(( الإعتصام بالله ))

algehani algehani
1440/10/30 - 2019/07/03 14:16PM
الاعتصام بالله
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وإتبعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد فاتقوا الله (عباد الله) واعتصموا به،
ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم،
وإعلموا أن المؤمن كلما ازداد إيماناً زاد من الله قرباً، وعليه توكلاً، وبه اعتصاما
فإذا إدلهمت الخطوب، وتكالبت الكروب، وأظلمت الدروب، بَرَق نور اليقين، وأنار وميض الإيمان، وصدق الكريم المنان
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)
إذا اضطرب البحر وهاج، وتلاطم الموج وماج، وهبت الريح العاصف في الليل المظلم الداج، نادى أهل السفينة مستغيثين .. يا الله.
إذا أُغلقت الأبواب في وجوه الطالبين، وأُسدلت الستور أمام السائلين، صاحوا قائلين .. يا الله
إذا بارت الحِيَل، وضاقت السُبُل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، رفع المحتاجون أيديهم ورؤسهم وقلوبهم وأصواتهم .. يا الله
إليه سبحانه يصعد الكلم الطيب، والدعاء الخالص، والنداء الصادق، والتفجع الوالِه
إليه تُرفع الدعوات في الصلوات، والأيدي في الحاجات، والأعين في الملمات، والأسئلة في الحادثات
من الذي يفزع إليه المكروب، ومن الذي يستغيث به المنكوب، وتصمد إليه الكائنات، وتسأله المخلوقات؟
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)
هذا إبراهيم عليه السلام أُلقي في النار فقال حسبي الله ونعم الوكيل فقال الله عز وجل للنار: (يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)
وهذا موسى عليه السلام لحقه فرعون وقومه حتى كادوا أن يدركوه فـ (قال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) فأوحى إليه ربه أن يضرب بعصاه الصغيرة ذلك البحر الخضم العظيم، فضربه ضربة مؤمن عزيز بالله فانفلق البحر فكان فرقين (كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)
وهذا عيسى عليه السلام طلبه الأشقياء ليقتلوه فرفعه الله إليه.
وذاك يونس عليه السلام لبث في بطن الحوت في عمق البحر في ظلمات فوقها ظلمات (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
قال عز وجل: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)
وذاك زكريا عليه السلام بلغ من الكبر عتياً فرجى الله أن يرزقه ولداً صالحاً وكانت امرأته عاقراً فبشره الله فقال: (يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)
ومن قبلهم كان يوسف عليه السلام سجينَ جُبٍّ، ثم رهينَ خدمةٍ، ثم أسيرَ زنزانة، فلما صبر إذا بوالده النبي الكريم وأمه وإخوته الذين رموه في الجُب، يخرون له سجداً، وإذا به يدعو ربه ويناجيه فيقول: (ربِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)
ومن قبله أبوه إسرائيل عليه الصلاة والسلام، يفقد يوسف عشرات السنين ثم يفقد من بعده أخاه، ولكن الأمل في رحمة الله وروحه ما يزال ينعش قلبه ويصله بربه فيقول: (يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
أما أكرم الخلق صلى الله عليه وسلـم، ففيه أعظم الأسوة، وبه أحسن القدوة
ها هو صلى الله عليه وسلم قد أُدميت قدماه، وشُج جبينه، وكُسرت ثنيته، وُرميت البريئة الكريمة زوجته، وقُتل في يوم واحد سبعون من علماء صحابته، ومات كل أبنائه، ثم تتابعت جُل بناته في حياته، ولكن الله أورثه الدرجة العالية الرفيعة التي لا ينالها إلا عبد واحد من بين كل العباد، وإذا باسمه يُردَّد بعد ذكر الله خمس مرات كل يوم على رؤوس الخلائق في كل أقطار الدنيا.
وها هو مع أصحابه الكرام، وقد أرجف المرجفون وطارت الأنباء في صفوف المخذّلين بأن العرب قد تنادوا عليهم من كل مكان ليستأصلوا شأفتهم ويبيدوهم عن آخرهم، فصبروا واعتصموا بالله، فأنزل الله فيهم قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)
ثم أخبرهم الله عز وجل بحقيقة الأمر ليكونوا هم ومن جاء بعدهم على بصيرة، فقال عز وجل: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئه
فإستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
 
 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد وهو الحميد المجيد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله (عباد الله) حق التقوى.
وأعلموا أن تفويض الأمر إلى الله، والثقة بوعده، والتوكل عليه وحده، والاعتصام به وحسن الظن به، وانتظار الفرج منه: أعظم ثمرات الإيمان وأجلُّ مراتب اليقين (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
فإذا تكالبت عليك يا عبدالله الحوادث، وأُغلقت في وجهك الأبواب، فلا ترج إلا الله في إزالة مصيبتك ودفع ضُرّك، ورفع بليّتك (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ‪ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ* وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ * يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ * وَهُوَ الْغَفُورُ الرحيم)
وإذا إدلهم ظلام الليل، ونزل الكريم إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، فارفع إليه يديك في ذلك الوقت الذي ينادي فيه عباده فيقول:
(من يسألني فاعطيه، من يدعوني فاستجيب لـه، من يستغفرني فأغفر له)؟
فارفع إليه كفَّك، وقلَّب وجهك في ظلمات الليل في السماء، وناد الكريم أن يفرج عنك وعن المؤمنين، فإنه إذا قوي الرجاء، وجُمع القلب في الدعاء لم يُرد بإذن الله ذلك النداء.
فأكثر من الدعاء، ولا تستبطئ الإجابة، وأبعد عن قلبك اليأس، وادع دعاء المكروبين، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعاء الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم).
ونادِه نداء موقنٍ وقل:
(يا حي يا قيوم برحمتك استغيث).
وتواضع لـه واخضع في دعائك إليه وقل:
 (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
(عباد الله)
إن الله عز وجل قد ذكر طائفة من عباده ومدحهم وبشَّرهم فقال: (فَبشّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)
فما أسعدهم ببشارة الله، وما أحظاهم بالمنزلة العظيمة عند الله، يوم سمعوا قول ربهم فاتبعوه واقتدوا بنبيهم وأطاعوه‪.

فاللهم منَّ علينا فنكون من المتّبعين، وأرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، ووفقنا في أمور الدنيا والدين.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين فقد أمركم الله بذلك فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)  اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله الطيبين الطاهرين،  .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين،  وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين،  اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر،
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار)
(عباد الله) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون
فأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم
 وأشكروه على نعمه يزدكم  ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون
المشاهدات 822 | التعليقات 0