الإنابة والتضرع

سالم بن محمد الغيلي
1441/10/21 - 2020/06/13 23:42PM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام.

  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[
  • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[
  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

عباد الله:

إن عباد الله المؤمنين يتفكرون ويعتبرون وينظرون في أقدار الله التي تنزل على خلقه فيأخذون العِبر وقت نزول الخير والبركة والصلاح فيشكرون الله على نِعمه ويصرفونها في مرضاته ويستعملونها في طاعته ويحذرون كل الحذر أن يسرفوا بها أو يعبثوا بها أو ينسوا فضل المُنعم, وهؤلاء هم المنيبون المنيبون الذين إذا انعم عليهم المنعم وتفضل ورزق وعافا شكروه ورجعوا إليه بالطاعة والتواضع وشكر النعم وصرفها فيما يرضيه, إن الإنابة إلى الله في حال النعماء من سنن الأنبياء }.. وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩]  {سورة ص:24[ , } وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ{ ]سورة ص:34[ , وقال شُعيب: ..} وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ ]سورة هود:88] , ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: }.. ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ ]سورة الشورى:10[ , وأثنى الله على إبراهيم عليه السلام بقوله: } إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ{ ]سورة هود:75[ , وأمرنا الله أن نتبع سبيلهم فهم قدوتنا عليهم الصلاة والسلام فقال الله جل وعلا: }.. وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ..{ ]سورة لقممان:15[, الإنابة إلى الله في حال النعم ونذكر المنعم وشكره سعادة وهداية وزيادة }.. قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ{ ]سورة الرعد:27[ , } وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ{ ]سورة الزمر:17[ , }.. وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ{ ]سورة غافر: 13[.

عباد الله:

إن الإنابة إلى الله من موانع العذاب والوباء فلو أنابوا الناس إلى الله قبل الوباء وشكروا النعم وشكروا المنعم وتركزا الاسراف والمخيله والمباهاة والمجاراة وحياة المترفين لو فعل الناس ذلك لو فعل المسلمون ذلك لما نزل بهم الوباء }وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{ ]سورة الزمر: 54[.

تلكم الإنابة أيها العقلاء في حال النعماء والرخاء والعافية , أما في حال الوباء في حال الجائحة فإن حال المؤمن فيه اختلاف لأن الوضع مختلف في حال أزمة في حال شدة فا الحال المناسب اضافة إلى حال الإنابة هو حال التضرع إلى الله ورفع الايدي بالدعاء والخشوع والبكاء والخوف من الله ولا يرد القضاء إلا الدعاء والاستغاثة والضراعة قال الله تعالى عن أممٍ سبقتنا عندما اعرضوا عن الله ارسل إليهم الرسل وانزل الكتب لكن لا حياة لمن تنادي, } وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ ]سورة الأنعام: 42,43[, قال ابن كثير رحمه الله: "اخذهم بالضيق في العيش والفقر والأمراض والأسقام والآلام لعلهم يدعون الله ويتضرعون ويخشون" فيكشف الله مابهم, ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ماكانوا يعملون.

كثير من المسلمين ما خشع ولا تضرع ولا فكر أنه يرجع إلى ربه أو يرفع يديه ويدعو أو دخل في قلبه خوف أو وجل إنما همه من أين جاء الوباء من الذي أرسل الوباء وكم الاحصائيات  وكم الذين ماتوا, قال ابن القيم رحمه الله:

"فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه، والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه وتذللـه له، وإظهار ضعفه وفاقته، وعجزه وقلة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة، والذل والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب مِن اليد للفم" الروح.

اللهم تب علينا ولين برحمتك قلوبنا , اللهم اجعلننا عند النعماء من الشاكرين الأوابين وعند الضراء والوباء من الصابرين الخاشعين التائبين.

أقول ماتسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه حمدًا يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه.

عباد الله: الأنبياء الذين اختارهم الله لحمل الرسالات ورفعهم الله على العالمين تعرضوا لمواقف عصيبة في حياتهم فلجأوا إلى الله وتضرعوا وأظهروا الحاجة والفاقة إلى الله رب العالمين قال يعقوب عليه السلام: } قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ ]سورة يوسف: 86[, وأيوب , ويونس في قاع البحر ماذا قالوا ؟ ومحمد صلى الله عليه وسلم افضل الانبياء والمرسلين اعظم مخلوق في الكون عند الله,اخرج مسلم في صحيحه  (لَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ، فَما زَالَ يَهْتِفُ برَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن مَنْكِبَيْهِ، فأتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فأخَذَ رِدَاءَهُ، فألْقَاهُ علَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِن وَرَائِهِ، وَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بأَلْفٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}.

وكان عمر رضي الله عنه عندما اصاب الناس مجاعة في عام الرمادة كان يتضرع الى الله , قال عبدالله بن عمر: (كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَحْدَثَ فِي زَمَانِ الرَّمَادَةِ أَمْرًا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ ، لَقَدْ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعَشَاءَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَلاَ يَزَالُ يُصَلِّي حَتَّى يَكُونَ آخِرُ اللَّيْلِ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَأْتِي الأَنْقَابَ فَيَطُوفُ عَلَيْهَا(مداخل المدينة) فيطوف عليها ينظر هل جاءت الأرزاق والمدد ، وَإِنِّي لَأَسْمَعُهُ لَيْلَةً فِي السَّحَرِ وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ هَلاَكَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى يَدَيَّ)

هكذا كانوا يتضرعون ويلجأون ويشتكون إلى الله وهم الافضل والاقرب إلى الله, فتضرعوا إلى الله جميعًا اظهروا فقركم وحاجتكم وخشوعكم إلى الله فإنه لا يكشف البلوى إلا الله.

وصلوا وسلموا...

والله أعلم

جامع النور 1441/10/20هـ

المشاهدات 765 | التعليقات 0