الاستنكار والتنفير فيما وقع في تفجير مسجد عسير
خالد علي أبا الخيل
1436/11/28 - 2015/09/12 16:15PM
الاستنكار والتنفير فيما وقع في تفجير مسجد عسير
التاريخ: الجمعة: 22/ 10 /1436 هـ
الحمد لله الذي عظم المساجد، وجعلها مأوى لكل راكع وساجد، وأمانًا لكل طائع وعابد، وعظم حرمتها، فجعل من الظلم منعها لكل عابد.
وأشهد أن لا إله إلا الله، حذر من الترويع والتهديد، فكيف إذا كان في المساجد؟، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نهى عن حمل السلاح، وترويح المسلم، فكيف إذا كان في أعظم بقعة لكل صادر ووراد؟.
أما بعد،.
فاتقوا الله حق تقواه، تفوزوا بجنته ورضاه.
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فقد رفع الإسلام سلمان فارس
***
*** فلا تترك التقوى اتكالًا على النسب
وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
إخوة الإسلام: استعدوا، واصبروا، وصابروا، وللصالحات اعملوا، وللقربات بادروا، ولطاعة الله وطاعة رسوله امتثلوا، فبقاؤكم في الدنيا قليل، وزادكم للآخرة ضئيل.
أيها المسلمون: المساجد بيوت الله، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) (الجن: 18)، أعظم البقاع، وأشرف المواطن عزة وارتفاع، شرفها وأعلى قدرها، وجعل من يرتادها من أهلها، بل علامة الإيمان وطاعة الرحمن، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) (التوبة: 18)، أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأقرب الخلق إلى الله ساجدها، خصها بالإضافة والتشريف، والتكليم والتلطيف، منع فيها الظلم، وصانها عن كل وزر وإثم، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) (البقرة: 114)، فذكر ذنبين عظيمين: الظلم والتخريب، الحس والمعنوي، فإذا كان ذلك كذلك فكيف بمن أفسدها حسًا، وفجر فيها بناء، وجلب الظلم فيها، وروع قاطنيها، وأزعج ساكنيها؟ بل كيف من قتل من فيها، وأرعب الساجد والراكع فيها؟ والله يقول: (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (آل عمران: 97).
وهذا ما حصل من الاعتداء المرير، في مسجد الطوارئ بعسير، من القتل والتدمير، والإفساد والتفجير، حدث لا يرضاه ضمير، ولا يقره شرع ودين سمته الأمن والتيسير، فانتهكت المساجد، وروع فيها الراكع والساجد، وأهينت المصاحف، ودمرت الحيطان والفرش والمتاحف، قُتل الأبرياء، وانتُشلت منها أشلاء، ومرض فيها أصحاء، ورُوع فيها أمناء، ومتى كان دين الله ينتهك بهذه الطريقة؟ والمساجد بيوت الله، فيها عباده، والمصلي له حرمته وهو في بيت ربه، فمن اعتدى عليه عظم جرمه، وباء بإثمه، المصلي نُهي المرور بين يديه، خشية التشويه عليه، وقطع العلاقة والخشوع بين يديه، فكيف بتخويفه وإزعاجه، وترويعه وإخراجه؟.
وإذا كان المرء ممنوع رفع السلاح فيها، وترك نصالها خشية أن يصيب من فيها، فكيف بمن حمل السلاح فيها، وقتل راكعيها وساجديها؟، وحرم الشرع الاعتداء على دور العبادة.
إن هذه الأعمال، والإفرازات والخصال، يجب أن تستنكر، ويجرم فيها المعتدي وصاحب المنكر، ويحفظ فيها مكانة العلماء فيها، وحلق التحفيظ، والدروس العلمية، والدورات الشرعية، وأهل الصلاح والإصلاح، والمستجيبين لحي على الصلاة حي على الفلاح، فلا يُربط هذا الاعتداء الآثم، والإجرام القاتم، بجهود الصلحاء، ولبلادهم أوفياء، وللناس أمناء، فكلٌ يؤخذ بجريرته، ويُدان بفعله وخطيئته، يقال هذا حينما ترى وتسمع تغريدات، ورسائل وكلمات، بنقد مأفون، وتخطئة معممة، واستهزاء واستخفاف لأهل الخير والحلق والمساجد والمصاحف.
فجهود أهل الخير في المساجد مبذولة، ودور العلماء والدعاة فيها مشكورة، وكشف شبه المنحرفين، والفكر الضال الدفين، في الكلمات والخطب والدروس محفوفة محفوظة.
