذلك بأن يحتبسَ إليها الجرَبَ".

وإذا فسر الممرض بأنه ذو الماشية المريضة، ومنع من إيرادها على الصحيحة، فإن الاحتياط لبني آدم من باب أولى ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وقال ابن حبيب من المالكية كما نقله عنه ابن بطال في شرح البخاري (وكذلك يمنع المجذوم من المسجد والدخول بين الناس واختلاطه بهم).وقال ابن حبيب أيضاً فيما نقله عنه القرافي في "الذخيرة": (وَيمنعُ المجذُومُ منَ المسجدِ وَمنَ الجمعةِ)وإذا كان من أكل ثوماً منهياً عن الصلاة جماعة، لئلا يتأذى الناس بما يخرج من فيه من الروائح، فكيف بمن قد يكون سبباً لانتشار المرض؟!يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: (من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا)،

 والقواعد الشرعية كقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وقاعدة "الضرر يزال"، وقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وقاعدة "رفع الحرج" وغيرها من القواعد.

وكذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على أرض نزل فيها الوباء أو الخروج منها، فقد روى أحمد في مسنده وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الوباء بأرض ولستَ بها فلا تدخلها، وإذا كان بأرض وأنت بها فلا تخرج منها) والوباء أعم من الطاعون كما ذكر ذلك ابن حجر في "فتح الباري ، وكذلك كثير من فقهاء المذاهب "وروى مالك في الموطأ والفاكهي في أخبار مكة عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مر على امرأة مجذومه تطوف بالبيت فقال: "يا أمة الله اقعدي في بيتك ولا تؤذي الناس"، فلما توفي عمر بن الخطاب أتيت فقيل لها: "هلك الذي كان ينهاك عن الخروج. قالت: والله لا أطيعه حياً وأعصيه ميتاً " وإن مما اتفقت عليه الأديان: حفظ الضرورات الخمس، ومنها النفس، فيجب الحفاظ عليها، فكيف إذا كانت النفوس كثيرة؟!

وما ذكره أهل الطب قديماً وحديثاً أن البعد عن الوباء وترك النزول بأرضه مصحة من قبل من ابتلوا بالوباء، مما يسارع في زواله بإذن الله.

كما أنه ليس ثمة دليل يصار إليه يمنع من ذلك.

وحديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ومن قام على الحرمين من أئمة المسلمين ، وجب عليه المحافظة على قاصديها ، ورعيته من أهلها ، حفاظا على أرواح المسلمين و درءا للمفسدة عن العابدين ،

وقد قيل لعمر رضي الله عنه ، لما رجع من على مشارف الشام ، بسبب الطاعون ، أتفر من قدر الله ، قال نعم ، افر من قدر الله إلى قدر الله .

اقول ما تسمعون وأستغفر لي ولكم الله ، فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .

الحمد لله له الإخلاص في العبادة وحده ، احمده سبحانه و أشكر فضله ، وأشهد أن لا إله غيره ، وأن محمدا رسوله ومن الخلق الخيرة ، صل الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ما ذكرت له سيرة ، وبعد : يامن لأمة الإسلام الذخيرة ، اتقوا الله تعالى فمن اتقاه كانت الرحمة مصيره ، (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون )

  عباد الله : اعلموا يا رعاني ورعاكم الله ، أن أقداره سبحانه نازلة ، والله يصرف عمن يشاء ما شاء ، وإن تذمر البعض من ايقاف تأشيرات الحج والعمرة على القادمين وايضا على المواطنين والمقيمين ، لا يصح بل وخطأ ، لأن ولاة الأمر غلبوا جانب المصلحة وحفظ نفوس أبناء هذه الأمة كافة ، وما ذاك إلا لمدة ، ثم ستزول برحمة الله الغمة ، ويعود الأمر الى ما كان عليه بإذن الله ، وكما قدمت هذا لا يتنافى مع التوكل على الله والثقة بالله ، وما هو إلا مكمل لمشيئة الله كما قال خليفة خليفة رسول الله ، نفر من قدر الله إلى قدر الله ، كفى الله المسلمين في هذه البلاد وسائر بلدانهم ، كل الأدواء ، وحفظ الطائفين والقائمين وقاصدي بيت الله الحرام ، ومسجد خاتم الأنبياء ، ووفق ولاة الأمر ، لما فيه الخير للإسلام والمسلمين في كل مكان وفي هذا البلد المعطاء .

ثم صلاة وسلاما لا انقضاء ؛؛؛ منها على النبي كل ما هلت سماء ؛؛؛ وما نمى زرع سقي من عذب ماء .

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد ....

المشاهدات 994 | التعليقات 0