الاستغفار

د عبدالعزيز الجحدلي
1442/10/08 - 2021/05/20 14:39PM

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله علاَّمِ الغيوب, الذي بذكره تطمئن القلوب وتنجلي الخطوب ، حمداً يليق بجلال وجهه الذي لا يفنى وبعظيم سلطانه الذي لا يبلى ، أَشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له يعلمُ ما يلجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ من السَّماءِ وما يعرجُ فيها وهو مَعَكُم أَينَما كُنتم واللهُ بما تَعملونَ بَصيرٌ، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ إمامُ التَّائِبينَ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ كانوا للهِ مُتَّقينَ.

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: أوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى حَقَّ التَّقْوَى، وتَزَوَّدُوا فإنَّ خيرَ الزَّاد التَّقوى
ففي التقوى عصمةٌ من الزللِ، وحمايةٌ من الخلَلِ، ونجاةٌ، من العذابِ والظُّلَلَ 

 

مَعاشِرَ المُسلمين: قَدَرُنا أنَّنا نُذنِبُ ونُخطئُ، ومَشيئَةُ اللَّهِ فِينا أنَّنا نُقصِّرُ ونُسيءُ، فَكلُّ بَني آدمَ خَطَّاءٌ، فلَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم ويَفْعَلُون ما يؤْمَرون. فَنحنُ مِن أَبٍ أَذْنَبَ وأَخطَأَ، ولِرَبِّهِ تَابَ واهتَدَى. فَالضَّعْفُ فِينا مَغروسٌ، تَضْعُفُ نُفُوسُنا حِينًا، وتَعتَرِينا الغَفلَةُ زَمَناً طَويلاً.

مَنِ الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ *** وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
في صحيح مُسلمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضِي الله عنْه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَالَّذِي نَفْسِىي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ).
إِنَّ الْعَبْدَ لِيُذَنَّبَ ثُمَّ يَتَوبَّ ، وَهَذَا شَأْنُهُ بَلْ عَلَيْهِ فَطْرٌ ،وَلَكِنَّ الْمُصِيبَةَ تَقَعُ ، عِنْدَمَا يَسْتَشِرِي الْفَسَادُ، وَيَضْعُفُ أَهْلُ الْحَقِّ عَنْ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ،عِنْدَهَا يُصَدِّقُ عَلَى هَذِهِ القرية قوله سبحانه (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)

وَمَا حَرَمَ الْعَبْدُ منَ الرِّزْقِ بِمِثْلِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، قَالَ سُبْحانَهُ(ذَلِكَ بِما عَصُوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)وَكَمَا قِيلَ الذُّنُوبِ تَذْرُ الدِّيَارِ بِلَاقِعٍ. وَقَالَ تَعالَى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

وقال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)

أَيُّهَا الْمُؤْمُنُونَ : إِذا انْقَطَعَ الْمَطَرُ عَنِ الْأَرْضِ، أَجْدَبَتِ الْأَرْضِ، وَهَلَكَ الزَّرْعُ وَالضَّرْعُ، وَعَطَشَ النَّاسِ، وَتَوَقَّفَتِ الْحَياةَ كَما قَالَ سُبْحانَهُ (وَجَعَلْنا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيَّ) أَلَّا فَلْنَفِقَ مِنْ غَفْلَتِنَا قَبْلَ فَواتِ الْآوَانِ ، وَلَنْرَاجِعَ حَسَابَتْنَا مَعَ اللهِ، ،أَفَلَا نُفِيقٌ مِنَ الْغَفْلَةِ ، ونرجع لأمر اللهُ ، الْخالِقِ الرَّازِقِ ، الَّذِي بِيَدِهِ كُلَّ شَيْءٍ ، فَهُوَ الْخافِضُ الرَّافعُ ، الْقابِضِ الْبَاسِطُ سُبْحانَهُ.

يقول مُجَاهَدَ رَحِمَهُ اللهُ :إنَّ البَهائِمَ تَلْعَنُ عَصَاةً بَنِي آدَمَ إذا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ – أَيُّ:الْقَحْطُ – وَأَمْسَكَ الْمَطَرُ,وَتَقُولُ: هَذَا بِشُؤْمٍ مَعْصِيَّةٍ ابْنِ آدَمَ.

ويقول عكرمة رحمه الله :دواب الأرض وهوامها ، حتي الخنافس ، والعقارب يقولون : مُنعنا القطر بذنوب بني آدم .

فإذا أَدْرَكْنَا ذَلِكَ فَواجِبٌ عليْنا أنْ نَتَعَلَّم كَيفَ نَتَعَامَلُ معَ هذهِ الذُّنُوبِ والمَعاصِي! فلْنَتَعَلَّمْهَا وَلْنَعْمَلْ بِهَا، ،! فإذا عَصَيْتَ اللهَ تَعَالى, فَبَادِر بَعدَ كُلِّ خَطيئَةٍ بالتَّوبَةِ والاستِغفارِ مهما قَلَّ ذَنُّبكَ أو عَظُمَ، مهما ابتَعدَّتَ عن اللهِ, فَأَصلِحَ ما أَفسَدَتْهُ جَوارِحُك بِدَوامِ الاستِغْفارِ، ولا تَيْأسْ ولا تَمَلَّ، فهذا أمْرُ اللهِ لَكَ, وطَلَبَهُ مِنكَ.:(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

