الابْتِلاءُ وطُرقُ التَّعَامُل مَعَه

سلطان الحصين
1442/12/06 - 2021/07/16 12:00PM
الابْتِلاءُ وطُرقُ التَّعَامُل مَعَه

الحَمْدُ للهِ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ خَبَرًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُه، فَنِعَمُهُ عَلَيْنَا تَتْرَى، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيَّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خُصَّ بِالمُعْجِزَاتِ الكُبْرَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أَمَّا بَعْدُ:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[سورة آل عمران:102]

أَيُّهَا المُسْلِمُون: شَرُّ مَا مُنِيَتْ بِهِ النُّفُوسُ يَأْسٌ يُمِيتُ القُلُوبَ، وَقَنُوطٌ تُظْلِمُ بِهِ الدُّنْيَا وَتَتَحَطَّمُ مَعَهُ الآمَالُ، إِنَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَصَائِبَ وَرَزَايَا وَمِحَناً وَبَلَايَا، آلَامٌ تَضِيقُ بِهَا النُّفُوسُ، وَمُزْعِجَاتٌ تُورِثُ الخَوْفَ وَالجَزَعَ، كَمْ تَرَى مِنْ شَاكٍ، يَشْكُو عِلَّةً وَسَقَماً، أَوْ حَاجَةً وَفَقْراً

تِلْكَ هِيَ الدُّنْيَا، تُضْحِكُ وَتُبْكِي، وَتَجْمَعُ وَتُشَتِّتُ، شِدَّةٌ وَ رَخَاءٌ، وَسَرَّاءٌ وَضَرَّاءٌ، دَارُ غُرُورٍ لِمَنِ اغْتَرَّ بِهَا، وَهِيَ عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ بِهَا، قال الله تعالى:   ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[سورة الحديد:23]، تَتَنَوَّعُ فِيهَا الابْتِلَاءَاتُ وَأَلْوَانُ الفِتَنِ، وَيُبْتَلَى أَهْلُهَا بِالمُتَضَادَّاتِ وَالمُتَبَايِنَاتِ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾[سورة الأنبياء:35]

وَعِندَ اسْتِحْكَامِ الأَزَمَات، وَتَرَادُفِ المَصَائب، فَلَا مَخْرَجَ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِالله، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَحُسْنِ الصَّبْرِ، والتَّوْبة من الذُّنُوب والمَعَاصي، ولُزُوم الاستغفار، ذَلِكَ هُوَ النُّورُ العَاصِمُ مِنَ التَّخَبُّطِ، وَهُوَ الدِّرْعُ الوَاقِي مِنَ اليَأْسِ وَالقُنُوطِ

إِنَّ مَنْ آمَنَ بِالله، وَعَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنيا ووَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى احْتِمَالِ المَكَارِهِ وَوَاجَهَ الأَعْبَاءَ مَهْمَا ثَقُلَتْ، وَحَسَّنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ، وَأَمَّلَ فِيهِ جَمِيلَ العَوَاقِبِ وَكَرِيمَ العَوَائِدِ، كُلُّ ذَلِكَ بِقَلْبٍ لَا تَشُوبُهُ ريبَةٌ، وَنَفْسٍ لَا تُزَعْزِعُهَا كُرْبَةٌ، مُسْتَيْقِناً أَنَّ بَوَادِرَ الصَّفْوِ لَا بُدَّ آتِيَةٌ: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾ [سورة آل عمران:186]

.قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؛ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى المَرْءُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ»، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

أَيُّهَا المُؤْمِنُون: يَحْصلُ الابتلاءُ في الأمْوَال والأرزاق بسَبب الذُّنُوب من ظُلْم وَأَكْل للْحَرام وانتهاكٍ للمَحَارم وإسرافٍ وبَذَخٍ وخُيَلاء، فما نَتِيجةُ ذلك؟ قَلَّت الرَّوَاتبُ وارْتَفَعَت الأسْعَارُ، فالله يُمْهلُ ولا يُهْملُ، فَعنْدَما تُكْفَر النِّعَمُ ويَظْهَر في الأُمَّة السَّـَرف والبَذَخُ وكُفْرُ النِّعَم؛ فإن الله يَبْتَلي بقِلَّة الأرزاق وارْتفاع الأسْعَار

.والدَّوَاء هو: التَّوبةُ ولُزُوم الاسْتِغْفَار والْعَوْدةُ والأوْبَةُ إلى الله، والاصطلاحُ مع الخَالق جَلَّ وعلا، والتَّقَرُّب إليْه بمَا يُحبُّ، وتَجَنُّب مَسَاخِطه سُبْحانه

.إِنَّ المُؤْمِنَ الوَاثِقَ لَا يَفْقِدُ صَفَاءَ العَقِيدَةِ وَنُورَ الإِيمَانِ، وَإِنْ هُوَ فَقَدَ مِنْ صَافِيَاتِ الدُّنْيَا مَا فَقَدَ، أَمَّا الإِنْسَانُ الجَزُوعُ فَإِنَّ لَهُ مِنْ سُوءِ الطَّبْعِ مَا يُنَفِّرُهُ مِنَ الصَّبْرِ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ مَسَالِكَ الفَرَجِ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ ناَزِلَةٌ أَوْ حَلَّتْ بِهِ كَارِثَةٌ

.فَاتَّقُوا اللهَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ وَاصْبِرُوا، وَاثْبُتُوا، وَأَمِّلُوا، وَلَا تُطْغِيَنَّكُمُ الصِّحَّةُ وَالثَّرَاءُ، وَالعِزَّةُ وَالرَّخَاءُ، وَلَا تُضْعِفَنَّكُمُ الأَحْدَاثُ وَالشَّدَائِدُ، فَفَرَجُ اللهِ آتٍ وَرَحْمَتُهُ قَرِيبَةٌ مِنَ المُحْسِنِينَ

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوْءِ القَضَاء، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاء، وَنَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الحَقِّ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالقَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى، وَأَحْسِنِ اللَّهُمَّ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ﴾[سورة فاطر:2-3].

.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

الخطبة الثانية

:الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا، وبعد

أيها المُسْلمون: إِنَّ أَيَّ مَخْلُوقٍ مَهْمَا بَلَغَ مِنْ عِزٍّ أَوْ مَنْزِلَةٍ فَلَنْ يَسْتَطِيعَ قَطْعَ رِزْقٍ، أَوْ رَدَّ مَقْدُورٍ، أَوِ انْتِقَاصٍ مِنْ أَجَلٍ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾[سورة الروم:40]

وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ رضي الله عنه مَرْفُوعاً: «إِنَّ مِنْ ضَعْفِ اليَقِينِ؛ أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ، وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللهِ، وَأَنْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللهُ، إِنَّ رِزْقَ اللهِ لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا تَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ، وَإِنَّ اللهَ بِحِكْمَتِهِ جَعَلَ الرُّوحَ وَالفَرَحَ فِي الرِّضَى وَاليَقِينِ، وَجَعَلَ الهَمَّ وَالحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ» أخرجه الطبراني

.أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ: هَذِهِ هِيَ حَالُ الدُّنْيَا، فَعَلَامَ الطَّمَعُ وَالهَلَعُ؟ وَلِمَاذاَ الضَّجَرُ وَالجَزَعُ؟! «إِنَّ أَمْرَ المُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْر، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا للِمُؤْمِن»، أخرجه أحمد
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّسُولِ المُصْطَفَى وَالنَّبِيِّ المُجْتَبَى امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّكُمْ حَيْثُ قَالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب:56]،  اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَشَفِيْعِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى التَّابِعِيْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين، وَعَنَّا مَعَهُم بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين

 

___

 

المرفقات

1626436818_الابتلاء وطرق التعامل معه.docx

1626436819_الابتلاء وطرق التعامل معه.pdf

المشاهدات 659 | التعليقات 0