الاختلاط بوابة الشرور

د. منصور الصقعوب
1434/04/12 - 2013/02/22 07:36AM
الخطبة الأولى 12/4/1433هـ
حين نهى الله سبحانه آدم وزوجه عن أكل الشجرة سعى الشيطان بهما ليأكلا منها, وما زال يزين لهما الأمر حتى أكلا, عندها بدت لهما سوءاتهما, وظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة, وكان ذلكم هو أول سعي من الشيطان لكشف سوءة الإنسان, وتاب آدم وزوجته من معصيته, فاجتباه الله وهدى, لكنه منذ ذلك الحين بدأت المعركة بين الشيطان والإنسان, معركةُ الفضيلة والرذيلة, والحياء والبذاء, والحشمة والعري.
وجاء الإسلام, وكان النبي ع يؤكد على أن لا تختلط النساء بالرجال, فكان يأمر النساء عند خروجهن من المسجد أن يستأخرن عن أصول الطريق, وأن يلزمن حافات الطريق" رواه أبو داود, ويأمر الرجال بالاستئخار بعد الصلاة حتى يتفرق النساء.
هذا أمره, أما فعل أتباعه فكانوا لا يحيدون عن ذلك, بل كانت النساء لا يخالطن الرجال, عند البخاري عن عطاء قال"لَمْ يَكُنَّ –أي النساء- يُخَالِطْنَ الرجال, كَانَتْ عَائِشَةُ ل تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لاَ تُخَالِطُهُمْ "
وقد جاءت أم حُمَيد السَّاعِديَّة أنها جاءت إلى رسولِ الله r فقالت : يا رسولَ اللهِ إني أُحبُّ الصلاةَ معك . قال : قد علمتُ, وصلاتُكِ في بَيتكِ خيرٌ من صلاتِكِ في حُجرتكِ وصلاتُكِ في حُجرتكِ خَيرٌ من صلاتِك في دارك وصلاتك في دارِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجدِ قومك وصلاتِك في مسجدِ قومكِ خيرٌ صلاتِك في مسجدِ الجماعة)) فإذا كان هذا يقال لامرأة تقية أرادت أن تخرج لصلاة فماذا يقال لمن أرادت أن تخرج لتخالط الذكور في الأسواق أو الأعمال أو غير ذلك.
وفي الصحيحين أنه r قال" إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ" ورحم الله الإمام الشنقيطي إذ يقول: الدعوة إلى الاختلاط والسفور دعوة إلى الموت, ولم يسمه النبي r موتاً إلا لعظم خطره.
قال ابن تيمية: قد كان من سنة النبي r وسنة خلفائه التمييزَ بين الرجال والنساء والمتأهلين والعزاب فكان المندوب في الصلاة أن يكون الرجال في مقدم المسجد والنساء في مؤخره.
قال: وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون داراً معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين فلا ينزل العزب بين المتأهلين وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة, فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب.الاستقامة (1 / 359)
معشر الكرام: ولكن الشيطان ما زال يسول لبني الإنسان الاختلاط بين رجالهم ونساءهم, لعلمه أنه بالقرب يحصل البلاء, كما قرر العلماء, فسعى للإفساد, وتولى أولياءُه المَهمة, وحين تفرق الإسلام ووهنت قواهم, وتمكن منهم عدوهم, سعى العدو عبر ربائبه لنشر الاختلاط بين المسلمين, فكانت تلك الدعوات تلقى حرباً ضروساً بين المصلحين من جهة, وبين أدعياء الحرية وأتباع الغرب وأولياء الشيطان من جهة, وبعد طول صراع كانت الغلبة لناشري الاختلاط, ففي تركيا ومصر والجزائر وتونس والشام بل وأفغانستان وغيرها حصل البلاء على المسلمين من هذا الأمر, وابتلي الصالحون من قبل فئة من المفسدين سعوا بأنفسهم واستقووا بأنصارهم من أعداء الدين كي يقروا الاختلاط, فحصل لهم ما أرادوا في تلك الحقبة
فخرجت العفيفات في بلاد المسلمين حاسرات الرؤوس, يزاحمن الرجال في الأعمال والمحال, فحصلت من جراء ذلك شرور مستطيرة, وما حصل رقي وتقدم, بل إن ثمة مفارقتين في شأن شيوع الاختلاط خطيرتين:
فأما الأولى فإن الدول التي شاع فيها اختلاط الرجال بالنساء لم يتحقق لها نمو اقتصادي, ولا ازدهار تقني ومالي, بل الأمر على ما هو عليه, بل انحدر للأسوأ
وأما المفارقة الثانية: فهي أن تلك الدول التي سعى العدو سنيناً لنشر الاختلاط فيها, هي من أوائل الدول التي انتفضت على طغاتها, ففي اتفاقية الأمم المتحدة سيداو, والتي من شأنها إشاعة الاختلاط ومساواة المرأة بالرجل في كل شيء, كانت الدول العربية التي وقعت عليها مصرُ أولاً ثم اليمن ثم تونس ثم ليبيا,وهذه الدول اليوم حالها لا تخفى
عباد الله: ولقد كان مكر المفسدين في إحلال الاختلاط بين الرجال والنساء كُبّاراً, وتخطيطهم وسعيهم شديداً, لعلمهم بأنه بوابة شر, ونذير شرر, وسلكوا في ذلك طرقاً متعددة, تتكرر في كل بلدٍ سعوا فيه لإشاعة الفحشاء والاختلاط, والتعرف على طرائقهم مهم, لأن الخطوات تتكرر, والخطى تتشابه
فتارة كان هؤلاء يلبسون الباطل ببعض فتاوى بعض المنتسبين للعلم, توافق آرائهم وما أرادوه من الباطل, فيُلمع هذا لما يريدون منه, وما قصة رفاعة الطهطاوي في مصر إلا خيرُ شاهدٍ على هذا, وأراها تتكرر في بلاد أخرى هذه الأيام
وتجدهم يسعون لفرض الاختلاط من رأس الهرم, كي يستقر في النفوس استهانة ما يقع من بعده, وتجدهم يسعون للتلبيس على الناس بحجة دفع الضيم عن المرأة, وهكذا
وكانت بدايات المفسدين في نشر الاختلاط بين الصغار, وترقى الأمر للكبار, بدءاً بالتعليم ومروراً بالإعلام, والأعمال, وانتهاءً بالمجالس والمؤتمرات وغيرها, قال الطنطاوي رحمه الله: بدأ الاختلاط من رياض الأطفال، ولما جاءت الإذاعة انتُقِل منها إلى برامج الأطفال فصاروا يجمعون الصغار من الصبيان والصغيرات من البنات,وهكذا .
وحين شاع الزنا والفواحش كان أعداء الحجاب يقولون إن تلك الانحرافات الجنسية سببها حجب النساء، ولو مزقتم هذا الحجاب وألقيتموه لخلصتم منها ، ورجعتم إلى الطريق القويم, وكنا من غفلتنا ومن صفاء نفوسنا نصدقهم ، ثم لما عرفناهم وخبرنا خبرهم ، ظهر لنا أن القائلين بهذا أكذب من مسيلمة. ذكريات الشيخ على الطنطاوي (5/268-271) "
عباد الله: ولقد بليت بلاد المسلمين بصور متعددة من الاختلاط, بتنا نكتوي بلظاها, حين قلّ الناصح, وتجلد الفاجر, وتكاسل الثقة المصلح, فجلوس المرأة مع الرجال في الاجتماعات واللقاءات, وحضورها الندواتِ معهم جنباً إلى جنب, صورة من الاختلاط, وتلك صورة لا يفتأ الإعلام في إبرازها وإشهار كل صورةٍ يحدث فيها هذا النوع من الاختلاط
واختلاط المرأة بالرجال في بعض الوظائف والجهات قضية بُليت بها بلاد المسلمين, والمستشفياتُ اليوم, والأسواقُ أيضاً تشكو من بلاء مستطير وصور مشينة من الخلطة المحرمة, ولا يفتأ المفسدون يزينون المنكر, ويلبسون الحق بالباطل, حين يحاولون عبثاً جعل المنكر معروفاً عبر وسائل الإعلام .
والحق الذي لا التباس فيه هو أن الاختلاط بين الذكور والنساء, حين تكشف فيه المرأة وجهها, وتجلس معهم وتزاحمهم, أنه منكر وزور, وإن قام به من قام.
وإن المرء ليتسائل: أذكور اليوم المنادين بالاختلاط أتقى وأدين, أم رجال الصحابة الذين يبقون في المسجد حتى تصل النساء لبيوتهن!!, أذكور اليوم أورع أم أولئك الرعيل الذين قالوا: لا تخلون بامرأة ولو كنت تعلمها القرآن, لا سواء, لكنه الهوى, ولبس الحق بالباطل.
فما أعظم تبعة من تسبب في منكر ومحرم, وما أحرى الولي أن يكون قيماً على أعراضه, غيوراً على عوراته.