يَا عَبْدَ اللهِ: لا تَسْتَصْغِرْ أَيَّ ذَنبٍ، ولا تُهوِّنَ مِن أيِّ مَعصِيَةٍ؛ فلا تَدري، لعلَّ ما احتَقَرْتَهُ يكونُ سَببًا لِشقَائِكَ في الدُّنيا والآخِرَةِ. فقد دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ! ورَجُلٌ مُجاهِدٌ، يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فِي قِطعَةِ خِرقَةٍ اغْتَلْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ! قالَ أبو رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ الَّذِي أَسْمَعُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: هَذَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فِي شَمْلَةٍ اغْتَلْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. وربَّ كَلِمَةٍ يَتَكَلَّمُ بها الْعَبْدُ مِنْ سَخَطِ اللهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ. فلا تنظُرْ إلى صِغَر المَعصِيةِ، وانْظُر إلى عَظَمَةِ مَن عَصَيتَ. ولذا حذَّرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بِبَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى جَمَعُوا مَا أَنْضَجَ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكُهُ” رواه أحمدُ، وحسَّنه ابن حجر.. اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، فاللهمَّ استُرنا فوقَ الأرضِ وتحتَ الأرضِ ويومَ العرضِ. الَّلهمَّ اغفر لنا ذُنُوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا وكَفِّرْ عنَّا سَيِّئاتِنا وتَوفَّنا مع الأبرارِ

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

أمَّا بعدُ: فَأُوصِيكم ونَفسي بِتقوَى اللهِ وتَعظِيمهِ، ولا تَكُونُوا مِمَّن استَحوَذَ عليهم الشَّيطانُ فَأنسَاهُم ذِكرَ اللهِ، يَا عَبْدَ اللهِ: إيَّايَ وإيَّاكَ من المُجاهَرَةِ بِالعِصْيَانِ؛ فَمَا ظَلَمَ عَبدٌ نَفْسَهُ، بِمثِلِ تَفاخُرِهِ ونَشرِهِ لِلآثَامِ، فَفي الصَّحيحينِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ».

عبادَ اللهِ: ادْفَعُوا الخَطايا بِالإكثارِ من الحَسَنَاتِ، فإِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، لَكَ أنْ تَتَصَوَّرَ الأمَلَ الكبيرَ الذي فَتَحَهُ لَنَا نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حينَ جَاءَهُ رَجُلٌ وقَدْ أَصَابَ مِنْ امْرَأةٍ لَمْسَةً مُحَرَّمَةً فَتَلاَ عَلَيْهِ:(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا لَهُ خَاصَّةً يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: ألا فلتعلموا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ القَطْرِ مِنَ السَّمَاءِ, الإكْثَارُ مِن التَّوبَةِ والاسْتِغْفَارِ فَلازِمُوهُ لَيلاً وَنَهَاراً, سِرَّاً وَجِهَارًا ، فبَابُ رَحْمَةِ اللهِ كَثْرَةُ اسْتِغْفَارِهِ! فَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». رَواهُ البخَارِيُّ. وَإذَا كَثُرَ اسْتِغَفَارُ النَّاسِ، وَعَمَّ أَفْرَادَهَا، وَصَدَرَ عَنْ قُلُوبٍ مُوقِنَةٍ مُخْلِصَةٍ، دَفَعَ اللهُ عَنْها البَلاءَ وَالنِّقَمَ،

يارب إن عظمت ذنوبي كثرة

                           فلقد علمت بأن عفوك أعظم

ان كان لا يرجوك إلا المحسن     

                            فبمن يلوذ ويستجير المجرم

أدعوك ربي كما أمرت تضرعا 

                         فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم.!

عبادَ اللهِ: عَظِّموا اللهَ بِقُلُوبكم وجوارِحكُم, واقدُرُوهُ حقَّ قَدرِهِ, وَارفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إلى اللهِ وادْعُوهُ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ: فاللهم إنَّا نحمدك ونُثني عليك بأنَّك أنتَ اللهُ لا إله إلا أنتَ، ربنا ما عصيناك حين عصيناك أستخفافا بعقابك ولا إستهوانا بعذابك،ولكن سولت لنا أنفسنا وغلبت علينا شقوتنا ولكننا علمنا أنك رحمن السماوات والأراضين فأغفر لنا ذنوبنا كلها علانيتها و سرها ياربنا جئنا ببابك نادمين جئنا ببابك تائبين ... جئنا ببابك مستغفرين  «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا». «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ, وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ, وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ». «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ،) «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَق».
ربَّنا ظَلمْنَا أَنفُسَنا، وإنْ لَم تَغفِرْ لَنا وَتَرْحمْنا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرينَ. ربَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً، وفي الآخرةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذابَ النَّارِ.

اللّهُمَّ أعَزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ, وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والْمُشْرِكِينَ, اللّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الحَقِّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ,

اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. وارزقهُم باطنةً صالحةً ناصحةً.

·     اللهم اهد ضُلالَنا واشف مرضانا وارحم موتانا ، وامحُ عثراتِ ماضينا، وأصلح حاضرَنا، ومستقبلَنا.

، صلوا وسلموا البشيرِ النذيرِ، والسراجِ المنيرِ، اللهمَّ صلِّ وسلم عليه عددَ ما صُليَ عليه من أولِ الدنيا إلى آخرِها، اللهمَّ وارضَ عن أصحابِه الخلفاءِ؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن زوجاتِه أمهاتِ المؤمنينَ،

المشاهدات 882 | التعليقات 0