(الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه)

سيف الرحمن التيمي
1443/02/16 - 2021/09/23 08:17AM
خطبة مختصرة في مقتضيات الإيمان باليوم الآخر - جزء 8 (الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه)
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما). أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن الله حكيم في تشريعه، حكيم في تقديره، حكيم في جزائه، وإن من حكمة الله تعالى أن جعل لهذه الخليقة معادًا يجازيهم فيه على ما كلَّفهم به على ألسنة رسله، قال تعالى ﴿‏أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُون * فتعالى الله الملك الحق﴾.
أيها المؤمنون، تقدم الكلام في خطبٍ سبعة ماضية عن بعض مقتضيات الإيمان باليوم الآخر، وهي النفخ في الصور، وعلامات الساعة الكبرى، وبعث الخلائق، وحشر الناس إلى أرض المحشر، والجزاء والحساب، ونعيم الجنة، وصفة النار، وبعض مشاهد القيامة، ثم عن أنواع الشفاعات يوم القيامة، وفي هذه الخطبة نتكلم بإذن الله عما يلتحق بالإيمان باليوم الآخر، وهو الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه.
• عباد الله، الفتنة هي السؤال والاختبار، والمقصود بفتنة القبر سؤال الـميت بعد دفنه عن ربه وعن دينه وعن نبيه، فإن كانت الجنازة صالحة ثــبَّـتها الله عند السؤال فوُفِّقت للإجابة الصحيحة، وإن كانت طالحة لم تُوفَّق للإجابة فعُذِّبت عياذا بالله.
وقد ورد في إثبات سؤال الميت في قبره أحاديث ثلاثة:
• الأول: ما رواه البخاري عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إن العبد إذا وُضِع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قَرعَ نعالِـهِم؛ أتاه مَلَكان فيُقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل، لمحمد (صلى الله عليه وسلم)؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيُقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة. فيراهما جميعا. وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: (لا دَريت ولا تَليت)، ويُضرب بمطارقَ من حديدٍ ضربةً، فيَصيحُ صيحةً يسمعُها من يَليهِ غيرُ الــثَّـــقَلين .
• ومن الأدلة على ثبوت سؤال الميت في قبره حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن الملكين يأتيان الميت المؤمن بعد دفنه فيُجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيقولان له: وما عِلمُك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدّقت. فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي، فأفرِشوه من الجنة ، وألبِسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة. قال: فيأتيه من رَوْحِها وطيبها، ويُفسح له في قبره مدَّ بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسُرُّك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجِع إلى أهلي ومالي.
ثم قال في الكافر: ويأتيه ملكان فيُجلِسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فينادي منادٍ من السماء أن كذَبَ، فأفرشوا له من النار، وافتحوا له باب إلى النار، فيأتيه من حرِّها وسَـمومها، ويُضيَّق عليه قبرُه حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، مُــنتِــنُ الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت، فوجهُك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: ربِّ لا تُــــقِم الساعة.
• عباد الله، والدليل الثالث على ثبوت سؤال الميت في قبره ما رواه البخاري في «صحيحه» عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ... ولقد أوحِي إليَّ أنكم تُفتنون في القبور مثل – أو قريبا من فتنة الدجال، يؤتى أحدكم فيُقال له: ما عِلمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا. فيقال له: نم صالحا، فقد علِمنا إن كنت لموقِــنا. وأما المنافق أو المرتاب – لا أدري أيتهما قالت أسماء – فيقول: لا أدري، سمِعت الناس يقولون شيئا فقلته.
فدلَّـت هذه الأحاديث الثلاثة على أن الميت يُسأل في قبره، فالمؤمن يثبته الله عند السؤال ويوفقه للإجابة الصحيحة، ولو كان من أهل المعاصي، كما قال تعالى ﴿يُــثَــبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾‏‏، وأما الكافر والمنافق فلا يُجيبان، فيعاملهما الله بما يستحقان.
• معاشر المؤمنين، والأمر الثاني مما يلتحق بالإيمان باليوم الآخر؛ عذاب القبر ونعيمه، ودليل ذلك حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ‏:‏ ‏‏فلولا أن لا تدافنوا لدعوتُ اللهَ أن يُسمِعَكُم من عذابِ القبرِ الذي أسمعُ منه. ثم أقبل بوجهِهِ فقال‏:‏ تعوَّذوا بالله من عذاب النار. فقالوا‏:‏ نعوذ بالله من عذاب النار‏.‏ فقال‏:‏ تعوَّذوا بالله من عذاب القبر‏.‏ فقالوا‏:‏ نعوذ بالله من عذاب القبر‏.‏ قال‏:‏ تعوَّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن‏.‏ قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن‏.‏ قال‏:‏ تعوَّذوا بالله من فتنة الدجال‏.‏قالوا‏:‏ نعوذ بالله من فتنة الدجال.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إذا تشهَّدَ أحدُكم فليَسْتعذ بالله من أربعٍ، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرِّ فتنة المسيح الدجال.
• عباد الله، وعذاب القبر يكون لطائفتين من الناس؛ عصاة المؤمنين، والكافرين، ودليل الأول حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏مرَّ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) على قبرين، فقال: ‏ أما إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يَستَـتِـر من بولِه. فالنميمة من كبائر الذنوب، وكذلك عدم التنزه من البول، استحق مرتكبهما عذاب القبر بقدر ذنوبهما تمحيصا لهما، وكذلك غير هـٰذين الذنبين من الذنوب، يعذب بقَدْره في قبره، لأن القبر دار جزاء.
• وأما الدليل على عذاب القبر للكافرين فقوله تعالى ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ والملائكة بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾، فقوله اليوم تجزون دليل على أنهم سيباشَرون العذاب فورا.
وقال تعالى في آل فرعون ﴿‏النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾، فقوله ﴿غدوا وعشيا﴾ أي قبل قيام الساعة، لأنه قال بعدها ﴿ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾، ففرَّق بين العذاب الذي يكون قبل قيام الساعة والذي يكون في حينها.
• وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين، قال الله تعالى ﴿‏إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنـزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾، ووجه الدلالة من الآية قول الله على لسان الملائكة ﴿وأبشروا بالجنة﴾، وهذا يكون حال الـــتَّوفِّــي وخُروج الروح، فالبشارة بالجنة حال التوفَّي وخروج الروح يعد من النعيم، وهو الشاهد.
• ومن أدلة القرآن على نعيم القبر قوله تعالى ﴿‏فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾. ووجه الدلالة من الآية أن هذه البشارة بنعيم الرَّوح والريحان وجنةِ النعيم يكون إذا بلغت الروح الحلقوم كما دلت عليه الآية، وهذا فيه دلالة على النعيم الذي يلقاه الإنسان يكون مبدؤه عند موته، وهو أول نعيم القبر.
• ومن أدلة القرآن على نعيم القبر قوله تعالى ﴿كذلك يجزي الله المتقين * الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون﴾، ووجه الدلالة من الآية قوله تعالى على لسان الملائكة حال توفيهم للمؤمنين: ﴿ادخلوا الجنة﴾.
• ومن الأدلة كذلك على بشارة المؤمن بالنعيم قُـــبَيل خروج روحه قوله تعالى ﴿يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي﴾‏‏.
• وقد دلت السنة على أن المؤمن يُبشر بالنعيم قبل خروج روحه، كما في حديث البراء بن عازب المتقدم، وفيه قول الملكين للمؤمن بعدما يجيب الملكين على أسئلة القبر: (أيتها النفس الطيبة، أُخرُجي إلى مغفرة من الله ورضوان)، فتفرَح الروح وتخرُج خروجا سهلا، ثم قال: ثم ينادي مناد من السماء أن صَدَقَ عبدي، فافرِشوه من الجنة، وألبِسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة. قال: فيأتيه من رَوحِها وطِيبها، ويُفسَح له في قبره مَـدَّ بصره.
قال: ويأتيه رجل حَسَنُ الوجه، حَسَنُ الثياب، طَــيِّبُ الريح، فيقول: أبشِر بالذي يَسُرُّك، هذا يومك الذي كنت تُوعد. فيقول له: من أنت، فوجهُك الوجهُ يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: ربِّ أَقِمِ الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
• وبعد عباد الله، فهذه أدلة قطعية من الكتاب والسنة على ثبوت فتنة القبر وعذابه ونعيمه، لا يخالف في ذلك إلا زائغ.
• بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الإيمان باليوم الآخر له ثمرات عديدة، أهمها: الرغبة في فعل الطاعة والحرص عليها رجاء لثواب ذلك اليوم‏.‏
الثانية‏:‏ الرهبة عند فعل المعصية والرِّضى بها خوفًا من عقاب ذلك اليوم‏.‏
الثالثة‏:‏ تسلية المؤمن عما يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها‏.‏
الرابعة: العلم بعدل الله تعالى، حيث أنه سيجازي العباد على أعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
الخامسة: العلم بحكمة الله تعالى، حيث أنه لم يخلق العباد عبثا، بل خلقهم لحكمة بالغة وهي عبادته، بفعل الطاعات واجتناب المنهيات، ثم يحاسبهم على ذلك في الآخرة.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم ارزقنا حبك، وحب كل عمل يقربنا إليك.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
رب اغفر لنا ذنوبنا كلها، دِقَّها وجُلَّها، وأولها وآخرها، وعلانيتها وسرها.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، واتس: 00966505906761، في السادس من شهر صفر لعام 1443، وهي منشورة في www.saaid.net/kutob
المشاهدات 609 | التعليقات 0