أيها المسلمون: إن قتل هؤلاء المصلين، الركع السجود الآمنين، في بيت الله الأمين، جريمة نكراء، وفعلة رعناء.
سحقًا لمن باع الأمانة والهدى
تركوا اليهود وراءهم وتسابقوا
***
*** ومضى بخبث يستبيح المسجد
يستهدفون الراكعين السجد
أيها المسلمون: إن قتل المصلين ليس وليد هذا العصر والفعل المشين، بل هو مذهب رافضي، وفكر خارجي، كما فعل أبو لؤلؤة المجوسي.
إخوة العقيدة: احذوا الأفكار المنحرفة، والأهواء المنجرفة، والآراء الفاسدة، (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: 103).
يا ويح أمتنا الحبيبة أرهقتها
كم فاتن في أمتي جلبوا إليها
يا إخوة الحق المبين قفوا جميعًا
***
***
*** غدرات من قطعوا المجد استباقا
فتنًا كموج البحر تصفق اصطفاقا
ولا ترضوا لجمعكم افتراقا
عباد الله: خذوا دينكم ممن تعلمون دينه وعلمه، وورعه وعقله.
وليس في فتواه مفت متبع
*** ما لم يضف للعلم والدين الورع
فمن لم يتورع في علم وفتواه، زج في علمه وهواه، إلى ما لا يحمد عقباه.
يقول إمام التابعين محمد بن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عن من تأخذون دينكم. لا سيما في عصر كلٌ يفتي ويرجح، وكل له رأي ويصحح، يزدري غيره، وينتقص من هو أعلم منه، وتكلمت الرويبضة، وتكلمت العامة، بل وصل الحد في الكلام الذات الإلهية، والعقيدة الإسلامية، والمسائل المصيرية، وبدأ يكفر ويبدع ويفسق، وهو متكئ على أريكته، وعلمه قليل، وبضاعته مزجاة، ولا شيخ له في درسه وعلمه، ومبدئه ومنتهاه.
ولهذا: حرمت الشريعة القول بلا علم، وجعلته من أكبر الوزر والإثم، (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ) (النحل: 116)، كل ذلك حذرًا من التقول على الشريعة، والعلوم المذيعة بلا هدى وبرهان، وحجة وسلطان، وإنما هو هوى، أو اتبع فلانًا، أو طائفة وحزبية وعلان، أو مجهور العلم والهوية، عبر الاتصالات في علوم التقنية.
ولهذا: تساهل في هذا الجانب، وانفتح في هذا الباب كل مخاطَب، دون تعقل وتفكر وحاجب، التكفير والتبديع والتفسيق دون مرجع لكتاب وسنة وعلم نمير.
كلٌ يرى رأيًا وينصر قوله
ولو أنهم عند التنازع وفقوا
ولأصبحوا بعد الخصام أحبة
***
***
*** وله يعادي سائر الإخوان
لتحاكموا لله دون توان
غيظ العدا ومذلة الشيطان
والتكفير: الناس بين طرفي نقيض، منهم من نفى، ومنهم من أثبته دون قيد أو شرط وألقاه، وهو في السنة والقرآن محفوظ، ولكن له أسباب وموانع وشروط، وليس هو لكل كبير وصغير، وجاهل مبتدئ بالعلم والتحرير، فليس حمى مستباحًا، أو مذاقة لبن مباحًا.
يقول ابن القيم:
والكفر حق الله ثم رسوله
من كان رب العالمين وعبده
***
*** بالنص يثبت لا بقول فلان
قد كفراه فذاك ذو الكفران
ولهذا حينما يتغلب التكفير، على التؤدة والتفكير، فلا غرو أن تتحول المساجد من الذكر والتكبير، إلى التدمير والإفساد والتكفير.
فاحفظ لسانك من الكلام الأثيم، إلا بعلم راسخ حكيم، أو مشاورة أهل العقل والتحكيم، فمن تجرأ على قتل المصلين، وبأنهم مرتدين، ماذا سيقول أمام رب العالمين؟ حينما يقف هو وخصمه يوم الدين، وهل يعذر أن يقول فلان أو علان: هذا ما ظهر لي وبان بدون حجة وبرهان.
فالله المستعان، وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على ولد عدنان.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبيه وصحبه.
وبعد،.
