الافتقار إلى الله وسؤال الله العافية
صالح العويد
1439/09/23 - 2018/06/07 13:10PM
الحمد لله، الحمد لله الذي وسعَ سمعُه الأصوات، وعلِم دعوات عباده مع اختلاف اللُّغات، بيدِه قضاءُ الحاجات ونيلُ الأُمنيات، ودفعُ البلايا وكشفُ الكُرُبات، سبحانه وبحمدِه سميعٌ قريبٌ، رحيمٌ مُجيب، ولُطفُه موصولٌ بعبدِه في جميع الأحوال والأوقات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:فاتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].اجتهِدُوا في العمل، فإن قصَّر بكم ضعفٌ فكُفُّوا عن المعاصِي. الدنيا ما مضَى منها فحُلُمٌ، وما بقِيَ فأمانِيٌّ، وما أرَى إساءةً تكبُرُ عن عفوِ الله؛ فلا ييأسَنَّ أحدُكم، وكُن بين الخوفِ والرِّجاء،
أيها المسلمون:
فوقَ كل حاجةٍ حاجةُ النفوسِ إلى مولاها، هو ربُّها وخالِقُها الذي سوَّاها، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9، 10]. النُّفوسُ إليه مُفتقِرَة، وبين يدَي جلالِه وعظمَتِه مُنكسِرَة، حاجَتُها إليه فوقَ حاجتِها إلى الطعامِ والشرابِ، بيدِه مقالِيدُ الأمور وهو الغنيُّ الوهَّاب، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15].
أيها المسلمون الصائِمون:قد يعطى الإنسان أموالاً، وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً، وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباُ عظيماً، أو مركزاً كريماً، أو زعامة عريضة، أو رياسة مكينة، قد يحف به الخدم، ويحيط به الجند، وتحرسه الجيوش، وترضخ له الناس، وتذل له الرؤوس، وتدين له الشعوب، ولكنه مع ذلك كله فقير إلى الله، محتاج إلى مولاه، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ... [فاطر:15].إن لذة الحياة، ومتعة الدنيا، وحلاوة العمر، وجمال العيش، وروعة الأنس، وراحة النفس هي في شعور الإنسان بفقره إلى الديان، ومتى غرس في القلب هذا الشعور، ونقش في الفؤاد هذا المبدأ فهو بداية الغنى، وانطلاقة الرضى، وإطلالة الهناء، وإشراقة الصفاء، وحضور السرور، وموسم الحبور.
حقيقة غنى المرء في الحياة أن يعيش فقيراً إلى الله، وهذه هي حقيقة العبودية وخلاصة التقوى، فالمرء في صلاته في ركوعه في سجوده في دعائه في كل عباداته يعلن الخضوع لله والاستسلام له والتذلل بين يديه والافتقار إليه.
واستمع رعاك الله إلى هذا الحديث القدسي العظيم الذي أخرجه الإمام مسلم من رواية أبي ذر قال : قال رسول الله : قال الله : " يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ. فلا تثق بنفسك إنما الثقة في رحمته وفضله وعطائه فأنت عبدٌ ضعيف فقير أتى ببضاعة مزجاة لا قيمة لها وأراد من الملك الغني الحميد أن يعاوضه عليها فما لنا إلّا الفقر بين يديه فأعمالنا وأقوالنا كلّها لا تقدّم ولا تؤخّر إذا ما أظهرنا فقرنا وضعفنا وذُلُّنا بين يديه.
قال ابن القيم يرحمه الله: وفقر العالم إلى الله تعالى أمر ذاتي لا يعلل فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته. (طريق الهجرتين وباب السعادتين، ص8 ).
موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ حينما خرج خائفاً يترقب، فلما ورد ماء مدين وسقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل الظليل لم ينسه ذلك الظل ظلاً أعظم، ومأوى أكرم، ولطفاً أشمل، ورعاية أكمل، فلبس ثوب الفقر، وارتدى جلباب الفاقة، وأعلن حالة المسكنة، ورسم لوحة الذل، في عبارات حانية، وكلمات هادئة، ومناجاة صادقة: لايجيدها إلى الفقراء إلى الله فقال ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ ... [القصص:24]، فقير إلى كرمك، فقير إلى لطفك فقير إلى جودك، فقير إلى حسن عطائك في الدنيا والآخرة، لقد لجأ الفقير إلى الغني الحميد، والركن الركين، والظل الظليل، فسُمعت الدعوة، وأُجيب النداء، وأُغدق العطاء في طرفة عين، ولمحة بصر: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ ... [القصص:25]، إن دعوة هذا الشيخ الكبير جاءت استجابة من الغني لدعاء موسى الفقير، فنال من خير الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
وها هو سيد الخلق وأكمَلُ الخلقِ وأعلَمُهم بربِّه مُحمدٌ - عليه الصلاة والسلام -، وهو أخشَاهم وأتقَاهم، وأفصَحُهم لِسانًا، وأصدَقُهم بيانًا، كلامُه بعد كلامِ الله أحسَنُ الكلام، وهَديُه أحسَنُ الهَديِ، وهو أنصَحُ النَّاسِ للنَّاسِ، ما ترَكَ خيرًا إلا دلَّهم عليه، وهو أعلَمُ النَّاسِ بما يحتاجُه العبدُ في سُؤالِه مِن ربِّه، وما يُصلِحُه في دينِه ودُنياه، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه؛ فقد كانُوا يتعلَّمُون من الدُّعاء كما يتعلَّمُون السُّورةَ مِن القرآن.
يقف عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان في واقعة بدر الكبرى مع عصبة من أصحابه وقد أحاط به المشركون إحاطة السوار بالمعصم، فيلجأ إلى الله ويناشده مفتقراً إليه حتى أشفق أبو بكر على رسول الله مما رأى من شدّة افتقاره وانكساره بين يدي الله تعالى ، وقال يا رسول الله: يكفيك بعض مناشدتك لربك فإنه منجز لك ما وعدك.
وفي دعَوَاتِه وجوامِعِ كلِمِه مِن توحيدِ الله وتعظيمِه، والرَّغبةِ والافتقارإليه، والوَفاءِ بحاجاتِ العبدِ في الدُّنيا والآخرة ما يدعُو إلى التِزامِ تلك الدعَوات، والابتِهالِ بها، وتدبُّر معانِيها والحياة بها،
أيها المُسلمون:
ومِن عظيمِ دُعائِهِ الذي صحَّ مِن سُنَّتِه وخص به وعلمه أحب الناس إليه وفي أعظم الليالي عند الله ماروته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ماذا أقول فيها ؟ قال قولي: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى ))
وكذلك ما رواه الترمذيُّ وغيرُه عن العباسِ بن عبد المُطلب - رضي الله عنه - قال: قُلتُ: يا رسولَ الله! علِّمنِي شيئًا أسألُه اللهَ، قال: «سَلِ اللهَ العافِيةَ»، فمَكَثتُ أيامًا ثم جِئتُ فقُلتُ: يا رسولَ الله! علِّمني شيئًا أسألُه اللهَ، فقال لي: «يا عباسُ يا عمَّ رسولِ الله! سَلِ اللهَ العافِيةَ في الدُّنيا والآخرة»؛ قال الترمذيُّ: "حديثٌ صحيحٌ". إنه لدُعاءٌ عظيمٌ علَّمَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لعمِّه العباس، وقد كان يُنزِلُه منزِلةَ أبِيه، ويرَى له مِن الحقِّ ما يرَى الولَدُ لوالِدِه، وفي تخصِيصِه بهذا الدُّعاء بعد تكريرِ العباسِ سُؤالَه بأن يُعلِّمَه شيئًا يسألُ اللهَ به وتعليم عائشة أم المؤمين خاصة في أعظم ليلة عند الله دليلٌ على أن الدُّعاء بالعافِية لا يُساوِيه شيءٌ مِن الأدعِية، ولا يقومُ مقامَه شيءٌ مِن الكلامِ الذي يُدعَى به ذُو الجلالِ والإكرامِ.
