الاستغفار .. منحة ربانية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الأمين، بعثه الله بالحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أخرجنا الله به من الضلالة، وأنقذنا به من الغواية، اللهم صلّ عليه وعلى آله وأصحابه، وزوجاته وذريته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم اللهم تسليماً كثيراً.
فأوصيكم ونفسي - عباد الله- بتقوى الله، فاتقوا ربكم في سركم وعلانيتكم، وسَرَّائكم وضرَّائكم تفلحوا في الدنيا، وتفوزوا في الآخرة
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الرب تبارك وتعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ).
وعن أبي هريرة قال: سَمِعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال ( إن عبدًا أصاب ذنبًا وربما قال: أذنب ذنبًا، فقال: ربِّ، أذْنَبت، ورُبما قال: أصَبت، فاغْفِر لي، فقال ربُّه: "أَعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يَغفر الذنب، ويأخذ به؟ غَفَرت لعبدي، ثم مكَث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا أو أذنب ذنبًا، فقال: ربِّ، أذْنَبت أو أصَبت آخر، فاغْفِره، فقال: أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غَفَرت لعبدي، ثم مكَث ما شاء الله، ثم أذنَب ذنبًا ورُبما قال: أصاب ذنبًا، قال: قال: ربِّ، أصَبْت أو قال: أذْنَبت آخر، فاغْفِره لي، فقال: أَعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غَفَرت لعبدي ثلاثًا، فليَعمل ما شاء ).
قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بُني، عوِّد لسانك: اللهمَّ اغفر لي؛ فإنَّ لله ساعات لا يردُّ فيها سائلاً .
قال الحسن البصري رحمه الله : أكْثِروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طُرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة.
الاستغفار نعمة مجهولة وطريق للنور .. حدَثت قصة في زمن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - حيث كان الإمام أحمد بن حنبل يريد أن يقضيَ ليلته في المسجد، ولكن مُنِع من المبيت في المسجد بواسطة حارس المسجد، وقد حاوَل معه الإمام ولكن لا جَدْوى، فقال له الإمام: سأنام موضع قدمي، وبالفعل نام الإمام أحمد بن حنبل مكان موضع قَدَميه، فقام حارس المسجد بجرِّه لإبعاده من مكان المسجد، وكان الإمام أحمد بن حنبل شيخًا وقورًا تبدو عليه ملامح الكِبَر، فرآه خبَّاز، فلمَّا رآه يُجَرُّ بهذه الهيئة، عرَض عليه المَبيت، وذهَب الإمام أحمد بن حنبل مع الخبَّاز، فأكْرَمه ونعَّمه، وذهَب الخبَّاز لتحضير عجينه لعمل الخبز، فسَمِع الإمام أحمد بن حنبل الخبَّاز يستغفر ويستغفر، ومضى وقت طويل وهو على هذه الحال، فتعجَّب الإمام أحمد بن حنبل، فلمَّا أصبَح سأل الإمام أحمد الخبَّاز عن استغفاره في الليل، فأجابه الخباز: أنه يستغفر طوال تحضيره العجين وعَجْنه، فسأله الإمام أحمد: وهل وجَدت لاستغفارك ثمرة؟ وقد سأل الإمام أحمد الخبَّاز هذا السؤال وهو يعلم ثمرات الاستغفار، فقال الخبَّاز: نعم، والله ما دعوتُ دعوةً إلاَّ أُجِيبت، إلاَّ دعوة واحدة، فقال الإمام أحمد: وما هي؟ فقال الخباز: رؤية الإمام أحمد بن حنبل، فقال الإمام أحمد: أنا أحمد بن حنبل، والله إني جُرِرت إليك جرًّا.
عباد الله ... الاستغفار حياة الرُّوح:
أَكْثِر من الاستغفار، يَقْرُب الفرج.
أكثر من الاستغفار، فالله غفور.
أَكثر من الاستغفار، فالله لن يُضيِّعَك.
أَكثر من الاستغفار، فالدنيا ساعة وستَفنى.
أَكثر من الاستغفار، فالعُمر حتمًا زائل، وإن طال.
أَكثر من الاستغفار، يكن الله معك.
أَكثر من الاستغفار كما كان نبيُّك مستغفرًا دائمًا.
أَكثر من الاستغفار، تَملِك قلبًا طاهرًا، ونفسًا مُطمئنَّة.
أَكثر من الاستغفار، فكم نادى به الله في القرآن الكريم.
أَكثر من الاستغفار، تتطهَّر من الخطايا.
أَكثر من الاستغفار، يَهدأ بالك وتَرتاح نفسك.
أَكْثِر من الاستغفار، تكن به نِعْمَ المُتوكِّل على ربِّه، والمُنيب إليه، والخاضع المُتذلِّل.
فكم من استغفار كان سببًا في تحويل فشلٍ إلى نجاح وتميُّز!
كم من استغفار كان سببًا في تحويل مِحنة إلى مِنحة!
كم من استغفار كان سببًا في تحويل مرضٍ إلى عافية!
