الافتقار الى الله

محمد بن خالد الخضير
1443/10/18 - 2022/05/19 13:28PM

الخطبة الأولى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" أَمَّا بَعْدُ :

عِبَادَ اللهِ: حاجة الخلق إلى الله تعالى لا يحيط بها الوصف؛ إذ هم مفتقرون إليه في كل أحوالهم، محتاجون إلى عونه في كل شؤونهم.. هو سبحانه موجدهم من العدم، ومربيهم بالنعم، وهاديهم إلى ما ينفعهم، وصارفهم عما يضرهم؛ فما قيمة الخلق بلا خالقهم.

فالافتقار إلى الله -تعالى- أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه -عز وجل- متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) [فاطر:15-17] .

يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه:فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.                           

تأمل في نفسك، وخلقك وحالك تكتشف عظيم فقركَ وشدة فاقتك إلى ربك ، من نعم الله التي توالت عليك فظننت أنك عنه استغنيت قد خلقك الله من عدم:﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾

فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم [بها]، لما استعدوا لأي عمل كان. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)سورة التين 4

فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء.

فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.

فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.

فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.

ونحن مفتقرون إلى الله تعالى في هدايتنا وإسلامنا وإيماننا، وإلى عبادته سبحانه وتعالى؛ فلولا الله تعالى لما كنا مسلمين، ولا آمنا، ولا صلينا، ولا صمنا، ولا عملنا صالحا، ولا جانبنا المحرمات، ولسنا أعلى البشر شأنا، ولا أوفرهم عقلا، ولا أشدهم بأسا، ولكن الله تعالى منَّ علينا بالهداية، وضلَّ عنها غيرنا ممن لم يهتدوا ( قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [الحجرات:17]  وقال سبحانه في الحديث القدسي: " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ".

ولا زلنا مفتقرين إلى الله تعالى في الديمومة على إيماننا، والثبات على إسلامنا؛ فلا ثبات لنا إلا بالله تعالى وعونه وتوفيقه؛ ولذا ذكر سبحانه عن الراسخين في العلم أنهم يقولون (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران:8] والمصلي يتلوا في كل ركعة هذا الدعاء المبارك (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) [الفاتحة:6].

ونحن مفتقرون إلى الله تعالى في رزقنا فمن ذا الذي يرزقنا غير ربنا وخالقنا والمنعم علينا، والخلق مهما كانت عظمتهم، أو بلغت قوتهم، أو علت مكانتهم لا يرزقون أنفسهم فضلا عن أن يرزقوا غيرهم، فكلهم عيال على الله تعالى، يسوق إليهم أرزاقهم حيث كانوا (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ) [هود: 6] ( وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [العنكبوت:60].

فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا. (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ) سورة النحل 78.

الخلق محتاجون إلى الله في سكنهم بالزوجات، وإنجابهم للأولاد، الخلق محتاجون إلى الله في صحتهم من بعد المرض، وشفائهم من تلك العلل؛ ولذلك قال الخليل ): الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)سورة الشعراء 78-82.

بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه.أَمَّا بَعْدُ،

عباد الله، مَا اسْتُجْلِبَتْ رَحَمَاتُ اللَّهِ، وَلَا اسْتُمْطِرَتْ خَيْرَاتُهُ بِمِثْلِ الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَالِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ رَؤُوفٌ بِعِبَادِهِ، يَرْحَمُ أَنِينَهُمْ، وَيَكْشِفُ ضُرَّهُمْ، وَيَسْتَحْيِي مِنْ سُؤْلِهِمْ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مُضْطَرِّهِمْ.

شَكَا إِلَيْهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَالَهُ (إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 24]فَرَحِمَهُ رَبُّهُ الرَّحِيمُ، فَيَسَّرَ لَهُ الزَّوْجَةَ الصَّالِحَةَ، ثُمَّ أَكْرَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنُّبُوَّةِ، وَاخْتَصَّهُ بِالْكَلَامِ.

الِافْتِقَارُ بِالْحَالِ أَنْ يَنْكَسِرَ الْقَلْبُ لِرَبِّهِ، خُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ، وَاسْتِمْطَارًا لِرَحْمَتِهِ، وَاسْتِجْلَابًا لِعَطْفِهِ وَمَغْفِرَتِهِ.

الِافْتِقَارُ بِالْحَالِ أَنْ يُبَادِرَ الْعَبْدُ بِلَا تَسْوِيفٍ إِلَى غَسْلِ النُّكَتِ السَّوْدَاءِ الْجَاثِمَةِ عَلَى قَلْبِهِ، وَيَتَعَاهَدُ بِإِصْلَاحِ هَذِهِ الْمُضْغَةِ بِتَجْنِيبِهَا الْفِتَنَ، مَعَ اسْتِكْثَارِ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا ... مِنَ الْإِخْلَاصِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالنَّدَمِ، وَالْيَقِينِ.

الِافْتِقَارُ لِلْمَلِكِ الْعَظِيمِ لَيْسَتْ حَالَةً مُؤَقَّتَةً، فِي لَحْظَةٍ أَوْ لَحَظَاتٍ مَحْدُودَةٍ.

الِافْتِقَارُ لِلَّهِ هِيَ مَنْهَجُ حَيَاةٍ، يَخُطُّ بِهَا الْعَبْدُ طَرِيقَهُ بِهِمَّةٍ عَالِيَةٍ نَحْوَ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ، تَرَى هَذَا الْمُفْتَقِرَ لَا يَتْرُكُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ سَهْمٌ.

إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ حَنَّ قَلْبُهُ، وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ لَهِجَ لِسَانُهُ، وَإِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ تَاقَتْ نَفْسُهُ لِلصَّلَاةِ، وَإِذَا مَرَّتْ أَيَّامُ الصَّوْمِ الْفَاضِلَةُ جَفَّتْ أَمْعَاؤُهُ وَقَرْقَرَ بَطْنُهُ.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد،

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ العهد لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم إنا أستودعناك جنودنا ورجال أمننا فأحرسهم بعينك التي لاتنام وأعنهم وأنصرهم

 اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، ربَّنا اغفِر لنا ولوالدِينا، وارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا،

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

المرفقات

1652966903_الافتقار إلى الله 19-10-1443.docx

1652966903_الافتقار إلى الله 19-10-1443.pdf

المشاهدات 1494 | التعليقات 0