الإنسان والتيه المصنوع // خالد البيانوني

احمد ابوبكر
1436/05/25 - 2015/03/16 03:50AM
[align=justify]الإنسان كائن راق متميز بطبعه وخِلقته، له دوافعه النبيلة واحتياجاته الأصيلة التي تغذي طبعه وتؤهله للقيام بدوره، لم يرق هذا لبعضهم فأفقدوه تدريجياً خصائصه وميزاته بمواد مصنعة، تغريه شكلاً وظاهراً ولكنها خاوية حقيقة ومخبراً، فهو يحتاج ويأخذ قدر ما يحتاج وربما أكثر.. فإذا احتاج غذاءه تناول ما لا يسمن ولا يغني من جوع بدل ما يفترض أنه غذاءه الأصلي الذي يفيده ويقويه..

فقلبه محتاج للإيمان وللحب والتعلق، وغذاؤه الإيمان بالله وحب الله والتعلق به، وحب الخير للناس، فزينوا له الإيمان بمتاع الدنيا، وحب الدنيا والتعلق بمظاهرها الخلابة الخاوية، والسعي خلفها بكل طاقاته واهتماماته، فلم يجن إلا ما كتب له، وعاش يقاسي آلام حطام الدنيا ونكباتها بقلب مرهق عليل، أفسده تواتر خيباتها وضعف مَغناها..

وعقله يطلب العلم ويحتاج المعرفة، فجعل الله العلم النافع مطلباً ثميناً للإنسان خيراً وأجراً، والعلم النافع في شتى المجالات والنظر والتفكر هو خير ما يشغل العقل وينميه لصالح الإنسان نفسه ثم لصالح الجميع، فأتخموا عقله بأخبار الفن وأهله والرياضة وأهلها والسياسية ودهاليزها والشائعات وخبثها، فلم يبق في عقله موضع شبر إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف!

وروحه ونفسه تطلب الجمال ورقي الذوق، وفي التأمل في مخلوقات الله المتنوعة مغنى وأي مغنى.. وفي تذوق الآداب والأشعار والمعاني الإنسانية النبيلة وصياغتها فن وأي فن.. وفي الأعمال الهادفة لما يحبه الله ويرضاه متاع للإنسان ومنافع عظيمة..
ولكنهم استبدلوا الجمال بكل أسف لمطالب الغرائز الحيوانية بلا ضوابط أو حدود، وزينوا ذلك بكل سبيل، وعمدوا إلى حياة المظاهر الخادعة والنفس الخاوية إلا من شهواتها، وإلى حياة الضياع والهوان فجعلوا منها فنهم الجميل والحياة المنشودة، ووجدوا في الألفاظ السوقية والمعاني العفنة سوقاً رائجة لأغانيهم وأسمارهم فبئس ما استبدلوا , ويا لفداحة ما ضيعوا وخسروا وهم لا يعلمون..

والنفس تطلب اللهو والمتعة وفي الرياضات النافعة، والنشاطات المسلية، والاجتماعات الترفيهية متع وفوائد عديدة، وكذلك في الأعمال الخيرية ومساعدة الغير متعة لا يعرفها كثيرون، لا نجد شيئاً منها في الألعاب الالكترونية وبرامجها وأجهزتها، وفي الاهتمامات الرياضية ومتابعة أخبارها!

وفي الشباب دوافع للمغامرة جعلوها للمغامرات الغرامية الطائشة والرياضات الخطيرة والألعاب العابثة، بدل المغامرة في العمل والبناء والكفاح في الحياة، أو المغامرة من أجل مبادئ وقيم، والمغامرة لبناء المجتمع ورقيه..

وفي الإنسان حب للتعصب القوي لأشخاص أو أفكار أو جماعات، فاستغلوها لتعصب كروي عديم الجدوى، وتعصب للفن وأهل الفن، والرياضة وأهلها وما إلى ذلك من اهتمامات سخيفة باردة لولا دماء أهليها الساخنة جداً!

وما ذكرته مثال من أمثلة واسعة متشعبة، وحالة من حالات كثيرة متداخلة، لألقي الضوء على ما أرمي إليه من ضياع الإنسان وتضييعه عن سبق إصرار وترصد! لقد هدموا أغنى ما في الإنسان وأقنى، وأفسدوا أمتع ما في الحياة وأسمى، أفنوا كل عمل راقٍ بالموت البطيء، ولو استطاعوا أن يقتلوه في غمضة عين لبادروا.. أي إنسان يا هؤلاء تريدون؟!

إن الانضمام لهذا الفريق أو ذاك في أي جانب قرار مصيري له ما بعده، إن أي معانٍ هادفة خيّرة تطلب مثيلاتها، وأي ضياع وهبوط يطلب مثيله، والغلبة للأقوى، فإذا غلب فريق استحل النفس بكل محتوياته وثقافاته وخاصم كل دخيل من الفريق الآخر..
دوامة الاستخفاف ومحاولة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير مستمرة دائبة، لا يهمها أن تنجح عند بعض الناس ولو قطرة فقطرة، حتى تؤثى ثمارها المُرّة ولو بعد حين..

وضعف تقديم الرؤى العميقة وعرض البديل الناجع المنضبط الذي يلبي تطلعات النفس وطموحها ومتعتها أوهم الكثير بعدم وجود البديل واستحالة إمكانيته، وجعلهم يسعون إلى ما يجدون ويعرفون، ويحسبون أن ذلك هو الفطرة السوية والمنهج القويم، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولا غاية لهم أفضل من ذلك، فبذلوا لذلك إمكانياتهم وجهودهم، ونشَّؤوا عليه أسرهم وأولادهم..
[/align]
المشاهدات 840 | التعليقات 0