الاحترازاتُ وفتحُ العمرةِ والمنصةُ المدرسية ( مشكولة بالمقدمات)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/02/14 - 2020/10/01 11:17AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ e أَمَّا بَعْدُ:

فبَعْدَ سبعةِ أشهرٍ منَ الانتظارِ المُمِضِّ، والضَنَى المُمْرِضِ فَتَحَ الله – بفضلهِ– بابَ العمرةِ والصلاةِ بالمسجدِ الحرامِ. فاللهم ارزُقنا فيهِ نُسُكًا بعد نُسُكٍ، وصلواتٍ وطوافاتٍ.

والسؤالُ المطروحُ: لماذا أُغلِقَ الحرمُ، وكيفَ فُتِحَ؟

والجوابُ كلُّنا نعرفُهُ، لكنْ ليَكُنْ مِنَّا على بالٍ، فقدْ أَغلَقَه وُلاةُ أمرِنا – وفَّقهم اللهُ- احترازًا، وحفظًا لصِحةِ الإنسانِ، ورعايةً لمصلحةِ المسلمينَ في الأوطانِ.

وأما كيفَ فُتِحَ؟ فقدْ فُتحَ الحَرَمانِ وقَبْلَهما المساجدُ عامةً بحذَرٍ وبعضِ حظْرٍ، وقد التزَمَ الناسُ أسابيعَ مُنضبِطينَ محترزِينَ، ولكنهمْ في الآونةِ الأخيرةِ تهاوَنُوا، فكانَ أنْ تَزايَدَتِ الأعدادُ العالميةُ – نسألُ اللهَ أن يَحفظَ المسلمينَ سالمينَ- فالحذرَ الحذرَ معاشرَ المُصلينَ والمُتسوقينَ والمُداوِمينَ والمُجتمعينَ والمُسافرينَ والمُعتمرينَ. والتزِمُوا بالتعليماتِ، ولازِمُوا الكماماتِ، واحترِزوا من المُصافَحاتِ، واجتنبوا التجمعاتِ.

وأهمُّ من ذلكَ كلِه وأَولَى منهُ أن نَرجعَ إلى ربِّنا، ونتوبَ إليه، فقد طالَ أمَدُ كورونا، فقارَبتْ تسعةَ أشهرٍ، نسألُ اللهَ ألا يُطيلَ علينا شدةً، وأن يُزِيلَها.

ولنَتذكرْ هَهنا آيةً تُلِيَتْ علينا مرارًا، ألا وهيَ قولُ مَولانا ومُولِينا: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42] أتدرِيْ ما البأساءُ؟ وما الضراءُ؟

("البأساءُ" الضيقُ في المعيشة "والضراءُ" هيَ الأمراضُ في الأجسامِ)([1]).

وربُّنا يُريدُنا أن نَتضرعَ. أتدريْ ما التضرعُ؟

التضرعُ أن تَتعرضَ بدعاءِ الذي إذا لم يُسألْ يَغضبْ.

التضرعُ أن تَتذللَ وتخضعَ لمن لا يكشفُ الضُرَ إلا هوَ.

التضرعُ أن تَمُدَ يديكَ مضطرًا كفعلِ الغريقِ.

قَالَ حُذَيْفَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ ([2]).

أيُها المسلمونَ: ولنتأملْ سرًا عجيبًا سنشهدُه أيامَنا القادمةَ، ألا وهوَ فتحُ بابِ العمرةِ تدريجيًا واحترازيًا، حيثُ النفوسُ متلهفةٌ، والقلوبُ متلهبةٌ؛ لترى بيتَ اللِه عِيانًا، وتطوفَ بكعبةِ اللهِ وجدانًا وأبدانًا. فهل تأملتُمْ -معاشرَ المصلينَ-: ما سرُ انجذابِ النفوسِ لهذا البيتِ العتيقِ، ولهذهِ الكعبةِ التي:

لَا يَرْجِعُ الطَّرْفُ عَنْهَا حِينَ يَنْظُرُهَا ... حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا الطَّرْفُ مُشْتَاقا

اسمع للجوابِ بكلامٍ قيمٍ لابنِ القيمِ –رحمهُ اللهُ-: (هَذَا كُلّهُ سِرُّ إضَافَتِهِ إلَيْهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: {وَطَهّرْ بَيْتِيَ}.. وَقَدْ ظَهَرَ سِرّ هَذَا التّفْضِيلِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي انْجِذَابِ الْأَفْئِدَةِ لِهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فَجَذْبُهُ لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ جَذْبِ الْمِغْنَاطِيسِ لِلْحَدِيدِ؛ وَلِهَذَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّهُ مَثَابَةٌ لِلنّاسِ أَيْ يَثُوبُونَ إلَيْهِ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَعْوَامِ مِنْ جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا بَلْ كُلّمَا ازْدَادُوا لَهُ زِيَارَةً ازْدَادُوا لَهُ اشْتِيَاقًا . فَلَلّهِ كَمْ أُنْفِقَ فِي حُبِّهِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَرْوَاحِ وَرِضَى الْمُحِبّ بِمُفَارَقَةِ فِلَذِ الْأَكْبَادِ وَالْأَهْلِ وَالْأَحْبَابِ وَالْأَوْطَانِ مُقَدّمًا بَيْنَ يَدَيْهِ أَنْوَاعَ الْمَخَاوِفِ وَالْمَتَالِفِ([3]). (فلا الوِصالُ يَشفِيهِمْ، ولا البِعادُ يُسلِيهِم.. ولو أمْكَنَهُمْ لَسَعَوْا إليْهَا عَلى الجُفُونِ والأحْدَاقِ.

