الاحتساب المجتمعي (رابط صوت + رابط مقال)

ناصر العلي الغامدي
1434/06/15 - 2013/04/25 19:12PM
الاحتسابُ المجتمعي

أيها الإخوة المسلمون:
تُقاس الأممُ بعقولِ واهتمامات أبنائها وبناتها، وترتقي الدولُ بإنجازاتها وعطاءاتها، ويخلِّد التاريخُ أسماءَ من نفع البشريةَ بعلمه وفكره.
ولا توجد أمَّةٌ على مرِّ التاريخ قامتْ على أكتاف البطَّالين، واللاهين واللاهيات.
ويفخر المرءُ واللهِ عندما يقرأ تاريخَ أمَّتِنا المجيدةِ الحافلَ برجالٍ كالنجوم الساطعة، ونساءٍ كالدّرر اللامعة. فبمثل أولئك العظام، فُتِحت البلادُ وقلوبُ الأنام، وسقطت ألوية الكفر والظلام وبلغ هذا الدين مبلغ الليل والنهار.
[مَلكنـا هـذهِ الدنيا قُرونـا*وأخضَعَها جدودٌ خالـدونـا]
[وسطَّرنا صحائفَ من ضياءٍ* فما نسيَ الزمانُ ولا نسينـا]
[وما فتىءَ الزمانُ يدور حتى* مضى بالمجدِ قومٌ آخرونـا]
[وأصبحَ لا يُرى في الركبِ قومي* وقد عاشوا أئِمَّتَهُ سنينـا]
[بَنَينا حِقبةً فـي الأرض مُلْكـاً* يدعِّمهُ شبـابٌ طامحُونـا]
[شبابٌ ذَلَّـلوا سُبـُلَ المَعالي *وما عَرفوا سوى الإسلامِ دينا]
[شبـابٌ لـمْ تُحطِّمْهُ الليالي* ولمْ يُسلمْ إلى الخَصْمِ العرينا]
[ولم تشهدُهُمُ الأقداحُ يـوماً* وقـد مـلأوا نواديَهم مُجُونا]
[وما عرفوا الأغانِيَ مائعاتٍ* ولـكنَّ العُلا صِيغَتْ لُحُونا]
[فما عَرَفَ الخلاعَةَ في بناتٍ* ولا عَرَف التخنُّثَ في بنينا]
[كذلكَ أخرجَ الإسلامُ قومي* شباباً مُخلصاً حـرًّا أمـينا]
[تُرى هل يرجعُ الماضي؟ فإني* أذوبُ لذلكَ الماضيحنينا]
[وآلمنـي وآلـمَ كـلَّ حـرٍّ* سؤالُ الدهرِ: أين المسلمونا؟].
نعم، أين المسلمون الآن؟ وقد صار اللَّهْوُ والفسادُ عنوانًا ضخمًا لحال بعضِ مجتمعاتِنا بكلِّ أسفٍ.
أين المسلمون الآن؟ وقد ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
أين المسلمون الآن؟ وقد صرنا في سَنَوَاتٍ خَدَّاعَاتٍ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» رواه ابن ماجه وهو صحيح.
أين المسلمون الآن؟ وفيهم من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، كما قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
أيها الإخوة المسلمون:
لم يَدُرْ بِخَلَدِنا بُرْهَةً أنَّ فئةً من بني قومنا ترقص على جراح أحزاننا، ولم نصدقْ لحظةً أننا سنشاهد مقاطعَ مُخْزِيةً لأشباه رجالٍ، وربَّات حجالٍ، يتمايلون طَرَبًا ونَغَمًا مع الشياطين والسفهاء.
يا الله!يا أهلَ التوحيد والصلاة!
أهذا يحدثُ في بلاد الله، بلا دينٍ يمنع، ولا راعٍ يردع، ولا ناصحٍ يُسمع، ولا حياءٍ يُتَّبع.
والأعجب والأغرب: أن يُهانَ مَنْ يحْتسِب، وأن يُدانَ من ينصح، وأنْ يخوَّن الأمين، وأنْ تُلفَّق التُّهَم.
يا الله! جراحُ إخوانِنا في سوريا وبورما تسيل وتَنْزِف، وأعراضُ أخواتنا تُنتهك وتُستباح، بينما بعضُ رَبْعِنا بالغناء مشغولون، وبالرقص يتمايلون، وبالتُّراثِ يتشدَّقون، وبالباطل يصدحون، ولأهل الحقِّ يمنعون ويؤذون.
يا أمتي! مهلاً! لماذا لا يعود لنا مجدٌ أضعناه؟!
[وأصبحَ لا يُرى في الركبِ قومي* وقد عاشوا أئِمَّتَهُ سنينـا]
[وآلمنـي وآلـمَ كـلِّ حـرٍ*سؤالُ الدهرِ:أين المسلمونا؟]
يا إخواني المسلمين:
إذا كان أهلُ الشرِّ والإفسادِ يريدون شيوعَ الفاحشة وفشوَّ الرذيلة ونشرَ المنكر،
فنحنُ نحنُ أهلَ الخيرِ والصلاحِ!!
لماذا فينا سمَّاعون لهم؟
لماذا فينا مطبِّلون لهم؟
لماذا فينا مشجِّعون لهم؟
لماذا نكون أعوانًا للمنكر؟
لماذا نكون ظُهَراءَ للمجرمين؟ {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}.
لماذا نكون خُصَماءَ للخائنين؟ {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً}.
لماذا ندافع عن المفسدين؟ {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}.
يا قومي لماذا نكثِّر سوادَ الفسقةِ والعصاةِ؟ قال أحد السلف: "إنَّ من كثَّر سوادَ قومٍ في المعصية مختارًا فالعقوبة تلزمه".
ما الحلُّ أيها الإخوة؟ وما المطلوب منَّا أن نفعَلَه؟
الحلُّ يا مسلمون سهلٌ جدًّا، يتلخَّص في كلمةٍ واحدةٍ، هي:
"المقاطعة" مقاطعةُ هذه المنكرات تمامًا. {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً}.
هذا هو الاحتسابُ المجتمعي،
المجتمع ينبغي أن يقوم بدوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الذين يحضرون المنكر، ويغشون الزور، عليهم أن يتبوا إلى الله، وأن يقاطعوا هذه المِهْرَجاناتِ والاحتفالاتِ والمجمَّعاتِ إذا كان فيها منكرات،
لماذا؟ لأن الله يقول: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}،
وقال تعالى موجِّهًا الأمَّة كيف تتعامل مع المنكرات: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}.
يا مسلم يا عبد الله إذا رأيتَ منكرًا ماذا تفعل؟
افعلْ ما أمرك به رسولُ الله r:«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.
قال ابن رجبٍ~: "الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويَفُوتُ به إنكارُ الخطيئة بالقلب، وهو فرضٌ على كل مسلم، لا يسقط عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال".
يا مسلم: أضعفُ الإيمان إنكارُ القلب، وليس بعد إنكار القلب إيمان.
المسألة خطيرة، إن لم تنكرْ بقلبك، فتفارقْ أماكنَ المنكرات فأنتَ تعرِّض إيمانَك للخطر،
إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ، من هم؟ إنَّهم المنافقون والكافرون، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: "ولا يجوز لأحدٍ أن يحضر مجالسَ المنكر باختياره لغير ضرورة، ورُفِعَ لعمرَ بنِ عبدِ العزيزt قومٌ يشربون الخمر، فأمر بجلدهم فقيل له: إن فيهم صائمًا، فقال: ابدءوا به، أفما سمعتم الله يقول:{فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} فبيّن عمر بن عبد العزيز t أن حاضر المنكر كفاعله، هو شريكُ الفساق فيلحق بهم، ولهذا قال العلماء: إذا دُعِي إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر لم يجز حضورها، فمن حضر باختياره ولم ينكر فقد عصى الله ورسوله".
دَخَلَ النبيُّ r فَزِعًا على زوجه زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ t يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ!أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:«نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» متفقٌ عليه. اللهم لاتسخط علينا، اللهم لا تغضب علينا، اللهم ألهمنا رشدنا، وقِنا شرورَ أنفسنا ..
الخطبة الثانية

أخي المسلم أختي المسلمة:
يا من تغضبون لرؤية المنكرات والاختلاط والطرب والزمر وتخشون ربَّ البريَّات،
كونوا منكرين للمنكر حقيقةً،
ولا تكونوا سَلْبيِّين تجلسون للحوقلة والحسبلة، ونقلِ الرسائل فقط.
بل كونوا إيجابيين في أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر.
لماذا لا نخاطبُ المسؤولين، وكبارَ العلماء عن تغيير المنكرات؟
نحن نخاطب أنفسنا برسائل الجوال. هذا لا يكفي،
نريد الاحتسابَ المجتمعيَّ.
صدقوني سيتغيَّرُ المنكرُ بحول الله، وتبرأُ الذمَّةُ بإذن الله،
ولا يثبطَنَّكم الشياطين، يقولون: لن يتغيَّر شيءٌ،
الدولة وفَّقها الله تستجيب لكثرة الطلبات والفاكسات.
كنْ أيجابيًّا أخي المسلم وأختي المسلمة،قلْ خيرًا، واكتبْ خيرًا، اكتبْ مثلًا:

أيها المسؤول الموقَّر: أرفع إلى سموِّكم أو معاليكم أو فضيلتكم ما رأيناه ورآه الناس من منكراتٍ واختلاطٍ وتبرُّجٍ وسفورٍ وغناءٍ وطربٍ وزَمْرٍ وكذا وكذا في مكانِ كذا، ولا يخفى عليكم ما في هذا المنكر الظاهر من محادَّةٍ صريحةٍ لله ولرسوله r، ومن مخالفةٍ واضحةٍ لنظام ودستور هذا البلد المسلم. وأنتم ملاذُنا بعد الله في استتباب أمننا في ديننا وفكرنا ووطننا، فنأمُل منكم وفقكم الله أن تسعوا حثيثًا إلى إزالة هذه المنكرات؛ لئلا تَحُلَّ بنا العقوباتُ بسكوتنا عليها، وكيف نسكت وبلادنا بلادُ التوحيد وقبلةِ المسلمين، بل إنَّ ولاةَ أمرنا لهم الفضل بعد الله U في إنكار المنكرات ودعم الهيئات، ونحن نرفع ذلك براءةً للذمَّة وتذكيرًا بالمسؤولية. والله يحفظكم ويرعاكم
ابنكم المخلصُ لدينه المحبُّ لوطنه

يا عباد الله: لسنا نريد بهذا تهييجًا وتأليبًا وتشغيبًا، لا والله،
بل نريد إرضاءَ الله، والذودَ عن حُرُماتِ الله، نريد تحذير الناس من هذه المخاطر، نريد لهذا البلد الخيرَ والأمنَ والصلاح: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
اكتبْ يا أخي لمن تستطيعُ أنْ تُوصِلَ له رسالتك أو برقيتك،
اكتبْ، أليس هذا بلدَك؟
أليس من حقِّك أن تعيش فيه بسلامٍ وإسلامٍ؟
ألسنا في سفينةٍ واحدة؟
هل يُسْعِدُك أن تغرقَ سفينتُنا بسكوتنا عن المنكرات؟
إذًا فأين غيرتك؟ أين دينك؟ أين احتسابك؟ أين وطنيتك؟ أين نصيحتك؟
قال r: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم.
وقال r: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» رواه البخاري.
المشاهدات 2994 | التعليقات 3

رابط المقال في لجينيات (خلاصة الخطبة):


http://lojainiat.com/main/Content/الاحتسابُ-المجتمعي


رابط الخطبة صوتيًا في اليوتيوب


http://www.youtube.com/watch?v=V_2J_PBYw7M


جزاك الله خيرا