11.55 استباحة القتل والتفجير، وقد عظم الله حرمة الدماء، وجعله قرين الشرك والنظراء، (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (الفرقان: 68، 69)، وقد جاء الوعيد الشديد، مما يشيب الكبير والصغير والوليد، (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93)، فويل ثم ويل لمن تجرأ على قتل عباد الله، لا سيما من كان في بيوت الله، فلا يراعى بيت الله ومسجده، ولا حرمة الدماء وسفكه، فاغتال المصلين، واستباح دماء الساجدين الراكعين، والمؤمن محفوظ، وعرضه ودمه مضبوط، (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، وفي البخاري عن ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. وفي الترمذي: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)، وفي الصحيحين: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)، وفي البخاري: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة:... ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه)، وفي الترمذي: (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دمًا، يقول: يا رب: هذا قتلني. حتى يدنيه من العرش).
ومن أسباب القتل والتكفير: الغلو في كل صغير وكبير، ولهذا عظم الشارع أمره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، وقال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون)، فلا بد من حذر صادق، وجدية وخطاب صادق، فنحن أمام خطر داهم، وفكر غاشم، وبلاء قاتم، لا بد من الحذر من التواصلات الاجتماعية، والشبكات العنكبوتية، والمصادر التوهمية، والحسابات المبهمة، والمواقع المغلفة، ولهذا يجب علينا في واقعنا المعاصر رسائل تعقد عليها الخناصر والأواصر، بأن يجب أن نتقي الله، فلا نكفر ونفجر، وعلينا أن نسأل ونتأمل ونفكر، فمن دخل الإسلام بيقين فلا يُخرج منه إلا بيقين، وكذا على الآباء والأمهات احتواء الأبناء والبنات، والاعتكاف بهم، واحتضانهم، ورفع شأنهم، وتقبل آرائهم، وتفهم خطابهم، والجلوس معهم، وحوارهم الهادف، والنقاش الوارف، وتفقد رفقتهم، ونصحهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
وعلينا كإعلاميين وصحفيين وكتاب ناقدين ألا نتطرف ونؤجج ونجحف، ونرمي الأبرياء بالشناعة والازدراء، والخصوم والاعتداء، ونعمم الخطاب، فنورث الشك والارتياب.
ورسالة إلى المعلم والمربي والمسئول في كل مجال وحقول: بحفظ الطلاب والشباب، وفتح الصدر وسعة الرحاب، وسماع كلامهم، والجواب على أسئلتهم، فهم أبناؤنا، وثمارنا، قلوبهم صافية، وأفئدتهم متقدة، وغرائزهم متعطشة، فالشاب النبيل عنده من الحنكة والإبداع والرأي الجميل، وما مجالس عمر بن الخطاب عنا ببعيد، وآخر أخذه برأي ابن عباس وقوله السديد.
هذا: ومن ثمار هذه التصرفات: الاجتماع والائتلاف، والترابط ونبذ الفرقة والخلاف، واجتماع الكلمة، وتوطئة اللحمة، ومعرفة الأمة بواقعها ومصير شبابها، وموارد مصدرها وصادرها، ومعرفة عدوها الخارجي وعدوها الداخلي، والبعد عن مواطن الفتن، ومواقع المحن، وفي السنن: (إن السعيد لمن جُنب الفتن).
وكذا: الحذر والتوقي، وهو السبيل والترقي.
ولهذا: من الثمار: التفاؤل الحسن وحسن الظن.
الغيم يا أبها يكفكف جرحه
قولي لمن نثر الدماء توهمًا
***
*** والماء رغم ضلالهم يتبسم
الله أكبر من هواك وأرحم
وهذا الفعل المشين، وقتل المسلمين، والركع الساجدين، بعيد عن العلم الشرعي المتين، والتعقل المبين، يقال هذا إذا ذهب العقل الصحيح، والعلم الصريح، وفي الخبر الصحيح: (في آخر الزمان يكثر الهرج وهو القتل، فلا يدري القاتل فيم قتل؟ ولا المقتول فيم قُتل؟)، وعند أحمد في مسنده: (إن بين يدي الساعة الهرج)، قيل: وما الهرج؟. قال: (الكذب والقتل)، قالوا: أكثر مما نقتل الآن؟. قال: (إنه ليس بقتلكم الكفار، ولكنه قتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه)، قالوا: سبحان الله! ومعناه عقولنا؟. قال: (لا، إلا أن ينزع عقول ذلك الزمان، حتى يحسب أحدكم أنه على شيء وليس على شيء).
والله أعلم.
التاريخ: الجمعة: 22/ 10 /1436 هـ
الحمد لله الذي عظم المساجد، وجعلها مأوى لكل راكع وساجد، وأمانًا لكل طائع وعابد، وعظم حرمتها، فجعل من الظلم منعها لكل عابد.
وأشهد أن لا إله إلا الله، حذر من الترويع والتهديد، فكيف إذا كان في المساجد؟، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نهى عن حمل السلاح، وترويح المسلم، فكيف إذا كان في أعظم بقعة لكل صادر ووراد؟.
أما بعد،.
فاتقوا الله حق تقواه، تفوزوا بجنته ورضاه.
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فقد رفع الإسلام سلمان فارس
***
*** فلا تترك التقوى اتكالًا على النسب
وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
إخوة الإسلام: استعدوا، واصبروا، وصابروا، وللصالحات اعملوا، وللقربات بادروا، ولطاعة الله وطاعة رسوله امتثلوا، فبقاؤكم في الدنيا قليل، وزادكم للآخرة ضئيل.
أيها المسلمون: المساجد بيوت الله، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) (الجن: 18)، أعظم البقاع، وأشرف المواطن عزة وارتفاع، شرفها وأعلى قدرها، وجعل من يرتادها من أهلها، بل علامة الإيمان وطاعة الرحمن، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) (التوبة: 18)، أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأقرب الخلق إلى الله ساجدها، خصها بالإضافة والتشريف، والتكليم والتلطيف، منع فيها الظلم، وصانها عن كل وزر وإثم، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) (البقرة: 114)، فذكر ذنبين عظيمين: الظلم والتخريب، الحس والمعنوي، فإذا كان ذلك كذلك فكيف بمن أفسدها حسًا، وفجر فيها بناء، وجلب الظلم فيها، وروع قاطنيها، وأزعج ساكنيها؟ بل كيف من قتل من فيها، وأرعب الساجد والراكع فيها؟ والله يقول: (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (آل عمران: 97).
وهذا ما حصل من الاعتداء المرير، في مسجد الطوارئ بعسير، من القتل والتدمير، والإفساد والتفجير، حدث لا يرضاه ضمير، ولا يقره شرع ودين سمته الأمن والتيسير، فانتهكت المساجد، وروع فيها الراكع والساجد، وأهينت المصاحف، ودمرت الحيطان والفرش والمتاحف، قُتل الأبرياء، وانتُشلت منها أشلاء، ومرض فيها أصحاء، ورُوع فيها أمناء، ومتى كان دين الله ينتهك بهذه الطريقة؟ والمساجد بيوت الله، فيها عباده، والمصلي له حرمته وهو في بيت ربه، فمن اعتدى عليه عظم جرمه، وباء بإثمه، المصلي نُهي المرور بين يديه، خشية التشويه عليه، وقطع العلاقة والخشوع بين يديه، فكيف بتخويفه وإزعاجه، وترويعه وإخراجه؟.
وإذا كان المرء ممنوع رفع السلاح فيها، وترك نصالها خشية أن يصيب من فيها، فكيف بمن حمل السلاح فيها، وقتل راكعيها وساجديها؟، وحرم الشرع الاعتداء على دور العبادة.
إن هذه الأعمال، والإفرازات والخصال، يجب أن تستنكر، ويجرم فيها المعتدي وصاحب المنكر، ويحفظ فيها مكانة العلماء فيها، وحلق التحفيظ، والدروس العلمية، والدورات الشرعية، وأهل الصلاح والإصلاح، والمستجيبين لحي على الصلاة حي على الفلاح، فلا يُربط هذا الاعتداء الآثم، والإجرام القاتم، بجهود الصلحاء، ولبلادهم أوفياء، وللناس أمناء، فكلٌ يؤخذ بجريرته، ويُدان بفعله وخطيئته، يقال هذا حينما ترى وتسمع تغريدات، ورسائل وكلمات، بنقد مأفون، وتخطئة معممة، واستهزاء واستخفاف لأهل الخير والحلق والمساجد والمصاحف.
فجهود أهل الخير في المساجد مبذولة، ودور العلماء والدعاة فيها مشكورة، وكشف شبه المنحرفين، والفكر الضال الدفين، في الكلمات والخطب والدروس محفوفة محفوظة.
أيها المسلمون: إن قتل هؤلاء المصلين، الركع السجود الآمنين، في بيت الله الأمين، جريمة نكراء، وفعلة رعناء.
