الاستعداد لرمضان

شبيب القحطاني
1433/08/22 - 2012/07/12 08:51AM
الحمد لله واسع الفضل والإحسان،الكريم المنان،العليم الذي يعلم ما يخفى في الجنان،وما تكنه الخواطر والأذهان،سبحانه من إله؛غني سمت نعمته إلى كل حي،رحيم وسعت رحمته كل شيءٍ،لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أي مكان.أحمده حمدا يفوق العد والحسبان،وأشكره شكرا ننال به منه مواهب الرضوان.وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،دائم الملك والسلطان،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،أرسله إلى الإنس والجان،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والجود والوفاء والإحسان،وسلم تسليما كثيرا.أما بعد عباد الله:اتقوا اللهUفقد قال سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فاتقوا الله عباد الله جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.أيها الأخوة المؤمنون:في هذه الأيام،يستعد المسلمون،لاستقبال شهر رمضان المبارك،فلم يتبق سوى أيام قلائل،ويحل شهر رمضان ضيفا على المسلمين.لم يتبق أيها الأخوة على فتح أبواب الجنان،وتغليق أبواب النيران،وتصفيد الشياطين،إلا أسبوع أو أقل،والنبيrكان يفرح بقدوم شهر رمضان،ويسأل اللهUقبله بشهرين،أن يمد في عمره ليبلغه إياه،ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده،عن أنس بن مالكtأنهrكان إذا دخل رجب قال"اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ،وَشَعْبَانَ،وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ"فالنبيrيسأل الله أن يبلغه رمضان،لأن شهر رمضان،ليس كغيره من شهور العام،ولا مثله في شهور السنة على الإطلاق.فرمضان أيها الأخوة موسم عظيم،ومناسبة مفيدة جدا،لفعل الطاعة والعبادة،والتقرب إلى الله سبحانه،والبعد عن الذنوب والمعاصي،فينبغي للمسلم أن يعد لهذا الشهر عدته،ويحمد الله سبحانه،أن أمد في عمره حتى بقي إلى هذه الأيام،ويستعد له،استعداد المؤمنين،الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة،وكما قال النبيrفي الحديث الصحيح"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"فاللهUيعامل المسلم على حسب نيته،فيبلغ المسلم بنيته الصادقة مالم يبلغه في عمله،كما قالU وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا يقول ابن سعدي في تفسيره فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي:فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى،وذلك لأنه نوى وجزم،وحصل منه ابتداء وشروع في العمل،فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملا ولو لم يكملوا العمل،وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها.أيها الأخوة المؤمنون:فالنية في هذه الأيام،ونحن نستقبل شهر رمضان،مهمة للغاية،فيجب عليك أخي المسلم أن تراجع حساباتك مع نيتك،اسأل نفسك،وأنت تستقبل هذا الشهر العظيم،ماذا خططت له،وما هو الهدف الحقيقي لها،الذي سوف تخرج به من شهر رمضان؟إننا نرى أيها الأخوة من يستعد لهذا الشهر،بأمور لا تتناسب أبدا،ولا تليق بشهر كرمضان،إنما من شأنها سرقة رمضان،وحرمان المسلم من استغلاله والاستفادة منه.النبيrيسأل ربه،أن يبلغه رمضان قبله بشهرين،هلا سأل أحدنا نفسه،لماذا النبيrيفعل ذلك؟وماهو هدفهrمن سؤاله؟هل يريدrبسؤاله أن يبلغه رمضان،لمتابعة المسلسلات الهابطة،والبرامج الساقطة،أو للتمتع باللهو واللعب،و التفنن بما لذ وطاب من أنواع المآكل والمشارب؟اسأل نفسك أخي؟كلا والله!إنما سؤالهrلاستغلاله بطاعة اللهUاللهم بلغنا رمضان!من أجل ماذا؟لنسهر الليل وننام النهار!ونعمر الملاعب ونهجر المساجد،ونتابع الأفلام والمسلسلات،ونترك تلاوة كتاب اللهUونقضي على وقت نحن بحاجته،ونستطيع من خلاله أن نبلغ أعلى منازل الجنة بإذن الله تعالى!فالمسلم يجب أن يترفع بنفسه،عن سفاسف الأمور،ويوطن نفسه لمعالي الأخلاق،ولا ينقاد خلف الذين لا هم لهم إلا نهب الأموال،والقضاء على الأوقات،واللهو واللعب،الذين قد يقع بحق بعضهم قول الله تعالى فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ فالاستعداد لشهر رمضان،لا يكون باللهو واللعب،والغفلة الخطيرة،التي أودت في مستقبل كثير من الناس،إنما يكون بالنية الصادقة،والعزيمة الجادة،لاستغلال هذا الشهر بالعبادة والطاعة،وما يقرب من اللهUوما يكون وسيلة لرفع الدرجات،وتبديل السيئات بإذن الله تعالى.فلنتق الله أحبتي في الله ولنعقد النية من الآن،ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه،عن سهل بن حنيفtيقول النبيr"مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ"اسأل الله لي ولكم علما نافعا،وعملا خالصا،ورزقا واسعا،وسلامة دائمة،إنه سميع مجيب.أقول قولي هذا وأستغفر الله،لي ولكم من كل ذنب،فإنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنِانِهِ،وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشأْنِهِ،وَأَشهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الْدَاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ،صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.أيها المسلمون:خير ما يستقبل به رمضان،العزم على ترك الذنوب والآثام،والتوبة من السيئات،وهو فرصة للتخلص من العادات السيئة،والأخلاق الرذيلة،وتعويد النفس على ما يحبه اللهUويرضاه،فرمضان شهر التوبة،ومن لم يتب فيه فمتى يتوب.نعم أخوتي في الله شهر رمضان فرصة للتعود على صلاة الجماعة،وتلاوة القرآن،وفرصة للتخلص من التدخين،فرصة لتنظيم الوقت،فرصة للإحساس بالحاجة للطعام والشراب،وإدراك معاناة الفقراء والمساكين،وغير ذلك من الأعمال التي باستطاعة المرء التعود عليها فعلا وتركا في شهر رمضان.فلنتق الله أحبتي في الله ولنحرص على التخطيط لاستغلال شهر رمضان،فإن كان الناجحون في الأعمال الدنيوية،يحرصون على أخذ دورات،تحفزهم على أعمالهم وتجدد معلوماتهم،فهاهو شهر رمضان خير محفز ومعود لأعمال الآخرة.ولنحذر أيها الأخوة الاستعداد لرمضان بما يستعد به الغافلون،الذين يصدق علي بعضهم قول الله تعالى يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين،إنه سميع مجيب،اللهم بلغنا رمضان،واجعلنا فيه من الفائزين،برحمتك يا أرحم الراحمين.اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى،اللهم أحينا سعداء،وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء،يا رب العالمين.اللهم إنا نسألك رضاك والجنة،ونعوذ بك من سخطك والنار.اللهم وفقنا لهداك،واجعل عملنا في رضاك،وامنن علنا بفضلك وجودك ورحمتك يا أرحم الراحمين.اللهم طهر قلوبنا،وحصن فروجنا،واحفظ أعراضنا ودماءنا وأموالنا،وارحم اللهم موتانا،واشف مرضانا،واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض،برحمتك يا أرحم الراحمين.اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين،وذل الشرك والمشركين،اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا،واستعمل علينا خيارنا،واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك،برحمتك يا أرحم الراحمين.اللهم من أرادنا بسوء،اللهم اشغله بنفسه،واجعل كيده في نحره،واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم،ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 3467 | التعليقات 0