أطوفُ به والنفسُ بعد مَشُوقةٌ ... إليه وهل بعدَ الطوافِ تَدَاني

فوَاللهِ ما أزدادُ إلا صَبَابةً ... ولا القلبُ إلا كثرةَ الخفقانِ

أتاك على بُعْد المزار ولو وَنَت ... مطيَّته جاءت به القدَمان([4])

الحمدُ للهِ رَبِّ العالمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى خيرِ خَلْقِ اللهِ أجمَعِيْنَ، ورضيَ اللهُ عَنْ صَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ، أما بعدُ: فبعدَ مُضيِ شهرٍ على فَتْحِ هذهِ البوابةِ الالكترونيةِ المُسماةِ بـ:"منصّةِ مدرستيَ" التي استوعبتْ قرابةَ ستةِ ملايينَ، ما بينَ متعلمٍ ومعلمٍ وموظفٍ. بعدَ هذا الإنجازِ الضخمِ كلِه إليكمْ ثلاثَ رسائلَ شُكر:

شكرًا للإداراتِ التعليميةِ، التي خصصتْ وقتًا بينَ الحصصِ لصلاةِ الطلابِ بالمساجدِ لا بالبيوتِ، فقد استَشْعَروا مَقامَ التربيةِ مع مَقامِ التعليمِ.

شكرًا للأمهاتِ اللواتيْ رابطْنَ كرباطِ المجاهدينَ في الثغورِ، فتابعْنَ المنصةَ لدراسةِ صِبيانِهن، وقُمنَ بحقِ أزواجهِن، وربما كنَّ موظفاتٍ، فزادَ العِبءُ عِبئًا. فاللهم اجزهِنّ خير الجزاءِ، وبارِك في بيوتِهنّ وتربيتِهنّ، وفي أوقاتِهنّ وأولادِهنّ وأزواجِهنّ.

ويا أيُها الأزواجُ: أعينوهنّ وأريْحُوهُنّ، ولا تُرهقوهنّ بكثرةِ الضيافةِ، أو الطلباتِ، فهذه الفترةُ حرجةٌ ومضغوطةُ المَهامِ.

شكرًا للمعلمينَ والمعلماتِ الذين تعانَوا أولَ الأمرِ، ثم تعاوَنوا في رفعِ المستوى التعليميِ، والتعويضِ بقدرِ المستطاعِ عما نَقصَ في التعليمِ عن بُعدٍ، ولم يَكتفُوا بمجردِ الإلقاءِ والسردِ، بل يُحاوِرُونَ ويُناقِشونَ، وببعضِ الواجباتِ يُكلِّفونَ، وبالوسائلِ يُوضِّحونَ، وبأوقاتِهم يُضحُّونَ.

  • اللهم سدِّد مَشاعِلَ التعليمِ وأيِّدْهُم بتأييدِكَ.
  • اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا، ويسِّرْ على كل والدٍ تعليمَ أولادهم، واجعلْ عامَنا خيرَ عامٍ.
  • اللهم احفظْ دينَنا وأمنَنا وتعليمَنا وصحتَنا وحدودَنا.واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا،واقتصادَنا وعتادَنا.
  • اللّهُمّ أَنْتَ ثِقَتُنا، وَأَنْتَ رَجَاؤنَا. عَزّ جَارُكَ، وَجَلّ ثَنَاؤُكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ.
  • اللّهُمّ اكْفِنا مَا أَهَمّنا، وَمَا لَا نهْتَمُّ لَهُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّا. وَوَجِّهْنا لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجّهْنا.
  • اللهم وفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. واجزهم خيرًا على ما يبذلون لمصلحة الإسلام، ولخدمة المسلمين.
  • اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ. وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

 

([1])تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/ 354)

([2])حلية الأولياء" (1/ 274)

([3])زاد المعاد - (1/ 47 - 52)

([4])بدائع الفوائد ط عالم الفوائد (2/ 462)

المرفقات

الاحترازات-وفتح-العمرة-والمنصة-المدر

الاحترازات-وفتح-العمرة-والمنصة-المدر

الاحترازات-وفتح-العمرة-والمنصة-المدر-2

الاحترازات-وفتح-العمرة-والمنصة-المدر-2

المشاهدات 1455 | التعليقات 0