الاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ 17 رمضان 1434ه

محمد بن مبارك الشرافي
1434/09/15 - 2013/07/23 14:23PM
الاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ 17 رمضان 1434ه

الْحَمْدُ للهِ الذِي وَفَّقَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ ، وَشَرَحَ صُدُورَ أَوْلِيَائِهِ لِلإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالآيَات ، وَيَسَّرَ لَهُمْ مَنَ الأَعْمَالِ مَا يَتَبَوَّؤُونَ بِهِ مَنَازِلَ الْجَنَّات ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا لَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَات ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْدَاهُ مِنَ الإِنْعَامِ وَالْبَرَكَاتِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَرْجُو بِهَا رَفِيعَ الدَّرَجَات ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الآيَاتِ , صَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْهِمَمِ الْعَالِيَات ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فَإِنَّ بِتَقْوَاهُ تَحْصُلُ البَرَكَاتُ ، وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَتِهِ فَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ اجْتَهَدَ فِي الطَّاعَات ، وَخُصُّوا هَذَا الشَّهْرَ الْعَظِيمَ بِمَزِيدِ العَمَلِ وَالإِكْثَارِ مِنَ الْحَسَنَات ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ بِرِّهِ فَإِنَّ للهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَات !
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ (آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ) فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ : آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ؟ قَالَ (إِنَّ جِبْرِيلَ آتَانِي فَقَالَ : مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغَفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ آمِينَ فَقُلْتُ : آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ ، أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ , قُلْ : آمِينَ , قُلْتُ : آمِينَ ) رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلْبَانِيُّ : حَسَنٌ صَحِيح .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ آذَنَ بِالرَّحِيلِ وَهَا نَحْنُ قَدْ قَرُبْنَا دُخُولِ عَشْرِهِ الأَخِيْرِ , وَهِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلاقِ , لِأَنَّ فِيهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ التِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر , وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ يَخُصُّ هَذِهِ الْعَشْرَ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ وَشَدِيدِ اجْتِهَادٍ ! فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا . رَوَاهُ مُسْلِم .
وَعَنْها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَيْ : اَلْعَشْرُ اَلْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ , شَدَّ مِئْزَرَهُ , وَأَحْيَا لَيْلَهُ , وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ,,, فَأَيْنَ الْمُقْتَدُونَ بِنَبِيِّهِمْ ؟ وَأَيْنَ الطَّالِبُونَ لِرِضَا رَبِّهِمْ ؟ وَأَيْنَ الْمُغْتَنِمُونَ بَقِيَّةَ أَعْمَارِهِمْ ؟
إِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ عَرَفُوا لِأَيَّامِ رَمَضَانَ مَنْزِلَتَهَا وَلِأَوْقَاتِهِمْ أَهَمِّيَّتَهَا فَسَارَعُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ وَاجْتَهَدُوا فِي الطَّاعَاتِ , عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : أَمَرَ عُمُرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , أُبَيَّ بْنَكَعْبٍ وَتَمِيمَاً الدَّارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ فِي رَمَضَانَ , فَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُبِالْمِئَينِ , حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُوْلِ الْقِيَامِ , وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ !
وَهَذَا قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي سَنَتِهِ كُلَّ سَبْعِ لَيَالٍ , فَإذَا دَخَلَ رَمَضَانُ خَتَمَهُ كُلَّ ثَلاثٍ , فَإِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ خَتَمَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ! وَهَذَا الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحَمِهُ اللهُ كَانَ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، يَجْتَمِعُ إِلَيْهِأَصْحَابُهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرِينَ آيَةٍ ، وَكَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ . وَكَانَ يَقْرَأُفِي السَّحَرِ مَا بَيْنَ النِّصْفِ إِلَى الثُّلُثِ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَيَخْتِمُ عِنْدَ الإِفْطَارِ كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَقُولُ: عِنْدَكُلِّ خَتْمَةٍ , دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ! فَهَذَا اجْتِهَادُهُمْ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ , فَكَيْفَ إِذَّا حَلَّتْ عَلَيْهِمُ الْعَشْرُ الْمُبَارَكَاتُ ؟؟؟ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِالاعْتِكَافِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ , ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَالْحِكْمَةُ مِنَ الاعْتِكَافِ : التَّفَرُّغُ التَّامُّ لِعِبَادَةِ اللهِ وَالأُنْسُ بِهِ وَالانْقِطَاعُ عَنِ الدُّنيَا وَشَوَاغِلِهَا , وَالتَّفَرُّغُ لِذِكْرِ اللهِ وَدُعَائِهِ !
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمُسْلِمُ هَذِهِ الْعَشْرَ كُلَّهَا , وَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ , وَلا يَخْرُجُ إِلَّا عِنْدَ اكْتِمَالِ الشَّهْرِ وَذَلِكَ بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّلاثِينَ أَوْ بِرُؤْيَةِ هَلالِ شَوَّال !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : وَاعْلَمُوا أَنَّ الاعْتِكَافَ هُوَ التَّعَبُّدُ للهِ بِلُزُومِ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللهِ !
وَعَلَيْهِ : فَيُلازِمُ الْمَسْجِدَ تَمَامَاً حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الاعْتِكَافِ , وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ : فَمِنْهُ جِائِزٌ , وَمِنْهُ مَمْنُوعٌ , وَمِنْهُ جَائِزٌ بِالشَّرْطِ , وَمَمْنُوعٌ بِدُونُ الشَّرْطِ !
فَأَمَّا الْخُرُوجُ الْجَائِزُ : فَهُوَ الْخُرُوجُ لِمَا لابُدَّ مِنْهُ حِسَّاً أَوْ شَرْعَاً , كَأَنْ يَخْرُجَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ أَوْ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ , أَوِ الْخُرُوجُ لِلاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ أَوْ لحُضُورِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ اعْتِكَافُهُ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ !
وَأَمَّا الْخُرُوجُ الْمَمْنُوعُ : فَهُوَ خُرُوجُهُ لِمَا يُنَافِي الاعْتِكَافَ كَخُرُوجِهِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد) ! وَلَوْ حَصَلَ مِثْلُ هَذَا الْخُرُوجِ بَطُلَ اعْتِكَافُهُ !
وَأَمَّا خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ الذِي يَجُوزُ إِذَا اشْتَرَطَهُ فَهُوَ : خُرُوجُهُ لِحَاجَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا وَلا يَلْحَقُهُ كُلَفَةٌ بِتَرْكِهَا , كَالْمَبِيتِ فِي بَيْتِهِ , وَزِيَارَةِ مَرِيضٍ مُعَيَّنٍ , وَشُهُودِ جَنَازَةٍ مُعَيَّنَةٍ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِ مَعَانِيهِ ! وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَتَّخِذِ لَهُ مَكَانَاً خَاصَّاً إِمَّا خَيْمَةً صَغِيرَةً أَوْ حُجْرَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا بِشَرْطِ أَنْ لا يُضَيِّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ !
وَيَجُوزُ أَنْ يَزُورَ الْمُعْتَكِفَ أَهْلُهُ كَمَا حَصَلَ مِنْ زِيَارَةِ بَعْضِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ لَهُ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ !
وَلَكِنْ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ يَجْعَلَ الْمَسْجِدَ دِيوَانِيَّةً لِلزُّوَّارِ وَمَكَانَاً لِاسْتِقْبَالِ الضُّيُوفِ , أَوْ مَحَلاًّ لِلتَّجَمُّعَاتِ وَتَبَادُلِ الْحَدِيثِ , فَإِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَقْصُودِ الاعْتِكَافِ !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِاللهِ وَتَفَرُّغَهُ لِطَاعَتِهِ , وَانْقِطَاعِهِ مِنَ الدُّنيَا وَشَهَوَاتِهَا وَمُلْهِيَاتِهَا , لَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ صَلاحِ الْعَبْدِ , وَمِنْ أَكْبَرِ مَا يَجْلِبُ لَهُ السَّعَادُةَ وَالأُنْسَ فِي هَذِهِ الدُّنيَا التِي جُبُلَتْ عَلَى الْكَدَرِ وَالتَّنْغِيصِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ ، لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ , تَفَرَّدَ بِالْكِبْرَيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت , وَالصَّلاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ طَلَبَاً لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ , التِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ , وَالتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ , وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ لَيْلَةً مُعَيَّنَةً مِنْهُ بَلْ تَتَنَقَّلُ , فَقَدْ تَكُونُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ , وَقَدْ تَكُونُ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ , وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَهُمَا ! وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي الاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ كُلِّهَا , وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَطْعَاً يُصِيبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَيَكْسِبُ أَجْرَهَا !
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُهَا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا !
ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَبْدَأُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَتَنْتَهِي بُطُلُوع ِالْفَجْرِ !
وَلَيْسَ لَهَا عَلامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُعْرَفُ بِهَا قَطْعَاً , لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الأَمَارَاتِ عَلَيْهَا , كَأَنْ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ فِي الْمَنَامِ , وَأَنَّ لَيْلَتَهَا تَكُونُ صَافِيَةً , وَيَجِدُ الْمُؤْمِنُ انْشِرَاحَاً فِي صَدْرِهِ لِلْعِبَادَةِ , وَأَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا !
وَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ بِلَيْلِةِ الْقَدْرِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ وَلا سِيَّمَا بِقَوْلِ : اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ, مَا أَقُولُ فِيهَا ? قَالَ (قُولِي : اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ, وَالْحَاكِمُ ,
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللهِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ , وَاجْتَهِدُوا فِيهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ! وَاحْرِصْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا فَيُضَاعَفُ لَكَ , كَمَا لَوْ عَمِلْتَ فِي أَلْفِ شَهْرٍ ! أَيْ مَا يَزِيدُ عَلَى 83 سَنَة !!!
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ ( إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ . وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ . وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مُحْرُومٌ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ اشْرَحْ صُدُورَنَا لِطَاعَتِكَ وَأَعِنَّا عَلَى أَنْفُسِنَا الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ ,اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ! اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى إِتْمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الوَجْهِ الذِيْ يُرْضِيكَ عَنَّا , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً يَارَبَ العَالَمِينَ !
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا , وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا , وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ , وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الْغَلا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلازِلَ وَالْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن .
اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ , اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ , إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين !
المرفقات

الاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ 17 رمضان 1434هـ.doc

الاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ 17 رمضان 1434هـ.doc

المشاهدات 4176 | التعليقات 6

خطبة ممتازة حقًّا ، بارك الله في علمك و قلبك ولسانك .


جزاك الله خير.


جزاك الله كل خير ونفع بعلمك
ووفقنا جميعا لقيام ليلة القدر وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته


جزاك الله خير


جزاك الله خيرا .... ياليت يا شيخ نخص اخواننا في الشام بالدعاء ,


خطب الشيخ محمد دائما تلاقي إعجابا وتجد لها رواجا والناس شهداء الله على خلقه وفي أرضه كتب ربي أجر الشيخ محمد وجزيتمفضلا ورحمة على تفاعلكم ورفعكم لهمم بعض بالتفاعل والمشاركة والتعليق