الاستغفار
وليد الشهري
الاستغــفــــار
الحمد للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلَّمَ عليه وعلى آله وصحبِه، ومن اهتدى بهديِهِ، واستنَّ بسنتِه إلى يومِ الدين .
( يا أيها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخَلق منها زوجَها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ إن الله كان عليكم رقيبا ) ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون ) ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا وقولوا قولاً سديداً ، يُصلحْ لكم أعمالكم ويغفْر لكم ذنوبَكم ومن يطعِ اللهَ ورسولَه فقد فاز فوزاً عظيماً).
أمـــا بعـــــد ،،
فإنَّ مِنْ أسماءِ الربِّ – جلَّ في عُلاه – : "الغفور" وقد ورد في القرآن أكثرَ من تسعينَ مرةً، ومن أسماءه تعالى : " التواب " وردَ ذكرُهُ في القرآنِ اثنا عشرَ مرة، ولقد دعا إبراهيمُ وإسماعيلُ فقالا : ( ربَّنا واجعلنا مسلمَيْنِ لكَ ومِن ذُرِّيتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لكَ وأَرِنا مَناسِكَنا وتُب علينا إنَّك أنتَ التوَّابُ الرَّحيم ) [البقرة:128]، فرفعوا القواعدَ من البيتِ وعملوا الأعمالَ العظيمةَ في أفضل بقعةٍ في الأرض ومع ذلك سألُوا ربَّهم قبولَ العملِ وقبولَ التوبةِ فقالوا : ( وتُب علينا إنَّك أنتَ التوَّابُ الرَّحيم )، ومن كرمِ اللهِ – سبحانه - أنَّهُ يُحبُّ التوَّابين، ويريدُ من عبادِه الإقبالَ عليه ليتوبَ عليهم، قال تعالى : ( والله يريدُ أن يتوبَ عليكم ) [النساء:27]، ومِنْ كرمِه وفضلِه أيضاً أن شرعَ لهم الاستغفارَ والتوبةَ فقال : (واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) [البقرة:199]، والكريم – سبحانه - أيضاً يقبلُها منهم فقال : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) [الشورى:25]، فلا تظنَّنَّ أنَّك إذا تُبتَ أنَّك لَن تعودَ إلى خطأٍ أو تقصيرٍ مرةً أخرى، فابنُ آدمَ خطّاءٌ لكنْ خيرُ الخطَّائينَ التوابون، ومع ذلك – يا عبادَ الله - أبشروا وأمِّلوا فاللهُ يغفرُ أعظمَ ذنبٍ وهو الشركُ، فكيف لا يغفرُ لعبدِه المسلمِ إذا أقبلَ إليه وتابَ وأناب؟ بل قالَ للكفارِ وهم زادوا على الكفرِ قتالَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ( قل للذينَ كفروا إن ينتهوا يُغفرْ لهم ما قد سلف ) [الأنفال:38] .
أيها الإخوة ... اسمعوا إلى ذي العزةِ والجلالِ، اسمعوا إلى العزيزِ الغفورِ، تأملوا في كلامِ الربِّ الرحيمِ ماذا يقولُ في الحديثِ القُدسي، قال : ( يا ابنَ آدم إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لك على ما كانَ منكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدم لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثم استغفرتَني غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّك لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لَقيتَني لا تشركُ بي شيئاً لأتيتُك بقُرابِها مغفرة ) [صحيح الترمذي]، لا إله إلا الله! ما أوسعَ مغفرةَ الله! ما أجودَ الله! ما أرحمَ الله! ما أكرمَه لمن طرقَ بابَه! وما أقربَه ممَّن دعاه! وما أرأَفَهُ على مَنْ أمَّلَه! يغفرُ الذنبَ، ويسترُ العيب، ويُكَفِّرُ السيئاتِ، ويمحو الخطايا، ويجازي على السيئةِ بمثلِها ولا يضاعفُها إن لم يَغْفِرْها، ويقبلُ توبةَ العبدِ إذا تابَ منها، ويفرحُ بتوبتِه وهو غنيٌّ عنهُ مُتَعَالٍ عنه .
