الاحتفال برأس السنة ( مختصرة )

أنشر تؤجر
1446/06/24 - 2024/12/26 20:14PM

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ أَحَدًاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا دَائِمًا أَبَدًاً.

أمَّا بعد : فاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقوى ، واستمسِكوا من الإسلام بالعروةِ الوثقى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عبادَ الله : لقد شرف الله عز وجل أمة محمد عليه الصلاة والسلام ورفع قدرها على سائر الأمم مع أنها آخر الأمم زمناً ولكنها أسبق الأمم فلها من البركة ما ليس لغيرها ، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ).

وكيف لا تكون هذه الأمة خيرُ الأمم ودينها الإسلام نسخ جميعَ الأديان التي قبله ، كما قال الله تعالى :( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران : 85 ) وكتابها القرآن نسخ جميع الكتب التي قبله ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) (المائدة : 48 ) أي : حاكماً عليه ؛ وكيف لا تكون هذه الأمة خيرُ الأمم ورسولها محمدٌ عليه الصلاة والسلام آخر الرسل وبعثته عامة لجميع الخلق ، فلا وصولَ للجنة بعد مبعثه إلا بإتباعه ، ففي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :« وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

عبادَ الله : إن أمة بهذه المكانة لا بد أن تكون الأممُ تابعةً لها وليس هي تابعةٌ للأمم ؛ وللأسف أنه يوجدُ من هذه الأمة ممن ضعف إيمانهم وتمسكهم بدينهم مَن أصبح تابعاً لليهود والنصارى وغيرهم من الكفار ، فلا تراه إلا معجباً بهم متشبهاً بهم ، وفي هؤلاء يصدقُ الحديثُ الثابتُ في الصحيحين من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :« لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ »، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ :« فَمَنْ »

وإن من الأمور الخطيرة في العقيدة التشبه بالكفار في عاداتهم أو في لباسهم أو في عبادتهم وهذا أشد ، ولذلك حرمت الشريعة الإسلامية على المسلم أن يتشبه بالكفار ، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه سلم قال :( من تشبه بقومٍ فهم منهم ).

ومما وقعت المشابهة فيها للكفار ، مشابهتهم في أعيادهم سواءً كانت هذه الأعياد أعياداً دنيوية كعيد تحرير الوطن أو أعياداً دينية وهذا أشد وأخطر ، والمسلمون - عبادَ الله - ليس لهم إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى وما سواها أعيادٌ مبتدعة لا يجوز الاحتفال بها ، ففي سنني أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ : مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ".

فتأملوا في هذا الحديث أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أن يحتفلوا بهذين اليومين التي هي من أعياد أهل الجاهلية وبين لهم أن الله أبدلهما خيراً منهما عيد الفطر وعيد الأضحى .

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن سلكَ الله بهم طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وأن لا يجعلنا ممن سلك بهم طريق المغضوب عليهم والضالين .

 أقول قَولي هَذَا، وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيم. 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ وَمُصْطَفَاهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.

 أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله حقَّ التَّقوى ، واستَمْسِكُوا بِهذا الدِّينِ ، فهو خيرُ دِينٍ وأزكى :( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ).

عبادَ الله : إن من أعياد الكفار ما يسمى بعيد رأس السنة أو عيد مولد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ومن أسمائه عيد الكريسمس أو الكريسماس .

ومناسبة هذا العيد عندهم مناسبة دينية يظهرون فيها عقيدتهم في عيسى بن مريم عليه السلام والنصارى يزعمون أن عيسى بن مريم ابن الله ، قال تعالى :( وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ ) (التوبة : 30 ) وقال تعالى :( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة : 73 ) فجعلوا عيسى ابن مريم وأمه إلهين مع الله ، نبرأ إلى الله من هذه العقيدة الفاسدة ويبرأ منها حتى عيسى بن مريم عليه السلام ، كما قال تعالى :( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ )

فلا يجوز مشاركتهم في أعيادهم خاصةً عيد مولد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام الذي يسمونه عيد الكريسمس ، وللأسف أنه يوجد من المسلمين من يشاركهم في احتفالاتهم هذه ، ولذلك صور من ذلك تهنئتهم بهذا العيد وهذا أمرٌ محرمٌ بالاتفاق .

ومن صور مشاركتهم في هذا العيد توزيع الحلوى وإهداء الورود وتخصيص هذا اليوم بإجازة ، وبعضهم يزيد بأن يجعل كذلك قبله يوماً إجازة كما يحصل في بعض البلدان .

فالله الله - أيها المسلمون - في التمسك بعقيدتنا الصحيحة والبراءة من العقائد الفاسدة ، فبالتمسك بها يحصل للإنسان الفلاح في الدنيا والآخرة ، ثبت في صحيح البخاري من حديث عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :« مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ ».

فنشهد أن الله هو الأحد الذي لم يلد ولم يولد ونتبرأ إلى الله من قول النصارى تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

اللهم اجعلنا ممن يسلكون طريق الذين أنعمتَ عليهم وجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين .....

اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .

اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلى نَبيِّنا مُحمدٍ، وَارضَ اللهمَّ عَن خُلفَائهِ الرَّاشدِينَ ، وَعَنْ سَائرِ الصَّحَابةِ أَجمعينَ .

اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ وَالمُسلمينَ ، وَأَذِلَّ الشِّركَ وَالمُشركينَ ، وَدَمِّر أَعداءَ الدِّينِ ، وَاجعَلْ هَذا البَلدَ آمِنًا مُطمئنًّا رَخَاءً وَسَائرَ بِلادِ المُسلمينَ ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ الإخلاصَ في القَولِ وَالعَملِ ، اللهمَّ أَحيِنا مُسلمينَ ، وَتَوفَّنا مُسلمينَ ، وألحِقنَا بِالصَّالِحينَ غَيرَ خَزايا وَلا مَفتُونينَ ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ الجَنةَ وَمَا قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عَملٍ ، وَنَعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وَمَا قرَّبَ إليها مِن قَولٍ أو عَملٍ .

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

عباد الله : أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

1735233253_الاحتفال برأس السنة مختصرة.docx

المشاهدات 1105 | التعليقات 0