سحقًا لمن باع الأمانة والهدى
تركوا اليهود وراءهم وتسابقوا
***
*** ومضى بخبث يستبيح المسجد
يستهدفون الراكعين السجد
أيها المسلمون: إن قتل المصلين ليس وليد هذا العصر والفعل المشين، بل هو مذهب رافضي، وفكر خارجي، كما فعل أبو لؤلؤة المجوسي.
إخوة العقيدة: احذوا الأفكار المنحرفة، والأهواء المنجرفة، والآراء الفاسدة، (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: 103).
يا ويح أمتنا الحبيبة أرهقتها
كم فاتن في أمتي جلبوا إليها
يا إخوة الحق المبين قفوا جميعًا
***
***
*** غدرات من قطعوا المجد استباقا
فتنًا كموج البحر تصفق اصطفاقا
ولا ترضوا لجمعكم افتراقا
عباد الله: خذوا دينكم ممن تعلمون دينه وعلمه، وورعه وعقله.
وليس في فتواه مفت متبع
*** ما لم يضف للعلم والدين الورع
فمن لم يتورع في علم وفتواه، زج في علمه وهواه، إلى ما لا يحمد عقباه.
يقول إمام التابعين محمد بن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عن من تأخذون دينكم. لا سيما في عصر كلٌ يفتي ويرجح، وكل له رأي ويصحح، يزدري غيره، وينتقص من هو أعلم منه، وتكلمت الرويبضة، وتكلمت العامة، بل وصل الحد في الكلام الذات الإلهية، والعقيدة الإسلامية، والمسائل المصيرية، وبدأ يكفر ويبدع ويفسق، وهو متكئ على أريكته، وعلمه قليل، وبضاعته مزجاة، ولا شيخ له في درسه وعلمه، ومبدئه ومنتهاه.
ولهذا: حرمت الشريعة القول بلا علم، وجعلته من أكبر الوزر والإثم، (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ) (النحل: 116)، كل ذلك حذرًا من التقول على الشريعة، والعلوم المذيعة بلا هدى وبرهان، وحجة وسلطان، وإنما هو هوى، أو اتبع فلانًا، أو طائفة وحزبية وعلان، أو مجهور العلم والهوية، عبر الاتصالات في علوم التقنية.
ولهذا: تساهل في هذا الجانب، وانفتح في هذا الباب كل مخاطَب، دون تعقل وتفكر وحاجب، التكفير والتبديع والتفسيق دون مرجع لكتاب وسنة وعلم نمير.
كلٌ يرى رأيًا وينصر قوله
ولو أنهم عند التنازع وفقوا
ولأصبحوا بعد الخصام أحبة
***
***
*** وله يعادي سائر الإخوان
لتحاكموا لله دون توان
غيظ العدا ومذلة الشيطان
والتكفير: الناس بين طرفي نقيض، منهم من نفى، ومنهم من أثبته دون قيد أو شرط وألقاه، وهو في السنة والقرآن محفوظ، ولكن له أسباب وموانع وشروط، وليس هو لكل كبير وصغير، وجاهل مبتدئ بالعلم والتحرير، فليس حمى مستباحًا، أو مذاقة لبن مباحًا.
يقول ابن القيم:
والكفر حق الله ثم رسوله
من كان رب العالمين وعبده
***
*** بالنص يثبت لا بقول فلان
قد كفراه فذاك ذو الكفران
ولهذا حينما يتغلب التكفير، على التؤدة والتفكير، فلا غرو أن تتحول المساجد من الذكر والتكبير، إلى التدمير والإفساد والتكفير.
فاحفظ لسانك من الكلام الأثيم، إلا بعلم راسخ حكيم، أو مشاورة أهل العقل والتحكيم، فمن تجرأ على قتل المصلين، وبأنهم مرتدين، ماذا سيقول أمام رب العالمين؟ حينما يقف هو وخصمه يوم الدين، وهل يعذر أن يقول فلان أو علان: هذا ما ظهر لي وبان بدون حجة وبرهان.
فالله المستعان، وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على ولد عدنان.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبيه وصحبه.
وبعد،.
11.55 استباحة القتل والتفجير، وقد عظم الله حرمة الدماء، وجعله قرين الشرك والنظراء، (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (الفرقان: 68، 69)، وقد جاء الوعيد الشديد، مما يشيب الكبير والصغير والوليد، (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93)، فويل ثم ويل لمن تجرأ على قتل عباد الله، لا سيما من كان في بيوت الله، فلا يراعى بيت الله ومسجده، ولا حرمة الدماء وسفكه، فاغتال المصلين، واستباح دماء الساجدين الراكعين، والمؤمن محفوظ، وعرضه ودمه مضبوط، (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، وفي البخاري عن ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. وفي الترمذي: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)، وفي الصحيحين: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)، وفي البخاري: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة:... ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه)، وفي الترمذي: (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دمًا، يقول: يا رب: هذا قتلني. حتى يدنيه من العرش).
ومن أسباب القتل والتكفير: الغلو في كل صغير وكبير، ولهذا عظم الشارع أمره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، وقال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون)، فلا بد من حذر صادق، وجدية وخطاب صادق، فنحن أمام خطر داهم، وفكر غاشم، وبلاء قاتم، لا بد من الحذر من التواصلات الاجتماعية، والشبكات العنكبوتية، والمصادر التوهمية، والحسابات المبهمة، والمواقع المغلفة، ولهذا يجب علينا في واقعنا المعاصر رسائل تعقد عليها الخناصر والأواصر، بأن يجب أن نتقي الله، فلا نكفر ونفجر، وعلينا أن نسأل ونتأمل ونفكر، فمن دخل الإسلام بيقين فلا يُخرج منه إلا بيقين، وكذا على الآباء والأمهات احتواء الأبناء والبنات، والاعتكاف بهم، واحتضانهم، ورفع شأنهم، وتقبل آرائهم، وتفهم خطابهم، والجلوس معهم، وحوارهم الهادف، والنقاش الوارف، وتفقد رفقتهم، ونصحهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
وعلينا كإعلاميين وصحفيين وكتاب ناقدين ألا نتطرف ونؤجج ونجحف، ونرمي الأبرياء بالشناعة والازدراء، والخصوم والاعتداء، ونعمم الخطاب، فنورث الشك والارتياب.
ورسالة إلى المعلم والمربي والمسئول في كل مجال وحقول: بحفظ الطلاب والشباب، وفتح الصدر وسعة الرحاب، وسماع كلامهم، والجواب على أسئلتهم، فهم أبناؤنا، وثمارنا، قلوبهم صافية، وأفئدتهم متقدة، وغرائزهم متعطشة، فالشاب النبيل عنده من الحنكة والإبداع والرأي الجميل، وما مجالس عمر بن الخطاب عنا ببعيد، وآخر أخذه برأي ابن عباس وقوله السديد.
هذا: ومن ثمار هذه التصرفات: الاجتماع والائتلاف، والترابط ونبذ الفرقة والخلاف، واجتماع الكلمة، وتوطئة اللحمة، ومعرفة الأمة بواقعها ومصير شبابها، وموارد مصدرها وصادرها، ومعرفة عدوها الخارجي وعدوها الداخلي، والبعد عن مواطن الفتن، ومواقع المحن، وفي السنن: (إن السعيد لمن جُنب الفتن).
وكذا: الحذر والتوقي، وهو السبيل والترقي.
ولهذا: من الثمار: التفاؤل الحسن وحسن الظن.
الغيم يا أبها يكفكف جرحه
قولي لمن نثر الدماء توهمًا
***
*** والماء رغم ضلالهم يتبسم
الله أكبر من هواك وأرحم
وهذا الفعل المشين، وقتل المسلمين، والركع الساجدين، بعيد عن العلم الشرعي المتين، والتعقل المبين، يقال هذا إذا ذهب العقل الصحيح، والعلم الصريح، وفي الخبر الصحيح: (في آخر الزمان يكثر الهرج وهو القتل، فلا يدري القاتل فيم قتل؟ ولا المقتول فيم قُتل؟)، وعند أحمد في مسنده: (إن بين يدي الساعة الهرج)، قيل: وما الهرج؟. قال: (الكذب والقتل)، قالوا: أكثر مما نقتل الآن؟. قال: (إنه ليس بقتلكم الكفار، ولكنه قتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه)، قالوا: سبحان الله! ومعناه عقولنا؟. قال: (لا، إلا أن ينزع عقول ذلك الزمان، حتى يحسب أحدكم أنه على شيء وليس على شيء).
والله أعلم.
المرفقات
788.doc
خطبة الإستنكار والتنفير فيما وقع في تفجير مسجد عسير - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc
خطبة الإستنكار والتنفير فيما وقع في تفجير مسجد عسير - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc