الإيمان باليوم الآخر وأثره على المؤمنين

عبدالرحمن اللهيبي
1445/07/21 - 2024/02/02 01:26AM
من المنقول بتصرف
 

الحمد لله علا ذِكرُه في المآذن والمنابر، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العلي القادر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، مَنْ أطاعه نجَا، ومَنْ عصاه وناوأه تدور عليه الدوائر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين آمنوا بالله واليوم الآخِر.

أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

أيها المسلمون: الإيمان باليوم الآخِر، وما أدراك ما اليوم الآخِر؟ هو ركن من أركان الإيمان ، وأصل عظيم من أصول الدين والإسلام

 يبدأ اليوم الآخِر بأحداث عظام وأهوال جسام؛ تتشقق فيه السماء وتنفطر، وتتصادم النجوم والكواكب وتنكدر، وتُسجر البحار وتنفجر، وتذوب الجبال وكالعهن المنفوش في الهواء تنتثر، وتُبعثر القبور ويخرج أهلها كالجراد المنتشر

في اليوم الآخر هناك الحساب والجزاء، هناك الصراط يُضرب على متن جهنم ، وهناك الميزان توزن فيه أعمال العباد ، وهناك الشفاعة لنبينا صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف يوم المعاد، وهناك الحوض الذي يرده المؤمنون فيشربون منه شربة لا يظمؤون بعدها أبدا ، في اليوم الآخر تتطاير الصحف بالأعمال، وتشيب عندها مفارق الأطفال من الأهوال ، في اليوم الآخر هناك مَن يستظل في ظل عرش الرحمن ، وهناك من يُكرَمون بالنظر إلى وجه الكريم المنان ، وأقوام هناك يتذوَّقون الحسرة والخسران، وإنه والله ليوم عظيم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)

الإيمان باليوم الآخِر يا مسلمون مع كونه ركن من أركان الإيمان فإن له مع ذلك أهمية عظيمة في تقويم مسيرة حياتنا الدنيوية؛ فالكثير من الناس اليوم ينفر من الحديث عن اليوم الآخر ، ويرى أنه مكدر لحياته ، ومنغص لمعيشته ، وليس الأمر كذلك بل الإيمان باليوم الآخر والعمل له هو ما يجعل للحياة قيمة ومعنى ، وهو يجعل لها هدفا وطعما ومغنمى ، فالإيمان باليوم الآخر رادع للمسلم من الوقوع في الضلالة والظلم والهوى، وهو المانع للمؤمن من الزيغ والبغي والردى ..

فمن آمن باليوم الآخِر كان عمله طيبا صالحا ، قال الله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا)

ومن آمن باليوم الآخر اتبع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله وفعله، واقتدى بسننه وأخلاقه، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)

إن الإيمان باليوم الآخر يجعل لعمرك أيها المسلم  قيمة، ولحياتك رسالة، فإن من علم أن هناك جنةً عرضها الأرض والسموات ، ونظرًا إلى وجه رب البريات، ولقاء مع النبي المصطفى ﷺ ، مَنْ عَلِمَ ذلك فإنه سيكون إيجابيا في حياته ، كريما في أخلاقه ، راقيا في صفاته ، طيبا في كلماته ، مستثمرا أوقاته في المسارعة إلى البر والخيرات، ومسابقا إلى الفضائل والطاعات، ويعيش سعيدا مسرورا في كنف الذاكرين لله كثيرا والذاكرات

الإيمان باليوم الآخِر يورِث صاحبه الطمأنينة والصبر على أقدار الله ، والرضا والتسليم لقضاء الله ، فهو يعيش هانئا مطمئنا لكل ما يحل به من أمر الله

لأنه يعلم يقينا بأن هذه الدنيا ليست بدار مقر ، وإنما هي دار ممر ، وأن الخلف والعوض من الله للمؤمن سيكون في اليوم الآخر

قال صلى الله عليه وسلم : من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ ، وجمعَ لَه شملَهُ ، وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ ، وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ

فالاشتغالُ بالعمل للآخرةِ سببُ الفلاح والنجاح والسَّعادةِ ، ولا يُنقِص من الأرزاق شَيئًا، بل المشتغل بالآخرة سيجعل اللهُ غِناه في قلبِه ، ويقنَّعه الله بما في يدِه، فيكونُ مُستغنِيًا باللهِ عن النَّاسِ، والله سيتولى جميع أمره ، ويجمَع له شَمْلَه، وييسَّر له حوائجه وشأنه ، وتأتيه الدُّنيا بين يديه وهي راغِمةٌ  ذَليلةٌ؛ بخلاف أهل الدنيا فيجعَل اللهُ فقْرَهم بينَ أعينهم ، ويشتّت الله عليهم كافة أمورهم .. فاجعلوا الآخرة همكم تنالوا بذلك سعادتكم وأنسكم

أقول قولي هذا ..

 


أما بعدُ: فاتقوا الله حق التقوى.

أيها المسلمون: إن الإيمان باليوم الآخر يبث في الحياة أملًا، ويبعث في المسلم تفاؤلا؛ بأن المظلوم المقهور سيُنصر، وأن الظالم الباغي سيُدحر، وأن المبتلى والفقير والمريض سيعوض، وسيجد المحروم في الدنيا خزائن الحسنات مدخرة له في الآخرة .. إن رضي وصبر واحتسب وصابر

عباد الله: إن آثار الإيمان باليوم الآخِر لتلقي بظلالها الحميدة .. وآثارها الجميلة في حياة المسلم بكل تفاصيلها ، التاجر في صدقه وأمانته، والعامل في حرصه ونزاهته، والقاضي في صدقه وعدالته، والمعلم في نصحه وإخلاصه ..

ومن آثار الإيمان باليوم الآخِر أنه ينمي في المسلم معانيَ الإيجابية في حياته فتجده متقنا لعمله ، صادقا في قوله، كريما في معشره وخلقه، يعفو عن الناس ويصفح ، يكرم ضيفه، يصل رحمه، يحترم الكبير، ويرحم الصغير، ويعطف على الأرملة واليتيم والمسكين .. روى البخاري من حديث أبي هرير -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليُكرِمْ ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليَصِلْ رَحِمَهُ، ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليَقُلْ خيرًا أو ليَصْمُتْ".

ومن آثار الإيمان باليوم الآخِر أنه يضبط انفعالات المسلم، ويهذب مشاعره، فلا يظلم عند القدرة ولا يَبطُر عن النعمة، ولا يسخط عند المصيبة، ولا يجزع عند البلاء ، ولا ينهار عند فقْد العزيز .. فهو يعلم أن في الجنة اللقاء ، وفي الآخرة العوض والنعيم والجزاء

ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى؛ فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

المشاهدات 573 | التعليقات 0