عبدَ الله ... إذا أصبتَ بنكبةٍ فاستغفرِ الله، إذا نزلتْ بكَ كارثةٌ فتُبْ إلى الله، إذا حلَّتْ بكَ مصيبةٌ فتضرعْ إلى الله، إذا أهمَّتْكَ الأمور، وزالَ السرورُ فافزعْ إلى الله، ولنتذكرْ دائماً أنَّ ما أصابَنا إنَّما هو بما كسبتْ أيدينا ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتْ أيدِيكم ويَعفو عن كثير ) [الشورى:30]، فأزلِ الحجابَ والمانعَ بينك وبينَ إجابةِ دعائِك بالاستغفارِ من هذه الذنوبِ التي طالما كانتْ سبباً في إغلاقِ الفرجِ أمامَ ناظريك، فطوبى لمن وجدَ في صحيفتِه استغفاراً كثيراً .
سليمانُ – عليه السلام – نبيٌّ كريمٌ عبدٌ مطيع، لَمَّا سألَ ربَّه مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ مِنْ بعده، قدّمَ بين يدي سؤالِ ربِّه طلبَ المغفرةِ فقال : ( ربِّ اغفرْ لِي وهَبْ لي مُلْكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي إنَّك أنت الوهَّاب ) [ص:35]، دوامُ الاستغفار هو إعلانُ الالتجاءِ إلى الله .
نحنُ ندعو الإلهَ في كلِّ كربٍ ثمَّ ننساهُ عندَ كشفِ الكروبِ
كيف نرجــو استجابةً لدعــاءٍ قد سَدَدْنــا طريـقَه بالذُّنــوبِ
فيا من ضاقتْ عليه الحِيَل، وأُوْصِدَتْ أمامَهُ السُّبل، وأُغلقتْ في وجهِهِ الأبواب، وانقطعتْ به الأسباب، أكثرْ من الاستغفار، وتُبْ إلى الواحدِ القهار، وسله باسمه الغفار
يا غافلاً عــنْ إلهِ الكــونِ يا لاهـي يا مُعرِضاً عن مَعِينِ الوحيِ يا ساهي
ارجـعْ إلى اللهِ واسْتمسِـكْ بعُـروتِه واللهِ واللهِ لا تــلـــــقى سِــــــــوى اللهِ
مِنْ باب الغُفرانِ ندخلُ على الرَّحمنِ كما دخلَ أبونا آدمُ وأمُّنا حواء، وواللهِ ما نفَعَهُما إلا قول: ( ربَّنا ظلمنا أنفسَنا وإن لم تغْفِرْ لنا وترحَمْنا لنكوننَّ من الخاسرين ) [الأعراف:23]، وذَكَرَ اللهُ عن أصحابِ الأنبياءِ لمَّا أرادوا النَّصرَ والفتحَ على الأعداء : ( وما كان قولَهم إلا أن قالوا ربَّنا اغفر لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا وثَبِّتْ أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين ) [آل عمران:147]، فكان الاستغفارُ من أسبابِ النصرِ والتأييد، قال قتادةُ : عجباً لكم عندكم الدَّاءُ ومعكم الدواءُ ! قالوا: وما هو؟ قال : داؤكمُ الذنوبُ ودوائكمُ الاستغفار، جاء في صحيحِ مسلمٍ منْ حديثِ أبي هريرةَ – رضي الله عنه – قال : قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ( والذي نفسِي بيدِهِ لَوْ لم تُذنبوا لذهبَ اللهُ بكم ولجاءَ بقومٍ يُذْنِبونَ فيَسْتَغْفرونَ اللهَ تعالى فيَغْفِرُ لَهُم )، وهذا تبيينٌ للطبيعةِ البشريةِ بوقوعِها في الأخطاءِ، وليس المعنى فتحُ البابِ للمعاصي والاستهانةِ بالمنكرات، فإنَّ مِنْ يستغفرُ وهو مُصِرٌّ على المعصية فإنَّ ستغفارَه يحتاجُ إلى استغفار.