كم من استغفار كان سببًا في تحويل ضيقٍ إلى سَعة!
كم من استغفارٍ كان سببًا في شفاء معيون ومحسود ومسحور!
كم من فقيرٍ بالاستغفار صار ميسورًا وذا مالٍ!
كم من مَدين بالاستغفار سدَّد الله عنه دَيْنَه وعافاه من غَلَبة الدَّيْن وقَهْر الرجال!
كم من الشباب طال شوقُه للزواج لضيق اليد، ثم بالاستغفار تزوَّج وفَرِح!
كم من الفتيات طال انتظارهنَّ للستر والعفاف، ثم أكْثَرْنَ من الاستغفار، فتزوَّجْنَ وفَرِحْنَ!
كم من عقيمٍ شفاه الله بالاستغفار، ورُزِق البنين والبنات بعدما ذهَب حُلمه ومات!
كم من حُلم تحقَّق بالاستغفار، وكم من أملٍ صار واقعًا ومحقَّقًا بالاستغفار!
أَكثر من الاستغفار، فالجنة تشتاق والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينتظرك، والحور الحِسان تتهيَّأ للمستغفرين.
أكثر من الاستغفار؛ حتى تكيد إبليس وتَقهره، فالاستغفار إهلاك له وعليه دمارٌ.
أَكثر من الاستغفار؛ حتى يُحبَّك الله، فالله حبيب المستغفرين.
إن مَن طَرَقَ باب الله بالاستغفار، فلا يَخيب، وحتمًا سيُفتَح.
أَكثر من الاستغفار، فإنَّ لزومه يَكفيك من كلِّ همٍّ وغَمٍّ.
إن مَن اشتغَل بالاستغفار، أعطاه ربُّه ما لَم يُعطِ السائلين.
إن أكْثَرت الاستغفار لله، فثِقْ بالله ولا تَيْئَس من رَوحه أبدًا، فَثِق به، ولا تَقْنَط من رحمته يومًا.
أنَّ الدنيا مَهْمَا ضاقَت في وجهك، والأبواب مهما غُلِّقت والأسباب مَهْما تقطَّعت، فستَنْفتح فتحًا مبينًا، وستُيَسَّر تيسيرًا عظيمًا.
نستغفر الله العظيم حياءً من الله، نستغفر الله العظيم رجوعًا إلى الله، نستغفر الله العظيم تندُّمًا واسترجاعًا، نستغفر الله العظيم فرارًا من غضبِ الله إلى رضا الله، نستغفر الله العظيم فرارًا من سخطِ الله إلى عفوِ الله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... إن العبد المؤمن الكثير الاستغفار لربِّه، لا يُمكن لليأس أن يتمكَّن منه أبدًا، ولا للإحباط أن يعرف إليه سبيلاً، وهذه حياة المستغفرين
فهو يواجه أمور حياته كلها بالاستغفار، فيُصبح ذا إرادة قويَّة ولجوءٍ تامٍّ إلى خالقه، وعَزْم صادق وإيمان راسخ، وثقة في الله لا تَتزعزع، ويعمل باستمرار على الأخْذ بأسباب الهداية والثبات، ويقرأ القرآن دائمًا، فتَنبعث في نفسه رُوح الأمل والتفاؤل عندما يقرأ قوله تعالى( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ).
وهو يؤمن بأنَّ الأمور مهما تعقَّدت، والخطوب مَهْما اشتدَّت، والعسر مهما تعسَّر، فالفرج من الله قريب، طالَما أنَّ الألسن تَلهج لبارئها أبدًا، تستغفره ليلَ نهار ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ )
إنَّ الإنسان ما دام على قيد الحياة حيًّا يتحرَّك، فلا بدَّ له أن يُكثر من الاستغفار، فنحن أنفس بشرية قد ينتابها الضَّعف في كثير من الأحيان، وعندها لا تجد سبيلاً للراحة إلاَّ بحُسن الانطراح بين يدي الخالق العظيم باستغفار كثيرٍ، فطوبى لِمَن وَجَد في صحيفته يوم القيامة استغفارًا كثيرًا، ويجب أن يُكثر المسلم من الاستغفار؛ حتى يبعثَ في نفسه رُوح الأمل وجميل الظنِّ بالله.
نستغفر الله من الذنوب التي تُحِلُّ النِّقم، ومن الذنوب التي تغيِّر النِّعم، ومن الذنوب التي تُورِث الندم، ومن الذنوب التي تَحبس القسم، ومن الذنوب التي تُعجِّلُ الفناء، ومن الذنوب التي تقطعُ الرجاء، ومن الذنوب التي تُمسك غيثَ السماء، ومن الذنوب التي تكشف الغطاء.
يا حي يا قيوم نستغفرك من كلِّ ذنبٍ يَصرف عنا رحمتك، أو يُحِلُّ بنا نِقمتك، أو يَحرمنا كرامتك، أو يُزيل عنَّا نعمتك
استَجِبْ يا الله، يا أرحم الراحمين ...
عباد الله ... صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ...
المشاهدات 2645 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا