الإقرار بفضل الله من سورة الحجرات

مشاري بن محمد
1436/07/04 - 2015/04/23 16:54PM
أما بعد:

قال الله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)

تأمل هذه الآية العظيمة لتدرك عِظمَ فضلِ الله عليك، وربما كنا عنه في غفلة معرضون ...
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ )
ليعلم المؤمن أن اختيار الله له أفضل من اختياره لنفسه، فكم من أمر رجوت الله أن يكون، فحجبه الله عنك فعلمت بعد زمن أنّ منع الله خيرٌ لك من هواك
وكم من أمرٍ منعه اللهُ عنك وهو خيرٌ لك ولازلت لا تدرك أنه خيرٌ لك ...
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) أي لأثمتم وهلكتم؛ هذا وهم أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كانوا تحت تربيته وتوجيهه،لو أطاعهم في كثيرٍ من أمرهم لهلكوا فما ظنكم بغيرهم؟!
"قال قتادة ـ رحمه الله ـ: هؤلاء أصحاب نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو أطاعهم نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) فأنتم والله أسخف رأيا وأطيش عقولا، اتهم رجلٌ رأيهُ وانتصح كتابَ اللهِ، فإن كتابَ اللهِ ثقةٌ لمن أخذَ به وانتهى إليه، وإنما سوى كتابَ الله تغرير"أ.هـ

مسكينٌ ذلكَ العقلُ البشري القاصر، الذي يظنُ صاحبهُ معرفةَ الخيرِ كلهِ والشرِّ كله ...!!

لتعلم أيها المؤمن : أنه حتى الخيرَ لنفسكَ فاللهُ سبحانهُ أعلمُ منكَ به، فالخير في اختيارهِ وإن كرهتَ والشرَّ فيما صرفهُ من الدنيا وإن أحببتَ، أحسنِ الظنَّ باللهِ، ثقْ باللهِ وحده وأعلنْ عجزكَ وقصورَ عقلِك واعترف ببشريتك ...

قال الله بعد ذلك: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ )
** هذا عينُ الفضلِ وروحهُ، فالحمد لله الذي حببَّبَ إلينا الإيمانَ وزينهُ في قلوبنا، يا ألله، كم سنخسر لو أنَّ الله كرَّه إلينا الإيمان؟!
كمْ سنظل لو شينه في قلوبنا؟ !
كم سننحرفُ ونتيه؟ !
لا إله إلا الله
وتأمل الفضل الآخر إذ قالَ سبحانه:
(وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)
فالحمد لله؛* الذي كرَّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيان؛ فيا حسرةَ من أحبَّ الكفرَ والمعاصي، وساء سبيلا ...
عباد الله!
إنَّ أولئكَ الذينَ يحبونَ الإيمانَ، ويكرهونَ الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ:* هم الراشدون.
واعلم أيها المؤمن:
أنكَ متى أحببتَ الإيمانَ وكرهت الكفرَ والمعاصي، أن ذلك ليس لفضل منك إنما هو الله الذي حبَّبَ إليك ذلك ...
ولتعلم يا من أحببتَ الإيمانَ وأهلهُ وكرهتَ الكفرَ وأهلهُ أنك ترفلُ في نعمة اللهِ وحده وجودهِ وكرمهِ؛ ولتدرك جيدا أنّ هذا ليس لمكانكَ ولقدرتكَ ولفضلك، إنما هو: (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

** فالفضل كل الفضلِ لله سبحانه؛ متى رأيتَ معصية فكرهتها فاحمد الله فالفضل له، ومتى رأيتَ طاعةً وأحبيتها فاحمد الله فالفضل له ...
إن أحببتَ الصلاةَ، فاحمدِ اللهَ، إن أحببتَ الصيامَ فاحمد الله، إن أحببتَ القرآنَ فاحمدِ الله، إن أحببتَ الذكرَ فاحمدِ الله، إنما الفضل له، والنعمة منه وهي والله من أجلِّ النعم وأولاها ...
قال سبحانه ـ: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ٌ)
عليمٌ بعجزنا وقلة حيلتنا وقصور عقولنا وضعفنا، حكيمٌ في حكمه وأمره؛ وفي تحبيبه لنا وتزيينه ...

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ...

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..


الخطبة الثانية:


أما بعد:

عباد الله كم في الأرض من ملايين البشر الذين أحبوا الكفر والشرك وتعلقوا به؟ !
وكم في الأرض من ملحدين ضالين مضلين تعلقوا بالكفر والعناد والإلحاد ...
وأما أنت* " حبب إليكم الإيمان ... "
وكم في الأرض من أناسٍ يتسابقون على المعصية ويلهثون خلف الزنا والخمر وينفقون وراءها الأموال ؟!
وأما أنت فقد كرّه إليك الكفر والفسوق والعصيان ...

كم في الناس من كاره للصلاة وللعبادة والصيام، وأما أنت فقد حبب إليك الإيمان ...
وكل ذلك كما قال سبحانه: ( فضلا من الله ونعمة) وليس لأحد ...

يارب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا ...

اللهم ...




رابط الخطبة الأولى من سورة الحجرات
الأدب مع نبي صلى الله عليه وسلم
من سورة الحجرات
https://khutabaa.com/forums/موضوع/145728


رابط الخطبة الثانية
الأدب مع الأخبار

https://khutabaa.com/forums/موضوع/145788


رحم الله من وجه ونقد ونشر وخطب ...
والحمد لله رب العالمين
المشاهدات 2487 | التعليقات 1

الله يكتب أجرك أحييت فينا فضيلة الشيخ مشاري هذه المنة العظيمة الذي أوردته هذه الآية فلك الشكر بعد الله سبحانه كما نرجو مزيدا من الحضور والتواجد.