وفيه: تحريكٌ لهِمَم الرَّاغِبين على مُلازَمَة هذا الدُّعاء، وقد تواتَرَ عنه - صلى الله عليه وسلم - دُعاؤُه بالعافِيةِ لفظًا ومعنًى في نحوِ خمسين حديثًا؛ ذلك أن العبدَ إذا نالَ العافِيةَ في الدُّنيا والآخرة فقد نالَ غايةَ المطلُوب.
مَن رُزِقَ العافِية فقد حازَ نفائِسَ الرِّزقِ؛ فهي مِفتاحُ النَّعيم، وبابُ الطيِّبات، وكَنزُ السُّعداء، والخَيرُ بدُونِها قليلٌ ولو كثُر، والعِزُّ بدُونِها حقيرٌ ولو شَرُف، والعافِيةُ لا يعدِلُها شيءٌ مِن أمرِ الدُّنيا بعد الإيمانِ واليقينِ؛ لأن عافِيةَ الدين فوقَ كلِّ عافِية، يُدرِكُ قيمتَها مَن فقَدَها في دينِه ودُنياه.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «سَلُوا اللهَ العافِيةَ؛ فإنه لم يُعطَ عبدٌ شيئًا أفضلَ مِن العافِية»؛ رواه الإمامُ أحمدُ وغيرُه.
وأعظمُ العافِية: سلامةُ العبدِ مِن الذنوبِ، وفي التوبةِ وصِدقِ الإنابةِ، وإذا وقعَ العبدُ في شيءٍ مِن الذنوبِ فليَستَتِر بسِترِ الله، وفي الحديث: «كُلُّ أُمَّتِي مُعافَى إلا المُجاهِرين»؛ متفق عليه.
فمَن جاهَرَ بالذنوبِ، وأعلَنَ الفِسقَ فقد حُرِمَ العافِية، ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء: 16]. ولهذا كان تحوُّلُ العافِية مِن أعظَمِ المصائِبِ التي كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يستَعِيذُ مِنها ويقول: «اللهم إنِّي أعوذُ بِك مِن زوالِ نِعمتِك، وتحوُّل عافِيَتك، وفُجاءَةِ نِقمَتِك، وجَميعِ سَخَطِك».
والله تعالى يُرخِي على النَّاسِ سِترَه، ويُسبِغُ عليهم عافِيتَه، والمخذُولُ مَن استجلَبَ بالتغيير الغِيَر، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
أيها المُسلمون:
والعافِيةُ في السلامةِ مِن حقوقِ النَّاسِ، وأن تلقَى اللهَ وليس أحدٌ يطلُبُك بمظلَمَةٍ في عِرضٍ ولا مالٍ.
العافِيةُ في السلامةِ مِن الفتن أن يخُوضَ الإنسانُ فيها ولو بشَطرِ كلِمةٍ بعد إذ نجَّاه الله منها.
عباد الله:
ومِن العافِية: عافِيةُ الأوطانِ والدِّيارِ، والأمنُ والاستِقرارُ، «لا تتمنَّوا لِقاءَ العدُوِّ، وسَلُوا اللهَ العافِية».
العافِيةُ في اجتِماعِ القلوبِ، ووِحدةِ الكلِمة، وفي الوِلايةِ الشرعيةِ التي تخافُ اللهَ وتتَّقِيه، وترعَى مصالِحَ الناس.
العافِيةُ أن يُصبِحَ العبدُ آمِنًا في سِربِه، مُعافى في بدنِه، عنده قُوتُ يومِه، كأنَّما حِيزَت له الدُّنيا بحَذافِيرِها، يدعُو في صَبيحَةِ كلِّ يومٍ دُعاءَ العافِية الذي رواه ابنُ عُمر - رضي الله عنهما - فقال: لم يكُن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدَعُ هؤلاء الدَّعَوات حين يُمسِي وحين يُصبِحُ: «اللهم إنِّي أسألُك العافِيةَ في الدُّنيا والآخرة، اللهم إنِّي أسألُك العَفوَ والعافِيةَ في دِينِي ودُنيايَ، وأهلِي ومالِي، اللهم استُر عَورَاتِي، وآمِن رَوعَاتِي، اللهم احفَظني مِن بين يدَيَّ، ومِن خَلفِي، وعن يَمِينِي، وعن شِمالِي، ومِن فَوقِي، وأعُذُ بعظَمَتِك أن أثغتالَ مِن تحتِي»؛ رواه الإمام أحمدُ وأبو داود وابنُ ماجَه بإسنادٍ صحيحٍ.
