الإفادة بركني العبادة

خالد علي أبا الخيل
1437/03/11 - 2015/12/22 09:57AM
الإفادة بركني العبادة
التاريخ: الجمعة: 7/ 3 /1437 هـ

الحمد لله ولي التوفيق، وأشهد أن لا إله إلا الله، منّ على من شاء بأحسن منهج، وأقوم طريق، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علم أمته كل جليل ودقيق، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، أهل الهدى والاتباع والإخلاص والتحقيق.
أما بعد،.
عباد الله: اتقوا الله جل في علاه، فمن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله وقاه، ومن اتقى الله جعل الجنة مأواه.
إخوة الإسلام: الطريق إلى الجنان العالية، والمنازل الرفيعة الغالية، هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ لا طريق إلى الجنة إلا الكتاب والسنة، أخي: تدري أين طريق الجنة؟ طريقها الكتاب ثم السنة، فليس للعباد –عباد الله- طريق إلى جنة الرحمن إلا السنة والقرآن، ولهذا –عباد الله- جاء الركن الأول من أركان الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وذلكم –عباد الله- أن العبادة لا تصح إلا بالإخلاص والمتابعة، إذا افتقد أحدهما أو كلاهما فالعبادة باطلة لا تصح، وقد جمع الله عز وجل هذين الشرطين في قوله سبحانه: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: 110).
والإخلاص والمتابعة هما بمعنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإخلاص، وشهادة أن محمدًا عبده ورسوله فيها المتابعة، وعن هذين الركنين الأساسيين العظيمين، يُسأل عنهما الأولون والآخرون، كما قال أبو العالية في قوله سبحانه: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر: 92، 93)، يقول: كلمتان يُسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟. وعن هذين الركنين –أيها العباد- بهما الحساب والمجازاة، والنظر في الأعمال، قال الله عز وجل: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: 7، الملك: 2)، قال أبو علي الفضيل بن عياض: أخصله وأصوبه. قيل: يا أبا علي: ما معنى أخصله وأصوبه؟. قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لا يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لا يُقبل. فلا بد أن يكون العمل خالصًا لله، صوابًا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلاحظ في الآية: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: 7، الملك: 2)، ولم يقل: ليبلوكم أيكم أكثر عملًا. لأن العبرة بالكيفية لا بالكمية، العبرة بالاتباع والانقياد، وهو فقط السنة والكتاب.
واعلم بأن الأجر ليس بحاصل
لا بد من إخلاصه ونقائه
وكذا متابعة الرسول فإنها
***
***
*** إلا إذا كان فيه صفتان
وخلوه من سائر الأدران
شرط بحكم نبينا العدنان


شرط قبول السعي أن يجتمعا
لله رب العرش لا سواه
***
*** فيه إصابة وإخلاص معا
موافق الشرع الذي ارتضاه

إذن –إخوتي في الله-: الإخلاص والمتابعة ركن من أركان العبادة، لا تصح عبادة ولا تسمى عبادة، إلا بالإخلاص لله عز وجل، والصواب على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يُقبل العمل إلا بهما، قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27)، والمتقي هو الذي وافق الكتاب والسنة في أعماله وأقواله وجميع أحواله، والإخلاص –أيها الأحبة- هو كما عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية، كما ذكره عنه المجدد الثاني عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد: هو رب الله وإرادة وجهه. ما أجمل هذا التعريف! وما أحسن هذا التعريف! ولهذا يقول ابن القيم:
وحقيقة الإخلاص توحيد المرا
*** د فلا يزاحمه مراد ثاني

فلا بد أن يكون قصدك في عملك واحد، وهو الله.
فلواحد كن واحدًا لواحدٍ
*** أعني سبيل الحق والإيمان

الإخلاص –أيها الأحبة- به رفعة الأعمال، وقبول الأعمال، (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر: 2، 3)، وأمر الله العباد به، (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة: 5)، فلا بد من إخلاص العمل، فمن عمل لغير الله كأن أشرك بالله، ودعا غير الله، وسأل غير الله، أو راءى لغير الله، أو سمّع لغير الله، أو طلب من غير الله، فإن عمله لا يُقبل.
في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، وعند أحمد من حديث أبي سعيد الخدري: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه).
ولهذا: العبرة –عباد الله- في إخلاص الأعمال، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم)، وقد جاء في الصحيحين الحديث المشهور، حديث عمر –رضي الله عنه-: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فلا بد من إخلاص العمل لله.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: رجل يريد الشهادة والذكر؟ قال: (لا أجر له)، فكرر عليه الثانية، قال: (لا أجر له)، فكرر عليه الثالثة، فقال: (لا أجر له)، ثم قال: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتُغي به وجهه)، رواه النسائي بسند جيد.
إخوة الإسلام: لا بد من الإخلاص في جميع الأعمال، فبها يرتفع الإنسان، وبها يُقبل الإنسان، فلهذا: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27)، فأخلصوا في أعمالكم، وبقدر ما يخلص الإنسان عمله، ويصحح نيته، فإنه يقرب من مولاه، ويعطيه الله عز وجل، ولهذا: جاء عن ابن عباس: قد يُعطى العبد على قدر نيته. فصححوا أعمالكم، وأخلصوها لله، لا يريد بها الإنسان غير الله، فمن ابتغى غير الله ضل وتاه، وفي الصحيحين: (من سمّع سمّع الله به، ومن راءى يرائي الله به)، ولهذا: كان أخوف الذنوب، وأعظم العيوب، لا سيما على الصالحين، والصادقين، والداعين، والمحاضرين، والمتكلمين، والمغردين، إنما يُخاف عليهم الرياء والشرك الأصغر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسادات الصحابة، وهم من هم، رضي الله عنهم: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، بل كان أبونا إبراهيم –عليه الصلاة والسلام- يخاف الشرك الأصغر، فقال الله عز وجل عنه في سؤاله: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)، يقول إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
إخوة الإسلام: الدين مبني على أصلين عظيمين:
الأصل الأول: أن لا نعبد إلا الله.
الأصل الثاني: أن لا نعبد الله إلا بما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا: الركن الثاني من أركان العبادة المتابعة، متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله، () لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21)، ولهذا: جعل الله عز وجل من علامة محبته للعبد أن يكون متبعًا، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران: 31)، هذه الآية تسمى آية المحبة، وعند آخرين آية المحنة، ذلك أن قومًا ادعوا أنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يخالفون ذلك بأقوالهم وأفعالهم، فأنزل الله هذه الآية.
تعصي الرسول وأنت تزعم حبه
لو كان حبك صادقًا لأطعته
***
*** هذا لعمري في القياس شنيع
إن المحب لما يحب مطيع

وربنا يقول: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (النور: 54)، (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف: 158)، ولهذا: يجب على الإنسان أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وألا يعمل بعمل ما إلا من طريقه، عليه الصلاة والسلام، فوحيه الوحي الثاني، والوحي الرباني.
إخوة الإسلام: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤصل هذا ويؤسسه، ويقعده ويؤصله، ذلكم في كل موطن من مواطن العبادة، فها هو في الصلاة قال كما في البخاري: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وها هو ينقلب بين أصحابه في المشاعر المقدسة، والأماكن المشرفة ويقول: (لتأخذوا عني مناسككم)، صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا: جاء في الصحيحين حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لمسلم علقها البخاري: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد).
إخوة الإسلام: لا بد أن نتبع النبي صلى الله عليه وسلم في أعماله وأقواله، إذ لا طريق لنا إلى الجنان إلا في متابعة ولد عدنان، وتلكم قاعدة، خذوها وعوها، وهي أن كل إنسان سائغ الطاعة، إلا رسولنا وسيدنا ونبينا واجب الطاعة، يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) (المائدة: 59، محمد: 33)، ولهذا جعل من علامة الإيمان الرد إلى السنة والقرآن، (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (المائدة: 59).
إخوة الإسلام: علينا باتباع سنة سيد الأنام، فقد قال صلى الله عليه وسلم في صلاته: (تقدموا وائتموا بي)، وكان يصلي على المنبر، ويعلم أصحابه ويقول: (لتعلّموا –أو لتعلَموا- صلاتي).
إخوة الإسلام: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ناتجة عن المحبة، إذ كلما قويت المحبة قويت المتابعة، لهذا: قال الله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31)، فعلامة المحبة طاعته واتباعه والانقياد له، ولهذا: جاء التحذير الشديد، والنهي الأكيد، في التحذير من البدع، ووسائل البدع، والبعد عنها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، والبدعة –أيها الأحبة- هي الإحداث في الدين ما ليس منه، بل قد كان يعلنها مدوية على المنبر، فكان يقول كما في مسلم عن جابر: (أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد)، وقال كما في حديث العرباض بن سارية عند أحمد والترمذي: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين، المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، فإن من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين).
إخوة الإسلام: ومن البدع المحدثة، في هذه الأزمان المتأخرة، بل في هذا الشهر بحده، وهي بدعة المولد، وتلك بدعة المولد احتفاء –بزعمهم- حبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت موجودة في الأزمان الغابرة، لكن لم تكن موجودة في زمن النبوة، ولا في زمن القرون المفضلة، وفي الصحيحين: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهي بدعة محدثة، لما فيها من الشركيات والبدعيات، والقصائد المحدثات، لا سيما القصيدة المشهورة، قصيدة البوصيرية، وما فيها من الشركيات والبدعية، فالحذر ثم الحذر ثم الحذر من حضورها، أو النظر فيها، أو الدخول في مواقعها، أو الرسائل كالواتس وتويتر وغير ذلك، من نشر قصائد وأناشيد لهم، فيكون الإنسان مروجًا للبدعة وهو لا يشعر، فـ(من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا)، فاحذر تلك الرسائل في مثل هذا؛ لأن حقيقة المحبة هي الاتباع والانقياد، فأين القرون المفضلة؟ وأين صحابة الرسول عن الاحتفاء والاحتفال بمولد أفضل الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه؟ فنبينا عليه الصلاة والسلام عبد الله ورسوله، عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب، بل يُطاع ويُتبع، صلوات الله وسلامه عليه، فمن أراد المتابعة فليحذر تلك البدعة في هذا الشهر خصوصًا، ونشرها وانتشارها، والحذر من ذلك، ورسائلها.
فاتقوا الله –عباد الله-، وأطيعوا الله عز وجل واتبعوه، تدخلوا جنة ربكم بسلام، فمن أراد الجنة فعليه بالكتاب والسنة.
العلم قال الله قال رسوله
*** قال الصحابة هم أولوا العرفان


يا رب إن ذنوبي في الورى كثرت
وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه
***
*** وليس لي عمل في الحشر ينجيني
حب الرسول وهذا القدر يكفيني

والله أعلم.
المشاهدات 886 | التعليقات 0