الاستقامة بعد رمضان + صيام الست من شوال
عبدالله منوخ العازمي
عباد الله :
إن الحيات انفاس معدودة وآجال محدودة ، وإن عمراً يقاس بالأنفاس لسريع الانصرام ، وفي انقضاء رمضان عبرة
بزوال الدنيا وما فيها ، وكأنكم بالأعمال قد انقضت وبالدنيا قد مضت ، وحينها كل عبد مرهون بعمله، والفائز من استجاب لداعي ربه وكان من المحسنين .
أيه الناس :
من نضر في سرعة مرور الأيام ، وانقضاء الآجال ، وتقلبات الأحوال ، وكثرة الجنائز – علم أن الدنيا متاع الغرور
وتبين له أن أكثر الناس في غفلة عن مصيرهم ، وأنهم يعمرون مايفارقون ، ويهملون ما عليه يفيدون،
{ إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}
وفي آية أخرة { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }
وإنما كانت الدنيا متاع الغرور ، لأن ما فيها من زينة وزخرف ومتاع يغر الناظر إليها ، فيتجهون لها ،
وتتعلق قلوبهم بها ثم لا بقاء لهم فيها ،
ايه المؤمنون : قد أخبرالنبي أن الساعة لا تقوم حتى يتقارب الزمان ،
ومن معانى تقارب الزمان سرعة مروره ، فما تكاد شمس يوم تشرق إلا وتغرب ، ولا يهل شهر إلا ويدبر ،
ولا تبدأ سنة إلا وتنتهي ، وهذا المعنى من تقارب الزمان يحسه الناس في زمننا هذا ويشاهدون سرعة
مرور الأيام عن ذي قبل ، مع أن الساعة هي الساعة ، واليوم هو اليوم ، والشهر هو الشهر،
فسبحان من دبر ذلك وقضاه على كيفية لا يدركها العباد ، ولا يصلون إلى سببها وإن أحسوا بها !
عباد الله
عن سفيان بن عبدالله رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ( قلي لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً غيرك )
قال : (( قل : آمنت بالله ثم استقم )) رواه مسلم .
عباد الله :
الحديث دليل على أن العبد مأمور بعد الإيمان بالله تعالى ، بالستقامة على الطاعة ، بفعل المأمور واجتناب المحظور،
وذلك بملازمة سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم ، من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة .
وإذا كان المسلم قد عاش رمضان فعمر نهاره بالصيام وليله بالقيام ،
وعود نفسه على فعل الخير ، فعليه أن يلازم طاعة الله تعالى على الدوام ،
وإذا كان لرمضان مزية على غيره بمزيد الطاعات والإكثارمن نوافل العبادات فإن هذا لا يعني
أن يطالب المسلم بالاستمرار على ذلك ، وإنما عليه أن يرغب في فعل الخير، ويحذر من المعاصي ،
ليكون قد استفاد من شهره .
وإن استقامة المسلم بعد رمضان وصلاح أقواله وأفعاله لأكبر دليل على استفادته من رمضان ،
ورغبته في الطاعة، وهذا عنوان القبول وعلامة الفلاح .
وعمل المؤمن لا ينتهي بخروج شهر ودخول آخر ، بل هو ممتد إلى الممات ،
قال : تعالى ( واعبد ربك حتى بأتيك اليقين ) ولئن انقضى صيام رمضان
فصيام التطوع مشروع طوال العام،
ولئن انقضى قيام رمضان فالسنة كلها ظرف للقيام ،
ولئن انتهى وقت زكات الفطر ، فأوقات الزكات المفروضة
وصدقة التطوع تمتد طوال العام، وقراءة القرآن وتدبره وكل عمل صالح مطلوب في كل زمان
وإن من فضل الله على عباده كثرة ابواب الطاعات، وتنوع سبل الخيرات ، ليدوم نشاط المسلم ،
ويبقى ملازماً لخدمة مولاه .
ومما يؤسف عليه أن بعض الناس يتعبدون في رمضان بأنواع الطاعات،
فيحافظون على الصلوات الخمس في المسجد، ويكثرون من تلاوة القران، ويتصدقون من أموالهم،
فإذا انقضى رمضان تكسلوا عن الطاعات ، بل ربما تركوا الواجبات،
كصلاة الجماعة عموما أو الفجر خصوصا، وارتكبوا المحرمات، من النوم عن الصلاة، والعكوف على آلات اللهو والطرب، والاستعانة على نعم الله على معاصيه، فهدموا ما بنوه، ونقضوا ما أبرموه، وهذا دليل الحرمان، وعلامات الخسران، نسال الله السلامة والثبات.
عباد الله:
لقد كان السلف الصالح يجتهدون في أتمام العمل وإكماله وإتقانه،
ثم يهتمون بعد ذلك لقبوله،
ويخافون رده.
ومن مأثور علي رضي الله عنه: (كانوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل.
ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : { إنما يتقبل الله من المتقين }
وعن عائشه رضي الله عنها قالت سألت عن هذه الاية: {والذين يؤتون مآ ءاتوا وقلوبهم وجلة}
قالت عائشه رضي الله عنها : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون الا تقبل منهم، {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون }
عباد الله : اقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .........
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستهديه................
ايه المؤمنون :
{فضل صيام ستة من شوال }
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستة من شوال فكأنما صام الدهر كله) رواه مسلم
الحديث دليل على فضل صيام ستة من شوال. والمراد بالدهر هنا: السنة، أي: كأنما صام السنة كلها،
وقد ورد عند النسائي:(وجعل الله الحسنه بعشر أمثالها، فشهر بعشر أشهر، وصيام ستة ايام بعد الفطر تمام السنة .
وهذا من فضل الله على عباده ان يحصل ثواب صوم الدهر على وجه لا مشقة فيه ،
وهذه هي الحكمة في كونها ستة
أيام ،والله اعلم .
فينبغي للإنسان أن يصوم هذه الأيام الستة ؛ ليفوز بهاذا الفضل العظيم .
وعلامة قبول الطاعة وصلها بطاعة أخرى .
وصيام هذه الايام دليل على رغبة الانسان في الصيام ومحبته له وانه لم يمله ولم يستثقله.
والصيام من افضل الاعمال كما تقدم . ومن ثمار صوم النفل – كغيره من التطوعات –
أنه يجبر ما عسى ان يكون في أداء الفرض من نقص أوتقصير ،
وفي ذلك قال النبي في شأن الصلاة : {قال الرب تبارك وتعالى :انضروا هل لعبدي من تطوع ؟
فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله كذلك))
كما أن صوم النفل يهيئ المسلم للرقي في درجات القرب من الله تعالى ، واظفر بمحبته ،
كما في الحديث القدسي : (( ما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضة عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب الي
بالنوافل حتى أحبه... الحديث))
والأفضل أن تكون هذه الأيام الستة متتابعة ، ويجوز تفريقا أثناء الشهر ،
وصيامها بعد العيد فيه مزية على تفريقها من وجوه :
الأول : أن في ذلك مسارعة لفعل الخير .
الثاني : أن المبادرة بها دليل على الرغبة في الصيام وعدم السأم منه.
الثالث : لئلا يعرض له ما يمنعه من صيامها إذا أخرها .
الرابع : أن صيام الست بعد رمضان كاراتبة مع الفريضة ، فتكون بعدها ، والله اعلم .
ومن عليه قضاء فإنه يبدأ به ثم يصوم هذه الأيام ،
لقوله : (( من صام رمضان ))، ومن عليه أيام من رمضان فلا يصدق عليه أنه صام رمضان
حتى يقضيها ثم يصوم الست ، ولأن المسارعة لأداء الواجب وبراءة الذمة مطلوبة من المكلف .
والظاهر من قولي أهل العلم أنه إذا خرج شهر شوال ولم يصمها فإنها لا تقضى ،
سواء تركها لعذر أو لغير عذر ، لأنها سنة فات محلها ،
والشارع خصها بشوال فلا يحصل فضلها لمن صامها في غيره ، لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة
المحبوبة لله تعالى ، فلو كان شوال وغيره سواء لم يكن لذكره فائدة .
هذاوصلوا وسلموا على نبيكم محمد وآله وصحبه اجمعين.....
المرفقات
بعد-رمضان-صيام-ستة-من-شوال
بعد-رمضان-صيام-ستة-من-شوال