احفَظُوا هذا الدُّعاء، وعلِّمُوه أولادَكم وأهلِيكم: "اللهم إنِّا نسألُك العفوَ والعافِيةَ في الدُّنيا والآخرة".
بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنَّة، ونفعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله ترفع الدرجات وتكفر السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قاضي الحاجات، والعالم بالخفايا والمكنونات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن شهركم عزم على النقلة، ونوى الرحلة، وهو ذاهب بأفعالكم، شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه، فيا ترى تراه يرحل حامد الصنيع أو ذاماً التضييع؟!! اللهَ اللهَ في الثبات والاستمرار على الأعمال الصالحة في بقية أعماركم، واصلوا المسيرة في عمل الخير، لتفوزوا برضا مولاكم، واعلموا أنه لئن انقضى شهر رمضان المبارك فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت،
عباد الله، استودعوا شهركم عملاً صالحًا يشهد لكم عند الملك العلام، ولقد شرع لكم مولاكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة، تسدُّ الخلل، وتجبر التقصير، وتزيد المثوبة والأجر، ، ففُرضت عليكم صدقة الفطر طهرة من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ففي البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والكبير والصغير من المسلمين). وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس من صلاة العيد، فيجب على المسلم إخراجها عن نفسه، وعمن تلزمة نفقته من الزوجة والأولاد والأبوين، إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأَولى أن يخرجوها عن أنفسهم لأنهم المخاطبون بها أصلاً ويستحب اخراجها عن الجنين، ومقدارها الواجب صاع من البر، أو الشعير، أو الأقط، أو التمر، أو الزبيب، ويجزئ غيرها مما يطعمه الناس كالأرز ونحوه. والأفضل إخراجها ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز، تخرج في المكان الذي فيه الصائم، ولا بأس أن يوكل من يخرجها عنه في بلده إذا كان مسافراً خاصة عند وجود المصلحة الراجحة، والمنفعة الظاهرة.
عباد الله وإذا مد الله في أعماركم ، وأدركتم يوم عيدكم ، فاشكروا الله بإكمال عدة شهركم .كبروا ربكم واخرجوا يوم عيدكم فرحين بفضل الله ورحمته ، شاكرين لنعمته ، ومجتنبين ما يسخطه وملتزمين مايحبه وبآدابه اللهم يا ربنا اجبر كسر قلوبنا على فراق شهرنا اللهم أعده علينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة في حياة طيبة سعيدة هذا، واعلموا - رحمكم الله - أن من خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم كثرة صلاتكم وسلامكم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبيكم محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم جل في علاه فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح اللهم أئمتناوولاة أمورنا اللهم وفقهم لما تحب وترضى ، وخذ بناصيتهم للبر والتقوى اللهم واحفظ إمامنا ووفقه لهداك واجعل عمله في رضاك اللهم وانصر به دينك وأعل به كلمتك ياسميع الدعاء اللَّهُمَّ كُنْ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كل مكان , اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ , اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهْمْ يَا قَهَّارُ يَا جبارعليك بعبدك بشاروكل من على المسلمين طغى وجار اللهم أرنافيهم يوماكيوم فرعون وقارون اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه وقيامه ووفرت أقسامه وقبلت منه ليلة القدرعلى قلة أعماله وغفرت له زلـله وإجرامه اللهم أعتق رقابناورقاب والديناوزوجاتناوذرياتناعن الناروالمسلمين أجمعين
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين،اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه وفضله يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون