الابتزاز*

محمد محمد
1446/05/26 - 2024/11/28 06:00AM

الابتزازُ-27-5-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

فَتَاةٌ فِي عُمُرِ الزُّهُورِ، لَهَا قَلبٌ طَيِّبٌ كَالعُصفُورِ، ظَنَّتْ أَنَّهَا تَعيشُ قِصَّةَ حُبٍّ طَاهِرٍ، ثُمَّ اكتَشَفَتْ أَنَّهَا فِي شِباكِ ثَعلَبٍ مَاكِرٍ، وَبَعدَ أَن كَانَ يَعِدُهَا بِالزَّواجِ والحَياةِ الكَريمَةِ، بَانَ لَهَا بَعدَ الفوتِ الحَقِيقَةُ الأَليمةُ، فَهِيَ بَينَ التَّهديدِ بالصُّوَرِ والرَّسَائلِ، وبَينَ الابتِزازِ بِأَحقَرِ وأخبَثِ الوَسائلِ، فَكَيفَ لَهَا الخُروجُ مِن هَذهِ المأسَاةِ؟

شَابٌّ قَد وَقَعَ مِنهُ مَا وَقعَ، ثُمَّ إنَّه عَن طَريقِ الخَطيئةِ رَجَعَ، وَلَكِن ما زَالتْ لَهُ عِندَ بَعضِ الشَيَاطينِ ذِكرَياتٌ، ولا يُحِبُّونَ أَن يَروهُ سَابِقًا لَهُم إلى الخَيرَاتِ، فَهُو بَينَ بَقَايا وَثَائقَ قَابِلَةٍ للتشهيرِ والانتشارِ، وبَينَ الابتِزازِ بِالمَالِ والفَضِيحَةِ والعَارِ، فَكَيفَ لَهُ الخَلاصُ مِن هَذهِ المُصيبَةِ؟

هَذهِ بَعضُ صُوَرِ الابِتِزَازِ، وهَؤلاءِ هُم بَعضُ الضَّحَايَا، ومَا خَفِيَ كَانَ أَعظَمُ وأَثقَلُ عَلى اللِّسَانِ، فَكَم في قَصَصِ الابتِزَازِ مِن مَآسٍ وأَحزَانٍ، وفيها وقفاتٌ:

أَولاً: إنَّ انتِشَارَ الابتِزَازِ فِي مُجتَمعٍ مِنَ المُجتَمَعاتِ، دَليلٌ عَلى وُجودِ بَعضِ الأَخطَاءِ والمُخَالفَاتِ، التي تقدحُ في الشَّرَفِ والأَمَانَاتِ، فَهِيَ آثارٌ وبَقَايا لِمَا كَانَ يَحدثُ في الخَفَاءِ مِن مَعَاصي ومُنكَراتٍ، فَالحَذَرَ مِن التَّسَاهلِ فِي العَلاقاتِ المُحَرَّمَةِ، والانتِبَاهَ مِن الوُقُوعِ في المُعَاملاتِ المُجَرَّمَةِ، فَقَد يَكونُ التَّساهلُ بنَظَرِ اللهِ-تَعالى-والتَّمَادي في الباطلِ، هُو سَببُ تَسَلُّطِ هَذا الظَّالمِ المُجرِمِ السافلِ، (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).

ثَانيًا: لا يُلامُ مُخْطِئٌ ولا يُثَرَّبُ عليهِ بَعَدَ أَن وَقعَ الفَأسُ فِي الرَّأسِ، وَلَكنْ يقالُ: انتَبِهوا مِنَ المَعصِيَةِ فَإنَّها شَدِيدَةُ البَّأسِ، يَقُولُ محمدُ بنُ القَيِّمِ-رَحِمَهُ اللهُ-: "إنَّ المَعصِيةَ تُورِثُ الذُّلَّ وَلا بُدَّ؛ فَإنَّ العِزَّ كُلَّ العِزِّ في طَاعَةِ اللهِ-تَعَالى-، قَالَ-تَعَالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)، أَيْ: فَليَطْلِبهَا بِطَاعَةِ اللهِ، فَإنَّهُ لا يَجِدُهَا إلا في طَاعَتِهِ، وَكَانَ مِن دُعَاءِ بَعضِ السَّلَفِ: اللهمَّ أَعِزَّني بِطَاعَتِكَ، ولا تُذِلَّني بِمَعصيتِكَ"، فَغَالبُ حَالاتِ الابتِزازِ: مَعصيَةٌ سَبَقَتْ فَأَذَلَّتْ.

ثَالِثًا: إليكَ يَا مَنْ تَعَرَّضتَ لِلابتِزَازِ: إيَّاكَ أَن تَستَسلَمَ لِطَلَباتِ ذَلِكَ المُجرمِ الذي لا خَلاقَ لَهُ، فإنَّكَ سَتَدخُلُ فِي بَحَرٍ مُظلِمٍ لا سَاحَلَ لَهُ، وَلَكِن اتَّصِلْ مُباشَرةً عَلى الرَّقمِ المُوحَّدِ لِمُكَافحَةِ الابتِزَازِ، فَإنَّكَ سَتَجِدُ-بإذنِ اللهِ-السِّريَّةَ في التَعَاملِ، والدَّعمَ المُنَاسبَ، وَمَن صَدَقَ وأَصلَحَ فاللهُ وليُهُ ومولاهُ، فاللهُ (يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)، واسمَعُوا لِمَن كَادَ أَنْ يُقتَلَ بِسَببِ الابتِزَازِ ونَجَّاهُ اللهُ (وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)، كَانَ مَرْثَدُ بنُ أبي مَرْثَدٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-يَحْمِلُ الْأَسْرَى مِن مَكَةَ حَتَى يَأتيَ بهِمُ المدينةَ، وَكَانَتِ امرأةٌ بَغِيٌّ-زانيةٌ-بـمكةَ يُقالُ لها عَنَاقٌ، وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ فِي الجَاهِليَّةِ، وَكَانَ قَد وَعَدَ رَجُلًا مِن أُسَارَى مَكَةَ أنْ يَحْمِلَهُ، قَالَ: "فجِئْتُ حتى انْتَهَيْتُ إلى ظِلِّ حَائِطٍ من حَوَائِطِ مَكَةَ في لَيلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بجَنْبِ الحَائطِ، فلما انْتَهَتْ إلَيَّ عَرَفَتْني، فَقَالَتْ: مَرْثَدٌ، فَقُلتُ: مَرْثَدٌ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وأَهْلًا، هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنا الليلةَ، قُلتُ: يَا عَنَاقُ، حَرَّمَ اللهُ الزِّنَا، قَالَتْ: يَا أَهْلَ الخِيَامِ، هَذَا الرَّجلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ، قَالَ: فتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ، وَسَلَكْتُ الخَنْدَمَةَ (جبلًا  في مكةَ)، فانْتَهَيْتُ إلى كَهْفٍ أو غَارٍ فَدَخَلْتُ، فَجَاؤوا حَتَى قَامُوا عَلَى (فوقَ) رَأْسِي، وأَعْماهُمُ اللهُ عَنِّي، قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا ورَجَعْتُ إلى صَاحِبِي فحَمَلْتُهُ، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا...، ففَكَكْتُ عنه كَبْلَهُ (قَيْدَه)، فجَعَلْتُ أَحْمِلُهُ ويُعْيِينِي حَتَى قَدِمْتُ المدينةَ"، فكُلُّ مَن تَابَ واعتَصَمَ باللهِ-تَعالى-مِنَ الابتِزَازِ والتَّهديدِ، واستَعَانَ بِالجِهَاتِ المُختَصَّةِ فَإنَّهُ يَجدُ-بإِذنِ اللهِ-العَونَ والمُسَانَدَةَ والتَّأييدَ.

رابعًا: إليكَ يَا مَنْ يَبتزُّ المُسلِمينَ والمُسلِمَاتِ: أَتعلَمُ مَن خَصمُكَ في تَتَبُّعِ العَوراتِ؟ إنَّه اللهُ رَبُ الأرضِ والسَّمَواتِ، يَقولُ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، يَفْضَحْهُ وَلو في جَوفِ بَيتِهِ"، فَأَبشرِ بِالفَضيحةِ والخِزيِّ والعَارِ، إذا كَشَفَ عَورَتَكَ اللهُ عَالِمُ الأَسرارِ، وإذا كَانَ مَن يُحبُّ إشَاعَةَ الفَاحشَةِ فقط لَهُ عَذابٌ أليمٌ، قَالَ اللهُ-سُبحَانَهُ-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فَكيفَ بِالذي يُشيعُهَا ويُحبُّ بَقَاءَها بِالابتِزَازِ؟

وهَل تَعلَمُ أَنَكَ تُنَاقِضُ إرَادَةَ اللهِ-تَعالى-الشَّرعيَّةَ؟ فَاللهُ-عَزَّ وَجلَّ-يُريدُ مِن عِبَادِهِ التَّوبَةَ والرُّجوعَ، (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)، وأَنتَ مِن أُولئكَ الذينَ قَالَ فِيهِم: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فيَجبُ علينًا أفرادًا ومُجتَمعًا أَن نكونَ ضِدَّ هَذِه الجَريـمَةِ الـمَرذولةِ، التي لا يُقِرُّها دِينٌ ولا مُروءةٌ ولا رُجولةٌ، بِتَحذِيرِ الظَّالمِ مِن هَذا الفِعلِ الخَبيثِ الـمُشينِ، ومَن مُسَاعدةِ المَظلُومِ عَلى الخُروجِ مِن أَسرِ الـمُبتَزِّينَ، فَكَم أَفسَدَتْ هَذِهِ الجَريـمةُ مِن أَخلاقٍ، وكَم هَتَكَتْ مِن أَعراضٍ، وكَم سَلَبَتْ مِن أَموالٍ، وَكَم أهلكتْ مِن أَرواحٍ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ! فَإنَّ آثَارَ خَطِيئَةِ اليَومَ قَد تَكونُ سَبَبًا لابتِزَازِ المُستَقبَلِ، وقدْ قِيلَ: العَاقِلُ خَصيمُ نَفسِهِ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالمسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1732762827_الابتزازُ-27-5-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1732762828_الابتزازُ-27-5-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 36 | التعليقات 0