وشرٌ من الشرور بليت به بعض دول الإسلام وهو اختلاط الذكور بالإناث في مقاعد التعليم, وقضية أثر ذلك السلبي على المعرفة وعلى إشاعة الفحشاء لا تخفى, حتى صاح به العقلاء في أوربا, ودعوا لاستقلال التعليم بين الذكور والإناث لما جنوه من الويلات من جراء هذا, فما بال بعض بني قومنا صاروا يريدون إعادة تجربتهم, ضاربين بنقاء المجتمع عرض الحائط.
قال ابن باز رحمه الله: إن تعليم النساء للصبيان في المرحلة الابتدائية يفضي إلى الاختلاط ثم يمتد ذلك إلى المراحل الأخرى ، فهو فتح لباب الاختلاط في جميع المراحل بلا شك ، ومعلوم ما يترتب على اختلاط التعليم من المفاسد الكثيرة والعواقب الوخيمة التي أدركها من فعل هذا النوع من التعليم في البلاد الأخرى, فكل من له أدنى علم بالأدلة الشرعية وبواقع الأمة في هذا العصر من ذوي البصيرة الإسلامية على بنينا وبناتنا يدرك ذلك بلا شك. فتاوى إسلامية (3 / 132) وقال: وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله لما يترتب عليه من أنواع الشرور .

الخطبة الثانية:
عباد الله: لقد نادى المصلحون منذ عقود لنشر الفضيلة وسد باب الاختلاط, وكانت دعوة الشيخ الطنطاوي رحمه الله كلماتٍ تفيض نصحاً وغيرة, قال رحمه الله: يا سادة إن السيل إذا انطلق دمر البلاد، وأهلك العباد، ولكن إن أقمنا في وجهه سداً، وجعلنا لهذا السد أبواباً نفتحها ونغلقها، صار ماء السيل خيراً ونفع وأفاد
وسيل الفساد، المتمثل في العنصر الاجتماعي، مر على مصر من خمسين سنة وعلى الشام من خمس وعشرين أو ثلاثين، وقد وصل إليكم الآن [ يعني : المملكة ] ، فلا تقولوا : نحن في منجاة منه ، ولا تقولوا : نأوي إلى جبل يعصمنا من الماء، ولا تغتروا بما أنتم عليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكم، ولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب على نسائكم، فلقد كنا في الشام مثلكم ـ إي والله ـ وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل, لقد أضربت متاجر دمشق من ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها، وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج؛ لأن مديرة المدرسة الثانوية، مشت سافرة, إي والله ـ فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام !! دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، إن المرأة في جهات كثير ة من المملكة، قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب تحرير المرأة فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد, لقد نالوا منا جميعاً، لم ينج منهم قطر من أقطار المسلمين, إنه لا يستطيع أحد منا أن يقول إن حال نسائه اليوم، كما كانت حالهن قبل أربعين أو ثلاثين سنة, ولكن الإصابات كما يقال ليست على درجة واحدة، فمن هذه الأقطار ما شمل السفور والحسور نساءه جميعاً، أو الكثرة الكاثرة منهن، ومنها ما ظهر فيه واستعلن وإن لم يعمّ ولم يشمل، ومنها ما بدأ يقرع بابه، ويهم بالدخول، أو قد وضع رجله في دهليز الدار كهذه المملكة، ولا سيما جهات نجد وأعالي الحجاز.فإذا كان علينا مقاومة المرض الذي استشرى، فإن عملكم أسهل وهو التوقي وأخذ ( اللقاح ) الذي يمنع العدوى " .ا.هـ..
وبعد : فما أحرى المسلمين إلى أن يكونوا صفاً واحداً تجاه هذا البلاء الذي يراد لمجتمعات المسلمين, بالاحتساب ضد كل خطوةٍ تهدف إلى ترسيخ الاختلاط, إن في المدارس أو في الوظائف أو في غيرها من المجالات, وليحتسب المرء قيامه في هذا, ولا يستقلّ دوره, والمصيبة حين يسكت الجميع, فيصير المنكر واقعاً مفروضاً, برغبة ثلة قليلة من الناس, لأن الكثرة ممن يرفضونه سكتوا عن الإنكار فاكتوى الكل بناره, فسل نفسك أيها الأستاذ وأيها المثقف وأيها التاجر وأيها الشاب ما دورنا في المدافعة تجاه ما قد تراه من صور الاختلاط؟ سؤال ينتظر الإجابة من كل واحدٍ منا, وإذا كان في الأمة وفي بلادنا خير كبير, فإن مسؤولية المحافظة عليه تقع على الجميع
المشاهدات 2263 | التعليقات 1

بارك الله فيك يا شيخ ونفع بك وبعلمك