الإفادة في معالم الشهادة

خالد علي أبا الخيل
1436/11/28 - 2015/09/12 16:18PM
الإفادة في معالم الشهادة
التاريخ: الجمعة: 6/ 11 /1436 هـ

أبدأ بالحمد مستعينا
أحمده سبحانه وأشكره
وأستعينه على نيل الرضا
وبعد إني باليقين أشهد
بالحق مألوه سوى الرحمن
وأن خير خلقه محمدا
رسوله إلى جميع الخلق
***
***
***
***
***
***
*** راض به مدبرًا معينا
ومن مساوي عملي أستغفره
وأستمد لطفه فيما قضى
شهادة الإخلاص ألا يعبد
من جلّ عن عيب وعن نقصان
من جاءنا بالبينات والهدى
بالنور والهدى ودين الحق

أما بعد،.
عباد الله: فاتقوا الله جل في علاه، فمن اتقى الله وقاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله منحه رضاه، ومن اتقى الله رضي عنه مولاه، ومن اتقى الله جعل الجنة مأواه.
إخوة الإسلام والعقيدة: أول ركن في دين الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
أولها ركن الشهادتين فاثبت واعتصم
*** بالعروة الوثقى التي لا تنفصم

شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ركن واحد، لا يفترقان ولا يختلفان، ولا يتباينان، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) (النور: 62، الحجرات: 15)، وفي الصحيحين: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله)، وكلامنا في هذه اللحظات، وهذه الدقائق المعدودات على الجزء الثاني من هذا الركن العظيم، أولها الصراط المستقيم، ركن الشهادتين فاثبت واعتصم، وهي شهادة أن محمدًا رسول الله، في هذه المعالم التالية، تلك عشرة كاملة:
أول ذلكم –عباد الله-: منة الله عز وجل على عباده بهذا الرسول الكريم. الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، كما قال الله جل في علاه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) (آل عمران: 164)، وقال سبحانه: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128)، فمن نعم الله على عباده، ومن كرمه وإفضاله، أن أرسل إليهم هذا الرسول الكريم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الحق، ومن البدعة إلى السنة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الخطأ إلى الصواب، صلوات الله وسلامه عليه، تلكم نعمة كبرى، ومنة عظمى.
ومن تلكم المعالم في هذه الشهادة: بعثته عليه الصلاة والسلام. لقد بعث الله نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام بشيرًا ونذيرًا، يبشر من أطاع الله وأطاع رسوله بجنة عرضها السموات والأرض، ومحذرًا ومنذرًا من عصاه بالعذاب الأليم، (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) (البقرة: 119)، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الأحزاب: 45)، فبعثة محمد عليه الصلاة والسلام بالتبشير والتنذير، بالتيسير والتسهيل، لهذه الأمة، ولهذا روى الإمام أحمد وعلقه البخاري: (بُعثت بالحنيفية السمحة)، وأعظم ما بُعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو توحيد الله، هو إفراد الله بالعبادة، إخلاص العبادة لله وحده، والتحذير من الشرك أكبره وأصغره، ولهذا –أيها الأحبة- قال الله جل في علاه: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ) (المدثر: 1، 2)، فقام وأنذر وحذر عن الشرك قليله وكثيره، وبشر ورغب في التوحيد، فيجب علينا أن نعرف بماذا بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بُعث بالتوحيد، وجلس في مكة عشر سنين يقول: (يا أيها الناس: قولوا: لا إله إلا الله. تفلحوا)، وأبدى وأعاد في هذا الباب في أول حياته، وفي وسط حياته، وفي آخر حياته، بل عند سكرات الموت حذر عن الشرك قليله وكثيره، وأمر بعبادة ربه سبحانه وبحمده.
والمعلم الثالث –أيها الأحبة- في هذه الشهادة –جعلني الله وإياكم من عباده الصالحين-: أن نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء. فلا نبي بعده، مما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، خُتمت به النبوة، صلوات الله وسلامه عليه، فهو آخر الأنبياء رسولًا، وأفضلهم فضلًا وتشريفًا، صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا تواتر في الحديث: (لا نبي بعدي)، (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: ... وختمت بي النبوة)، فصلوات الله وسلامه عليه.
والمعلم الرابع –أيها الأحبة-: كمال شريعته. وتمام شريعته وكمالها إذ أنزل الله عز وجل عليه قبل أن يموت بثمانين يومًا في حجة الوداع آية عظيمة، آية كبيرة فارعوا لها الأسماع، وانتبهوا بها، بارك الله في هذا الاجتماع، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3)، جاء يهودي إلى عمر كما في الصحيحين وقال: يا عمر: آية في كتابكم تقرأونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. فقال: أي آية هي؟. قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3). قال عمر: والله إني لأعلم متى نزلت؟ وعلى من نزلت؟ وفي أي مكان نزلت؟، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع، عصر يوم الجمعة، في يوم عرفة، وهو واقف على راحلته.
في هذه الآية العظيمة –عباد الله- ثلاث منن، جنبني الله وإياكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن:
أولًا: إكمال هذا الدين. فلا زيادة ولا نقصان، ولا تعديل ولا تبديل، ولا تغيير ولا تحويل، فهو صالح مصلح لجميع البشرية، في أول الزمان وفي آخره، لجميع الأطياف وجميع الأجناس، وفي جميع الأحوال، وفي كل زمان ومكان، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3).
والمنة الثانية: تمامه. (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (المائدة: 3).
والثالثة: رضوان الله عز وجل لهذا الدين. (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3).
فاعملوا به، وتمسكوا بشعائره، وتمسكوا بآدابه، وتعلقوا بأركانه وفروضه، فالله رضيه لعباده، (إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا)، ولهذا –أحبتي-: الله لا يرضى الكفر، (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) (الزمر: 7)، إنما يرضى لهم الإسلام، (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3)، وعند الإمام مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا).
والمعلم الخامس: محبة النبي صلى الله عليه وسلم. الله أكبر.
يا رب: إن ذنوبي في الورى كثرت
وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه
***
*** وليس لي عمل في الحشر ينجيني
حب الرسول وهذا القدر يكفيني