عبادَ الله .. قال الحسنُ البصري على قولِه تعالى : ( إنَّ الذينَ فتنوا المؤمنينَ والمؤمناتِ ثمَّ لم يتوبوا ) [البروج:10] انظروا إلى هذا الكرمِ والجود، قتلوا أولياءَه وهو يدعوهم إلى التوبةِ والمغفرة .
ومن كرمه أيضاً – جل وعلا – أنَّه مَعَ إِفْكِ الأفَّاكين، وافتراءِ المفترين، وسوءِ أدبِ أولئكَ معَ ربِّ العالمينَ حين قالوا إنَّ اللهَ ثالثُ ثلاثة، يدعوهم إلى التوبةِ والاستغفارِ ويُرَغِّبُهُمْ في ذلك فقال : ( أفلا يتوبون إلى اللهِ ويستغفرونَه والله غفور رحيم ) [المائدة:74]، يقولُ جعفرُ الصادقُ : واللهِ لو نزلتْ صاعقةٌ من السماءِ ما أصابتِ المستغفر ... نعم .. يَتَدَلىَّ الأمانُ بقولِه جلَّ وعلا : ( وما كانَ اللهُ معذبَهُم وهم يَستَغْفِرون ) [الأنفال:33] .
قيل للحسن : ألا يستحيي أحدُنا من ربِّهِ يستغفرُ من ذنبِه ثم يعودُ ثم يستغفرُ ثم يعود، فقال الحسن: وَدَّ الشيطانُ لو ظَفرَ منكم بهذا فلا تملّوا من الاستغفار .
إن استشعارَ عظمةِ اللهِ – جلَّ وعلا - يُعِينُك على الاستغفارِ والمهابةِ منه تعالى، اسمع ماذا قال اللهُ عن أولئكَ المؤمنينَ أصحابِ القلوبِ الوجلةِ : ( والذينَ إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسَهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرُ الذنوبَ إلا اللهَ ولم يُصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤُهم مغفرةٌ من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها ونِعمَ أجر العامِلين ) [آل عمران:135-136]، المؤمنُ يلجأُ إلى ربِّه فهو أواهٌ منيب، مخبتٌ لربِّه منكسرٌ بين يديه .
أتى النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – رجلٌ فقال : أرأيتَ من عَمِلَ الذنوبَ كلَّها ولم يتركْ منها شيئاً، وهو في ذلك لم يتركْ حاجَّةً ولا داجَّةً إلا أتاها فهل لذلكَ من توبة؟ قال : هل أسلمت؟ قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال : تفعلُ الخيراتِ وتتركُ السيئاتِ فيجعَلُهُنَّ اللهُ لك خيراتٍ كلَّهنَّ، قال : وغدراتي وفجراتي؟ قال : نعم، قال : الله أكبر فلم يزل يكبِّر حتى توارى [صحيح الترغيب]، هذه رحمةُ اللهِ فأينَ المستغفرين؟ هذا كرمُ اللهِ فأينَ التائبين؟ هذا جودُ الله فأينَ الأوَّاهين؟ هذا حِلْمُ اللهِ فأينَ المنيبين؟ هذا فضلُ اللهِ فأينَ العاملين؟ هذا سوقُ الرابحين فأين المتنافسين؟
ولمَّا قسا قَلبي وضاقَت مَذاهبِي جعلتُ الرَّجـا ربِّي لعفـوِكَ سُلَّما
تعاظمَـني ذَنبـــي فلـــمَّا قَرَنتُـه بعفوِكَ ربِّي صار عفوُكَ أعظما
يقول تعالى : ( ومن يعملْ سوءاً أو يظلمْ نفسَه ثم يستغفرِ الله يجدِ اللهَ غفوراً رحيماً ) [النساء:110] فما أعظمَه من ربّ! وما أكرمَه من خالق !
الاستغفار سببٌ لنزولِ الغيثِ والأمطار، قال الشَّعبي : خرجَ عُمرُ يستسقي فلم يزدْ على الاستغفار، فقالوا : ما رأيناك استسقيت؟ فقالَ : لقد طلبتُ الغيثَ بمجاديحِ السماءِ التي يُسْتَنْزَلُ بها المطر ثم قرأ : ( فقلت استغفروا ربَّكم إنَّهُ كانَ غفَّاراً ، يُرسِلِ السماءَ عليكم مدراراً ) [نوح:10]، فأظلتهُم تلكَ السحابةُ فأغاثهم اللهُ تعالى وأحيا البلادَ والعبادَ .
إخوةَ الإيمان .. والاستغفارُ سببٌ لقوةِ البدنِ، قال تعالى عن هودٍ وهو يخاطبُ قومَه : ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكُمْ قوةً إلى قوتِكم ) [هود:52]، ولأجل ذلك كان يرى ابنُ القيمِ في شيخِه ابنِ تيميةَ قوةً عجيبةً على الطاعةِ والتعليمِ والتأليف، وما ذاك إلا لكثرةِ الاستغفار، حتى أُثِرَ عنه استغفارُه لألفِ مرةٍ إذا أُغْلِقَت عليه بعضُ المسائل. والاستغفارُ سببُ كثرةِ الأرزاقِ كما قال تعالى حكايةً عن نوحٍ : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يُرسل السماء عليكم مدراراً، ويُمددكم بَأموالٍ وبنينَ ويجعلْ لكم جَنَّاتٍ ويجعلْ لكُم أنهاراً )، وهذا مادلَّ عليه ابنُ عباسٍ – رضي الله عنه - أولئكَ السائلينَ لما سألَهُ الأولُ وشكا القحطَ، وشكا الآخرُ الفقرَ، وشكا الثالثُ عدمَ إنجابِ الولد، فكلُّهم أمرَهم وذكَّرهُم بالاستغفارِ لِمَا دلت عليه الآية، حتى من أراد العيشَ الرغيدَ فقد قالَ تعالى في أول سورة هود : ( وأن استغفروا ربَّكم ثم توبوا إليه يمتِّعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمَّى ويُؤتِ كلَّ ذي فضلٍ فضلَه ) [هود:3]، فيا أصحابَ الحاجاتِ والفاقاتِ إنَّ اللهَ على كل شيء قدير، وهو فعّالٌ لما يريد يقول للشيء كن فيكون ( وما كانَ اللهُ ليعجزه من شيءٍ في السماواتِ ولا في الأرض إنَّهُ كانَ عليماً قديراً )
عباد الله.. إن الاستغفارَ منهجٌ في حياةِ المسلم، فإنَّهُ يعبدُ اللهَ ويتقربُ إليه ثم يبادرُ بالاستغفارِ كما في الصلاةِ حينَ كان - عليه الصلاة والسلام - يستغفرُ اللهَ ثلاثاً بعد السلام، وكما في الحجِّ : ( ثم أفيضوا من حيث أفاضَ الناسُ واستغفروا إن الله غفور رحيم ) [البقرة:199]، فإنَّ العبدَ لا تخلو عباداتُه من التقصيرِ والنقصِ، وقد أثنى اللهُ على المستغفرينَ في وقتِ السَّحَرِ في موضعينَ من القرآن فقال تعالى: ( والمستغفرين بالأسحار ) [آل عمران:17]، وقال جلَّ شأنه : ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون ) [الذاريات:17-18]، قالَ العلماءُ : وذلك أنَّهم يتهجدونَ ويعبدونَ اللهَ ويرونَ أنَّهم مقصرونَ فيسألونَ اللهَ المغفرةَ، هذا مع أنهم مجتهدونَ قائمونَ بالليل .
إخوةَ الإيمان ... ماذا عن نهجِ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في الاستغفار؟ لقد كان يقول : ( إنه ليُغانُ على قلبي – أي ما يتغشَّى القلبَ من الفتراتِ عن ذكرِ اللهِ – وإنِّي لأستغفرُ اللهَ في اليومِ مائةَ مرة ) [مسلم]، وعن ابن عمرَ – رضيَ اللهُ عنهما – قال : إنْ كنَّا نَعُدُّ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلسِ الواحدِ مائةَ مرةٍ ( ربِّ اغفر لي وتب علي إنَّك أنتَ التوابُ الرحيم ) [صحيح أبي داود]، وقد قال الله تعالى لنبيِّه – صلى الله عليه وسلم - في سورةِ النصر : ( فسبِّح بحمدِ ربك واستغفرْهُ إنَّهُ كانَ توابا )، فكان - عليه الصلاة والسلام - يتَأَوَّلُ ذلكَ في ركوعِه وسجودِه ويكثرُ أنْ يقولَ : سبحانك اللهُمَّ ربَّنا وبحمدِك اللهُم اغفر لي ) بالبخاري ومسلم]، نعم طوبى لمن وجدَ في صحيفتِه استغفاراً كثيراً .. اللهم اغفر لنا ذنوبَنا، واستر عيوبنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم ...
الخطـبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبُ ربُّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد ،،
فاستغفارُ المسلمِ ربَّهُ ليسَ شرطا ً أنْ يكونَ عن ذنبٍ أو خطيئةٍ، بل التقصيرُ في الطاعاتِ وعدمُ إتمامِها على أكملِ وجهٍ لا يكادُ يجعلُ الإنسانَ ينفكُّ عن حاجتِه للاستغفار، وتذكرْ أخي المسلم أن لله نفحاتٍ وتفضلاً منهُ - جل وعلا – في بعضِ الأوقاتِ، من ذلك ما قاله - عليه الصلاة والسلام - : ( ينزل ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخر يقول : من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألُني فأعطيَه؟ من يستغفرُنِي فأغفرَ له ) [البخاري ومسلم]، يقول الحسنُ البصريُّ : ما يضرُّ أحدَكُم إذا جلسَ فارغاً أن يقولَ للملكِ اكتبْ يرحمُكَ اللهُ ثم يُمْلِي خيراً.
عبدَ الله .. اجعل ليومِك وليلتِك نصيباً منَ الاستغفار، وابدأْهما بسيدِ الاستغفارِ والذي هو من ضمنِ أذكارِ الصباحِ والمساء، ففيه الدعاءُ والاعترافُ بالذنبِ والإقرارُ بِه معَ الاعترافِ بنعمِ اللهِ عليك، وقبلَ ذلك الاعترافُ بتوحيدِ الله وربوبيتِه، فما أجملَه من دعاء، وما أقربَه من خضوعٍ وتذللٍ لربِّك الحيِّ القيوم، فعن شَدَّادِ بنِ أوسٍ – رضي الله عنه – عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : " سيدُ الاستغفارِ أنْ تقولَ : اللهُمَّ أنتَ ربِّي لا إله إلا أنت، خلقتَنِي وأنا عبدُك وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعت، أعوذ بكَ من شرِّ ما صنعت، أبوءُ لكَ بنعمتِك عليَّ وأبوءُ بذنبِي فاغفرْ لي فإنَّهُ لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت، مَنْ قالَها من النَّهارِ موقناً بها فماتَ من يومِه قبلَ أن يُمسي فهو من أهلِ الجنَّة، ومن قالَها من الليلِ وهو موقنٌ بها فماتَ قبلَ أنْ يصبحَ فهو من أهلِ الجنة " [البخاري]
يا مَنْ يرى مَدَّ البعـوضِ جناحَها في ظلمةِ الليلِ البـهيمِ الأليلِ
ويرى نيـاطَ عـروقِها في مُخِّــها والمخُّ في تلكَ العـظامِ النُّحَّلِ
اغفِـــــرْ لعبــدٍ تـــابَ من زلاتـِه ما كانَ منهُ في الزمانِ الأولِ
عباد الله ..... صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ..
المرفقات
1693487530_الاستغفار.docx