الالحاح في الدعاء

أبو ناصر فرج الدوسري
1441/11/18 - 2020/07/09 15:55PM

أما بعد فاتقوا الله فإن تقوى الله –عز وجل- من أعظم ما يحقق معيةَ الله الخاصة المقتضيةَ للنصر والتأييد: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾. فمتى كان العبد مع ربه كان منتصرًا ومؤيَّدًا، إذ الخسران منه بعيدٌ ومستحيل، فالله لن يخذلَه يومَ الحوائج والكروب.

عباد الله: إن الله شرع هذا الدين وجعل من الطاعات والقربات ما يُقَرِّبُ منه سبحانه وتعالى، فجعل من الأعمال الصالحة ما تزكو به نفسُ المؤمن، ويخلُصُ قصدُه لله رب العالمين، ومن أعظم هذه العبادات الدعاء، فهو من أجلِّ القربات وعظيمِ العبادات، الدعاء شأنه عظيم، ونفعه عميم، ومكانته عالية في الدين، فيه تخليص العبيد من الاتجاه والتعلق بغير الله، قال ﷺ: (الدُّعاءُ هو العبادةُ) ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ 

أيها المؤمنون: إن الدعاء عبادة يتحقق بها التوحيد لرب العالمين، والله أمرنا بالدعاء ؛ ووعدنا بالإجابة : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم﴾. والدعاء فيه قطع العلائق عن الخلائق، وفيه اعتماد القلب على الله والاستعانة به وتفويض الأمور إليه وحده -سبحانه وتعالى-، بل إن الله ليغضبُ حين يتركُ العبدُ سؤالَه؛ قال ﷺ: (مَن لم يَسأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عليه)، وقال ﷺ(إنَّ اللهَ تعالى حييٌّ كريمٌ، يستحي إذا رفعَ الرجلُ إليهِ يديهِ أنْ يردهما صفرًا خائبتينِ)، وقال ﷺ: (لا يُغني حذرٌ من قدرٍ والدُّعاءُ ينفعُ ممَّا نزل وما لم ينزِلْ وإنَّ البلاءَ لينزِلُ فيلقاه الدُّعاءُ فيعتلِجان إلى يومِ القيامةِ) .

والدعاء ثمرته مضمونه، وربحه حاصل، قال ﷺ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) . قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ : (اللهُ أَكْثَرُ). 

وهذا مشروط بشرط، قال ﷺ: (مَا لَمْ يَسْتعْجِلْ) قِيلَ: يَا رسُولَ اللَّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَم أَرَ يَسْتَجِيبُ لي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْد ذَلِكَ، ويَدَعُ الدُّعَاءَ).

إخوة الإيمان، الدعاء أنيسُ المؤمنِ عند الشدائد، ومسلِّيه عند اشتداد الكُرَبِ ونزولِ المصائب، فما استجلبت النعم بمثله، ولا استدفعت النقم والبلايا بمثله، وقال ﷺ:(لا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ). وقال ﷺ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ).

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ 

----------------------------

الخطبة الثانية

أما بعد، فيا عباد الله: إن أحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى زوالَ البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرمُ على الله -عز وجل- من الدعاء، وأعجزُ الناسِ من عجِزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه، ومن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه، خاصة في هذا الوقت الذي اشتد فيه انتشار الوباء ومات فيه خلق كثير واصيب به الملايين، ويقف العالم كله حائرا أمامه. 

فارفَعوا أكُفَّ الضراعة، وتوسَّلوا إلى الله بألوان الطاعة أن يرَحمَ حالنا وضعفنا، ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾.

اللهم اكشف عنا هذا الوباء، يا عالِم كل خفية، يا صارف كل بليّة، ندعوك بما اشتدت به فاقتنا، وضعُفت قوتنا، وقلت حيلتنا، اللهم ارحمنا، والطف بنا.

اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.

اللهم ادفع عنا وعن المسلمين كل شرٍّ ومكروه، اللهم ارفع الضر عن المتضررين مِن المسلمين في كل مكان، وجنِّبنا وإيَّاهم الفتن ما ظهر مِنها وما بطن.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . اللهم اجعلنا ممن تعلقت قلوبهم بذكرك ودعائك والتوكل عليك .

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهم واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنًا وجميع بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم انصر جنودنا، واحفظ بلادنا يارب العالمين.

اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمَتِكَ، وَتَحوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. 

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

http://khutb.blogspot.com/2020/07/blog-post_9.html

المشاهدات 1905 | التعليقات 0