اللهم: ارزقنا محبته، اللهم: ارزقنا محبته، اللهم: ارزقنا محبته، تجب محبته عليه الصلاة والسلام أحب من كل شيء، في الصحيحين: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله، وولده، ووالده، والناس أجمعين)، بل تكون محبته أحب من النفس التي بين جنبيك، ذات يوم عليه الصلاة والسلام آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال: (يا عمر: والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله، وولده، والناس أجمعين)، فقال عمر –وما أدراك ما عمر؟ رضي الله عن عمر-: والله إنك لأحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي يا رسول الله. فقال: (لا، يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فماذا كان من عمر؟ رضي الله عن عمر، وحشرنا مع عمر، والله إنك لأحب إلي من كل شيء، حتى من نفسي، دون تردد، أو تعلثم، أو مشاورة، أو إمهال في الوقت والزمان، بل في الحال، والله إنك لأحب إلي من كل شيء حتى من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آلآن يا عمر)، آلآن حقت المودة، آلآن صدقت المحبة للنبي عليه الصلاة والسلام.
وإليكم العنصر السادس: طاعته واتباعه. وهي تابعة لمحبته، فقد قال سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران: 31)، ذلكم –عباد الله- أن محبته وطاعته واتباعه وامتثال أمره، دليل عظيم ساطع ناصع على محبة الله عز وجل، ولهذا أنزل الله هذه الآية، لما ادعى أناس أنهم يحبون الله عز وجل، فامتحنهم واختبرهم بهذه الآية، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) (آل عمران: 31): إن كنتم صادقين في محبة الله، فأعطوني الدليل والبرهان، (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 111، النمل: 64).
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران: 31): تنالوا باتباعه خصلتين عظيمتين، وفرصتين كبيرتين: وهما محبة الله لكم، والثانية: مغفرة ذنوبكم، (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران: 31).
فيا عباد الله: يجب علينا طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وكل إنسان سائغ الطاعة، وطاعته متبوعة، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاعته واجبة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) (النساء: 59)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (الحشر: 7)، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور: 63)، (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (النساء: 13، 14)، (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران: 132)، في البخاري عن الرسول الهادي من حديث أبي هريرة: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟. قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، وفي مسلم –أيها الأخ المسلم-: (ومن يطع الله ورسوله فقد رشد)، ولهذا جاء في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: (إنما أنا لكم كمثل رجل استوقد نارًا، فجعلت الفراش والدواب يقعن فيها، وأنا آخذكم بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها)، فصلوات ربي على هذا الرسول الكريم محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه.
فاللهَ اللهَ عباد الله في محبته وطاعته وامتثال أمره، تنالوا السعادة في الدنيا والآخرة، تفلحوا وتنجحوا وتصلحوا، و(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (الأحزاب: 71)، قدموا محبته وطاعته على جميع الأشياء، على محبة المال والولد والمنصب، على محبة الدنيا برمتها، على محبة الدنيا بأجمعها، (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: 24).
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه.
ومن تلكم المعالم في هذه الشهادة:
