الاحتفال باليوم الوطني

عبدالله يعقوب
1433/11/04 - 2012/09/20 04:23AM
خطبة مجمّعة عن اليوم الوطني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...
أيها الكرام... يقول الحق سبحانه: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).
وقد أنعم الله علينا في هذه البلاد باجتماع الكلمة ووحدة الصف والأمن والرخاء، ونعمًا أخرى متتالية من عنده, أرزاقٌ دارَّة, وأحوالٌ قارَّة, أذهب الله عنا عُبِّيَةَ الجاهليةِ، وعصبيتَها وتنافرَها, ورزقنا التوحيدَ والسنة, تُدَرَّس في مدارسنا, ويأخذها صغارُنا عن كبارنا, فللّه الحمد أولاً وآخرًا, وظاهرًا وباطنًا.

وبعد يومين من الآن.. يمر ذكرى تأسيس هذه البلاد المباركة على يد الإمام الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى، وجزاه خيراً عن الإسلام والمسلمين، الذي أسس دولةً طيبة مباركة على ثرى أرضٍ طيبةٍ مباركة.. ولذا لو طفت الأرضَ جميعاً.. لن تجد بلادًا كهذه البلاد؛ في أمنها وإيمانها، واعتصامها بالكتاب والسنة، وقيامها بالتوحيد وتطبيق الحدود الشرعية.
ولذلك أيها الإخوة؛ كل يوم تشرق علينا شمسه ونحن متمسكون بديننا فهو يوم عيد, فإن الله لا يحفظ النعمة ولا الأمن.. إلا بالإيمان, قال تعالى ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون﴾, وقال تعالى ﴿وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾.
فنحن في كل يوم لا نعصي الله فيه.. في يوم عيد, ولانحتاج أن نخصص يومًا من أيام السنة لهذا العيد؛ لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك أشد النهي, فإنه لما هاجر إلى المدينة؛ وجدللأنصار يومين يلعبون فيهما, ويحتفلون فيهما ويفرحون فيهما - وقد يكون سبب الاحتفال آنذاك: ذكرى أحداث وطنية, أو أحداث قبلية، أو أحداث شخصية لزعمائهم - فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أبدلكم بهذين اليومين يومين خيرًا منهما الفطر والأضحى) فلا يحب الله إظهار شعائر العيد والفرح والسرور والتهاني والاحتفال, إلا في هذين اليومين, وما عداهما فإن إظهار شعائر العيد فيه مبغوض لله عز وجل.
وهذان اليومان العظيمان المباركان يأتيان بعد عبادة؛ فعيد الفطر يأتي الناسَ بعد رمضان، بصيامه وقيامه, وتلاوته وذكره وصدقاته, فيأتيهم يومُ العيد بعد هذه العبادات العظيمة.
وكذلك الأضحى, يأتيهم بعد أعمال عظيمة في عشر ذي الحجة, من صيام وصدقات ودعاء وقيام ليلٍ، وبعد أن يقفوا تلك المواقف العظيمة بعرفات, والمزدلفة، ثم يأتيهم يومالعيد.
فهذان اليومان هما اللذان يحبهما الله عز وجل, ويحب فيهما إظهار السرور, وإظهار الفرح والاحتفال, والدعاء والتهنئة, وما عداهما فإن الله يبغض أي شيء يزاحمهما؛ فإذا أتت هذه الأعيادُ المُحدَثة زاحمت الأعيادَ الشرعية, واكتفى الناس بالمُحدَثات, ولم يلتفتوا إلى ما يحبه الله ويرضاه. قال ابن مسعودٍ: (ما ابتدع قوم بدعةً.. إلا أماتوا مثلها من السُّنة).
فيا عباد الله, إن البعد عن المحدثات.. هو الذي أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال: (إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ شَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ).
وإننا في هذه البلاد الطيبة، بلاد التوحيد والسنة، لا نحتاج أن نتشبه بالكفار في هذه الأعياد المُحدَثة التي يفعلونها وهي من شعارهم, فالكفار مهما تشبهنا بهم.. فإنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم, وقد سمعتم ما يقول خاصتهم وعامتهم وما تخفي صدورهم أكبر...
قد حسدوكم والله على دينكم, وحسدوكم على شريعتكم, وحسدوكم على ما أنتم فيه من الخير، يقول تعالى: ﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق﴾, ويقول تعالى: ﴿ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾. ويقول تعالى: ﴿اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشونِ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾.
فيا معاشر المسلمين.. يا من رضيتم بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولا.
الله الله في التواصي, الله الله في التناصح, فإننا لن نهلك -بإذن الله- ما دمنا نتناصح, وإن سكتنا عن الباطل, وتعاقبت الأجيال, أصبح المعروفُ منكرًا, والمنكرُ معروفًا, والسنةُ بدعةً والبدعةُ سنةً, حتى إذاغُيِّرَت, قال الناس: غُيِّرَت السنة, كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه, ولما قيل: متى ذاك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: (إذا كثرت قراؤكم، وقلت فقهاؤكم, وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم, وطُلِبَت الدنيا بعمل الآخرة، وتُفُقِّه لغير الدين).
فتناصحوا رحمكم الله, وتواصوا بالحق، وناصحوا من ولاّه اللهُ أمرَكم...
وإذا تناصحتم فأبشروا باثنتين:
الأولى: أن الغل يخرج من قلوبكم, قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا يغل معهن قلب امرئ مسلم: إخلاصُ العمل لله، ومناصحةُ من ولاه الله أمركم، ولزومُ جماعة المسلمين, فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)..
وأما الثانية: فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود -الذي أخرجه مسلم وغيره- (من أنكر فقد برئ), إذا أنكربلسانه أو بقلمه أو بلَّغ الأمر؛ فقد برئ, (ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع)، فمن أنكر أو كره فهو بين السلامة والبراءة, وأما من سكت ورضي وتابع، فإنه لا يبرأ ولا يسلم.
أيها الكرام... هذه فتاوى علمائكم منذ خرجت هذه الدولة الطيبة قبل ثلاثة قرون أنه لايُشرَع أيُّ عيد وأيُّ احتفال.. إلا بالأعياد الشرعية, وإذا فُتح المجال سيأتي من يقول: الاحتفال بالأنبياء وبميلاد الأنبياء أولى من الاحتفال بالأوطان, وسيأتي من يقول: الاحتفال بالحسين وبعلي وبآل البيت أولى من الاحتفال بالأوطان. وسيأتي من يقول: الاحتفال بالأولياء والأقطاب والأبدال أولى من الاحتفال بالأوطان.
وحينها يتسع الشق على الراقع, وتكثر الأعياد المبتدعة، ويتخلى الناس عن الأعياد الشرعية التي يحب الله فيها إظهار الفرح والاجتماع والسرور, فينعكس مراد الله عز وجل.
فالله الله أيها الاخوة, في التناصح بالحسنى, وبالموعظة وبالتي هي أحسن, حتى تبرأ الذمة. وتجتمع الأمة، وتستقيم الأحوال على طاعة الرحمن.
أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...





الخطبة الثانية:
الوطن أيها الإخوة, عديلُ الروح في كتاب ربكم, فقد شبّه الله عز وجل إخراج العبد من وطنه, بإخراج روحه من جسده, فقال تعالى ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم﴾, فأتى الله بأصعب أمرين: إخراج الروح من الجسد، وإخراج الجسد من الوطن, هذه فطر غرزها الله في النفوس, وقال الله: ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم﴾, وقال تعالى: ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك﴾، وقال عليه الصلاة والسلام لما خرج من مكة وصعد الثنية ثم التفت إليها فقال: (والله إنك أحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت).
ولماأصابت بلالاً الحمى في المدينة؛ أخذ يتوجد على مكة ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليلُ
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامةٌ وطفيلُ
فإذا كان حبُ الأوطان لا ينافيه الشرع.. فكيف يكون الحب الصحيح للوطن؟
الحب الحقيقي للوطن.. إنما يكون بحفظ الوطن من الضياع...
وضياعُ الأوطان يكون بتضييع أمر الله, فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره.
حفظ الأوطان في الحقيقة.. بالأمرِبالمعروف والتناهي عن المنكر, والأطْرِ على الحق، وإقامةِ الحدود, والتناصحِ بين الخاصة والعامة.
الوطنيةُ عباد الله... دمٌ يجري بالعروق، وقلبٌ يحيا به الجسد، وجسدٌ يتطاير أشلاءً دون الوطن ومقدساته.. لا على الأبرياء من أبنائه.
الوطنيةُ.. علم وفكر، وتقدم وازدهار، واختراعات ومبتكرات، وعقول نيرة تتسلح بالعلم والمعرفة؛ لتقول للعالم أجمع بأننا ها هنا..
ها هنا.. وطنُ الرسالة.. وطنُ الهداية.. وطنٌ نبع من أرضه النورُ الذي أنار للبشرية طريقها، ورسم لها دروب الخير الصلاح.
ها هنا.. أحفاد أولئك الرجال الذين نصر الله بهم نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأعز بهم دينه، ورفع بهم راية التوحيد؛ حتى قال عنهم وعن الذين يسيرون على نهجهم من بعدهم: (كُنْتُم خَيرَ أُمَةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ...).
فإن كنت وطنياً تحب بلدك، وتتمنى له الخير والازدهار، والتقدم والرقي والتطور، فساهم في خدمة بلدك والنهوض به، في شتى المجالات المفيدة والنافعة.
وجوهرُ الوطنية: عقيدةٌ صحيحة، وبيعةٌ في العنق، وأداء للحق، وولاء وطاعة.. وعدمُ خروجٍ على الجماعة..
بهذا تحفظ الأوطان، وبهذا تجتمع الكلمة, والدينُ النصيحة.. لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من العلماء والأمراء, لا يستبطن العبد لهم غشًا ولا غلاً ولا دغلاً, وإنما ينصح لهم من قلبه, بهذا تحفظ الأوطان, وبهذا تحفظ النعم، وبهذا يتم من الله الزيادة كما وعد, والله لا يخلف الميعاد.
وإنَّ من الخطر العظيم - عباد الله - أن تختطفَ الوطنيةُ، وتُبْتدعَ لها المعاييرُالشكليّة، ثمَّ يفتنُ الناس بها ويمتحنون عليها، فتُربط الوطنيةُ بتعليق الصور، أو تحية العلم الوطني، أو الاحتفال بيوم الوطن، أو منح الإجازات للموظفين، وتجعل هذه الأمور هي محكاتُ المواطنة الصحيحة، فمن قام بها.. فهو المواطن المخلص، ومن تحرّج منها فوطنيّتُه مشكوكٌ فيها، وولاؤه فيه نظر، ولو كان أميناً مخلصاً مطيعاً بالمعروف، ولو كان قد أخذ بفتوى علماء الوطن الكبار، وهل علماؤنا الكبار الذين أفتوا بتحريم هذه المسائل الجزئية ليس عندهم وطنية أولا يحبون الوطن؟.
فربما يترك بعض الناس المظاهرَ الشكليةَ؛ تأثّماً لفتوى تحرمها، لا كرهاً أو استخفافاً بالوطن، ويبقى حبُ الوطن في قلوبنا ونربي عليه أبناءنا..
بل نُشهدُ الله أن في كثيرٍ من المواطنين الصالحين الذين يأخذون بفتاوى علماء البلاد الكبار في تحريم بعض المظاهر؛ أن فيهم من الحب للوطن ما لو نزلت نازلة لبذلوا أرواحهم رخيصة دونه، ودون ولاة أمره، ولم يفروا كبعض المرتزقة الجبناء الذين لا يعرفون من حق الوطن سوى الأغاني الوطنية وتمجيد العلم..
وإن في كثيرٍ من قلوب الناس من الحب والدعاء لولاة الأمر ما يغنيهم عن تعليق صورهم؛ لأنها محفورة في قلوبهم، وبيعتهم في أعناقهم.
وإن من التناقض العجيب.. اتخاذ بعض العلمانيين والليبراليين والتغريبيين دعوى المواطنة وحبَ الوطن.. مركباً لتسويغ أفكارهم، ومحاصرةِ وإرهابِ كل من يخالفهم، ورميه بالإرهاب والتمرد على الوطن، وينسى هذا المتعسفُ صاحبُ الإرهاب الفكري.. أنه هو أول من ينقض دعواه بأطروحاته التي لا تخدم المصلحة الوطنية، ولا تتفق والأسس التي قامت عليها البلاد، واجتمع عليها شمل الوطن.
ومن التناقضات في المواطنة: أن يَخُونَ المسئولون عن الأمانات، ويظلموا الآخرين، ويستخفوا بالمسؤولية، أو يوظِّفَوها لمصالحهم الشخصية؟! ولو علَّقوا صورة ولي الأمر فوق رؤوسهم، وزينوا بـها مكاتبهم، وجعلوا النشيد الوطني وِردَهم اليومي.
ومن التناقضات في المواطنة: أن يحتفل بعضُ الشباب باليوم الوطني ويقوموا بأعمال الشغب، ويعتدوا على المحلات والسيارات والأسواق والعائلات... حدث هذا سابقاً في أماكن كثيرة، ونشر ذلك في عدد من وسائل الإعلام..

وهنا نتساءل بكل أسف وحزن: هل حبُ الوطن في الفوضى وتكسير المحلات وسرقتها، والتفحيطِ والإخلال بالأمن في الطرقات؟ هل حب الوطن في الإزعاج والرقص وهز الوسط على الموسيقى المحرمة؟
نقول لهؤلاء المتناقضين جميعاً:
إن حبَّ الوطن يكون بالقيام بمسؤولياته وحفظ أماناته وأدائها إلى أهلها، وليس بسرقة الوطن والمواطنين.
إن حب الوطن يكون بالدفاع عنه وعن دينه ومقدساته ومواطنيه وليس بأذيتهم.
إن حب الوطن يكون بحفظ نظامه، وإصلاح أهله وليس بإفسادهم.
إن حبَّ الوطن باحترام الكبير والعطف على الصغير، واحترام الجار واحترام النظام ونظافة الشارع وعدم مضايقة المسلمين.
إنَّ حبَّ الوطن بالحرص على كل ممتلكاته والتعامل بأخلاق المسلم مع المسلم في كل مكان.
إنَّ حبَّ الوطن ليس يوماً في السنة فقط!! أو صورةً أو علماً..
بل حب الوطن في كل يوم وفي كل حين.
نسأل الله أن يهدي شبابنا ويسلك بهم سبيل الرشاد... وأن يجعلهم مواطنين صالحين.. مصلحين في أسرهم ومجتمعهم، إنه جواد كريم.
وصلوا وسلموا على عبدالله ورسوله نبينا محمد..
المشاهدات 4558 | التعليقات 1

نفع الله بك..