المعلم السابع: تصديقه عليه الصلاة والسلام. (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) (الزمر: 33)، نبينا عليه الصلاة والسلام هو الصادق المصدوق، لم يُعهد عليه كذب، بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، علم الأمة كل شيء عليه الصلاة والسلام، استمعوا إلى كلماته اللطيفة، يقول عليه الصلاة والسلام متلطفًا لأمته: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم)، كما رواه أبو داوود في سننه، وربنا يقول: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128)، ولم يُعهد عليه كذبة واحدة، صلوات الله وسلامه عليه، لا جادًا ولا هازلًا، عصمه الله عز وجل من الكذب، فهو الصادق المصدوق، يجب تصديق أخباره، وتصديق أوامره، وتصديق نواهيه، فأوامره بالامتثال، ونواهيه بالانتهاء.
وتصديقه –عباد الله- يكون على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ما مضى وانقضى. من قصص بني إسرائيل والأنبياء والمرسلين.
والمرحلة الثانية: في الحاضر. من أشراط الساعة الصغرى، وأحوال الأمة.
والمرحلة الثالثة: فيما يستقبل. من أشراط الساعة الكبرى، والجنة بما فيها من النعيم، والنار بما فيها من العذاب الأليم.
عمومًا: يجب تصديقه عليه الصلاة والسلام في كل صغيرة وكبيرة، وعلامة التصديق أن تقر بنفسك قرارة لا شك عندك ولا ريب، إذا صح الخبر، أن هذا قد نطق به سيد البشر، فبالتالي الاتباع والامتثال.
والعنصر الثامن: دينه باق. دين النبي عليه الصلاة والسلام، مع ممر العصور، ومع ذهاب الدهور، فإن دينه باق عليه الصلاة والسلام، لا يختلف، ولا ينقص ولا يزيد، بخلاف إخوانه من الأنبياء، حيث إذا مات الواحد منهم انقضت شريعته، أما نبينا عليه الصلاة والسلام فدينه باق، أخبر الأمة بكل شيء، وعلم الأمة بكل شيء، تعالوا، تعالوا: اسمعوا هذا الخبر العظيم، ذات يوم النبي عليه الصلاة والسلام صعد المنبر بعد صلاة الفجر، فخطب الناس وتكلم، حتى أذن الظهر، ثم نزل، فصلى الظهر، ثم رجع إلى منبره، حتى أذن العصر، ثم نزل، فصلى العصر، ثم رجع إلى منبره، حتى أذن المغرب، يومًا كاملًا من طلوع الشمس إلى غروبها، يقول الراوي: فذكر كل شيء، فذكر بدأ الخلق، حتى دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. ولهذا يقول أبو ذر: وما طائر يطير في السماء إلا وذكر لنا منه علمًا. فصلوات الله وسلامه عليه، لم يترك شيئًا إلا بينه لهذه الأمة، ولهذا يقول اليهودي لسلمان الفارسي: يا سلمان: رسولكم علمكم كل شيء حتى الخراءة. يعني حتى دخول الخلاء، ماذا يقول؟ وماذا يفعل الإنسان؟، فقال سلمان –رضي عنه الرحمن-: أجل، علمنا كل شيء. فدينه باق، عليه الصلاة والسلام، وأعظم ما أمر به التوحيد، وأعظم ما نهى عنه الشرك.
والعنصر التاسع –أيها الأحبة، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة-: أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله. نعم، عبد الله ورسوله، فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب، بل يُطاع ويُتبع، فلا نكون ممن لا يستجيب له أمرًا، ولا يلقي له بالًا، ولا يرعى له معنى، ولا يهتم به عليه الصلاة والسلام، من حيث الامتثال، ومن حيث الاستجابة، بل تقول: قال النبي، وقال فلان. كلاهما سيان، ولا نكون من الذين يدعونه ويسألونه، ويستغيثونه به، وينادونه من دون الله، ويصرفون له العبادة، جعلوه في مرتبة الألوهية، ومنزلة الربوبية، بل هو عبد الله، شرفه الله بالعبادة في حال الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) (الإسراء: 1)، شرفه الله بالعبادة في إنزال كتابه، الذي هو أعظم نعمة، وأجل منة، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) (الفرقان: 1)، وشرفه الله في وحيه، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) (النجم: 10)، شرفه الله عز وجل بالعبادة والدعوة، (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) (الجن: 19).
أيها المسلمون: أعظم منة على الإنسان أنه عبد لله عز وجل، خاضع، خاشع لله عز وجل، تأتي بالعبادة على وجه الذل والخشوع.
وعبادة الرحمن غاية حبه
وعليهما فلك العبادة دائر
***
*** مع ذل عابده هما قطبان
ما دار حتى قامت القطبان

فاحمد الله أنك عبد لله، لا لفلان ولا علان.
ومما زادني شرفًا وتيهًا
دخولي تحت قولك: يا عبادي
***
*** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
وأن صيرت أحمد لي نبيا

والمعلم العاشر –أيها الأخ الحاضر- وهو الأخير: ألا يُعبد الله إلا بما شرع رسول الله. تلكم قاعدة، قاعدة متينة كبيرة في دين الله، فدين الله عز وجل لا يُقبل إلا بالإخلاص والمتابعة: إخلاصًا لله لا رياء فيه ولا سمعة، متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا نأتي بعبادة، ولا نبتدع عبادة إلا إذا جاءت من مصدرها وأصلها وأسها وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يقعد ذلك عليه الصلاة والسلام ويؤصله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، كما في الصحيحين، يقعد ذلك ويؤصله وهو بين جموع غفيرة مقدارهم مائة ألف وأكثر، (خذوا عني مناسككم)، (لتأخذوا عني مناسككم)، يقعد ذلك ويؤصله في الصلوات الخمس في اليوم والليلة: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
فعلينا –عباد الله-: باتباع سنته والعمل بها، وألا نعبد الله إلا بما شرع رسول الله، فالدين مبني على أصلين عظيمين:
الأصل الأول: ألا نعبد إلا الله.
الأصل الثاني: ألا نعبد الله إلا بما شرع رسول الله.
تلكم عناصر عشرة، وتلكم عشرة كاملة، مختصرة موجزة، في هذه اللحظات المعدودة، أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من عباده الصالحين، وحزبه المفلحين.
يا من بحثت عن العطور جميلها
هل لي بأن أهديك عطرًا فاخرا
هو قول رب الخلق في قرآنه
***
***
*** ليكون عطرك في الأنام نسيما
وهو الدواء إذا غدوت سقيما
صلوا عليه وسلموا تسليما


صلى عليك الله يا خير الورى
صلوا عليه وسلموا لا تفتروا
***
*** ما أمطرت مزن وما سيل جرى
إن الصلاة عليه غُنم يُشترى

والله أعلم.
المرفقات

خطبة الإفادة في معالم الشهادة - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc

خطبة الإفادة في معالم الشهادة - للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.doc

المشاهدات 1141 | التعليقات 0