الإضاءة في مسائل الطهارة

خالد علي أبا الخيل
1437/05/02 - 2016/02/11 21:01PM
الإضاءة في مسائل الطهارة
التاريخ: الجمعة: 26/ ربيع ثاني/1437 هـ

الحمد لله، الحمد لله ذي القدرة القاهرة، والآلاء الباهرة، والآلاء الظاهرة، والنعم المتظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله أسبغ علينا نعمه باطنة وظاهره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علم أمته مسائل الطهارة.
ومنها: سنن الوضوء والطهارة،  وعلى آله وأصحابه أهل الهمم العالية أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله.

فتقوى الله للأواه زادٌ

*** فنعم الزخر في الأخرى مآبا

فلازم دربها تظفر بخيرٍ
*** وحقق حكمها تحرز ثوابًا


أيها المسلمون: تفقهوا في دينكم، واسألوا عن عباداتكم، فعلامة الخير هي: أن يفقه الإنسان العلوم العلمية والعملية ومن ذلك: الطهارة وسننها المختارة، وقد مر معنا حلقتين ماضيتين: الإضاءة في مسائل الطهارة في جمعتين ماضيتين، الوضوء وآثاره، والوضوء وصفته.
وفي هذه الجمعة الحلقة الثالثة نأخذ سنن الطهارة، إذ الوضوء كماله فروض وواجبات، وشروط محتمات، فكذا له سنن ومستحبات، وفائدتها زيادة في الحسنات، وتكفير للسيئات، وإتمامٌ وإسباغٌ، وطهارةٌ وجمالٌ، وبهاءٌ ونظافة، وكلما أتى بها الإنسان كان أكمل، ولوضوءه أحسن وأجمل، ولدرجاته أعلى.
وللوضوء سنن قولية وفعلية، حكمها: من أتى بها أُثيب وأُجر، ومن تركها فلا أثم ولا وزر.
فمن السنن أيها المؤمن: التسمية، فالتسمية باسم الله سنة في أول الوضوء، والتسمية ليست واجبة، فمن تركها سهوًا، أو عمدًا فوضوءه صحيح، ومن تذكر وهو يتوضأ يسمي ويكمل.
ومن سنن الوضوء: غسل الكفين ثلاث مرات عند البدء في الوضوء، سواء في الليل أو النهار، وأما إذا قام المرء من قيام الليل، فيتأكد عليه غسل كفيه ثلاثًا لما ثبت في الصحيحين: (إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
ومن سنن الوضوء: المضمضة، كما هو قول جمهور الأمة، وثبت فعله عن رسول الأمة.
ورابعًا وخامسًا: المبالغة في المضمضة والاستنشاق، فالمضمضة بإدارة الماء إلى أقصى الفم، والاستنشاق بجذب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف، لما ثبت في حديث لقيط بن صبرة: (وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه الثلاثة. أما الصائم فلا يبالغ في الاستنشاق والمضمضة خشية دخول الماء إلى جوفه.
ومن سنن الوضوء أيها الأوفياء: أخذ الماء من الإناء ونحوه بكف يده اليمنى فيتمضمض ويستنشق بها، ويصب بها الماء على أعضاء الوضوء كما في الصحيحين عن حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان دعى بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات، فغسلها، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنثر.
والسابع من السنن وقاكم الله شر مضلات الفتن: أن يكون الاستنثار وهو إخراج الماء من الأنف باليد اليسرى؛ لأن الاستنثار إخراج الأذى من الأنف، والقاعدة أن اليمنى للتكريم والتشريف، واليسرى لإزالة الأذى، فاليمنى للأمور الفاضلة، والشمال للأمور المفضولة.
ومن ذلكم بارك الله فيكم: تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه كما في حديث عثمان عليه من ربه الرضوان، كما رواه الشيخان.
ومن سنن الوضوء: جعلكم الله من أتباعه: تقديم المضمضة على الاستنشاق كما في صفة وضوءه عليه الصلاة والسلام. فعلى هذا لو غسل وجهه قبل المضمضة، والاستنشاق صح وضوءه، ولو استنشق قبل المضمضة صح وضوءه.
ومن سنن الوضوء: أن يجمع كل مضمضة واستنشاقٍ بغرفة، وذلك بأن يتمضمض ويستنشق من غرفة، ثم يأخذ غرفةٍ ثانيةٍ، فيمضمض ويستنشق، ثم غرفة ثالثةٍ فيمضمض ويستنشق، فيصبح أخذه ثلاث غرفات بست غسلات، وهذه هي الصفة الصحيحة، وهي من السنن المهجورة المجهولة، فعليه للمضمضة والاستنشاق صفتان: الوصل كما هنا، يمضمض ويستنشق بغرفةٍ واحدةٍ ثلاث، والفصل فيتمضمض بثلاث غرفات ويستنشق بثلاث غرفات، فيكون هنا بست غرفات، بست غرفاتٍ وست غسلات.
الحادية عشرة أيها الأخوة: التثليث في المضمضة والاستنشاق، والتثليث في غسل اليدين والرجلين، والوجه، وهذا أكمل الوضوء وأحسنه، وأتمه وأسبغه، وكذا من سننه التثنية في غسل الأعضاء، فيتمضمض ويستنشق ، ويغسل وجهه ويديه، ورجليه مرتين مرتين، فعلى هذا تارة يثلث في غسل أعضائه، وتارة يثني في غسل أعضائه، وكلٌ سنة.
مسألة: وإن نوع الغسلات فغسل وجهه مثلًا اثنتين، واليدين واحدة، والرجلين ثلاثًا، ونحو ذلك صح وضوءه، إلا الرأس فأنه يمسح مرة واحدة.
ومن سنن الوضوء المهجورة، ومستحباته المجهولة: استعمال السواك عند الوضوء، وهذا أحد مواطنه المشروعة، لما ثبت عند أحمد ومالكٍ، وعلقه البخاري، (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مع كل صلاة) وهو بالخيار إن شاء تسوك قبل البداءة بالمضمضة، وإن شاء تسوك حال المضمضة.
والرابعة عشرة من السنن المستحبة: إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها، ودلك الجسد بها لقوله : (اسبغي الوضوء) وهذا الدلك والإمرار لليد غير واجب، إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء.
ومنها: أن يتجاوز محل الفرض بالغسل قليلًا؛ لما في مسلم (فغسل وجهه فاسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم الرجلين مثل ذلك حتى أشرع في الساق).
ومن السنن وفقكم الله للعمل بالسنن: تخليل الأصابع للرجلين بإدخال الأصابع بينها، وفي اليدين بتشبيكها لحديث لقيط بن صبرة (وخلل بين الأصابع) وهو أن يدخل الماء بين أصابع يديه ورجليه، هذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل، فيسن التخليل، أما إذا كان لا يصل إليها الماء لتلاصقها وتقاربها، فيجب حينئذ التخليل.
الثامنة عشرة من سنن الوضوء الطهارة: مسح الأذنين، ومسحهما يكون بعد مسح الرأس، وفي سنن أبي داود وابن ماجه عليهما رحمة الله: (وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا، وَبَاطِنِهِمَا، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ) وصفة مسح الرأس سنة، وهو أن يبل يديه، ويضعهما على مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردهما إلى مقدم رأسه، وهذا كله سنة.
المسح وصفته ففيه ثلاث مسائل:
مسحهما، وكون المسح بعد مسح الرأس، وصفة مسحهما.
هذا وأسأل الله أن يفقهنا في دينه، وأن يجعلنا من الدعاة إلى سبيله على بصيرة، قلت ما سمعتم، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي الكبير، وسبحان الله اللطيف الخبير، أيها المسلمون:
ومن سنن الوضوء أسعدكم المولى: غسل اليمنى قبل الشمال، وهذا يكون في اليدين والرجلين، أما الوجه والرأس فهما سواء، ومنها: أن يتوضأ بمدٍ فكان عليه الصلاة والسلام يتوضأ بمدٍ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، والمُد هو ملء اليدين المعتدلتين المتوسطتين، ولقدر للوضوء والغسل بحدٍ لا يجوز تجاوزه، والنقص منه وزيادته إلا إذا وصل إلى حد الإسراف، فينهى عنه، فيستحب الاقتصاد والتوفير، وعدم الإسراف والتبذير خصوصًا في هذه الصنابير التي تدفع الماء دفعًا، وتفتحها فتحًا، لا يمكن التقيد منها إلا بالترشيد ونقص الماء.
ومن الوسائل الحديثة الجميلة، المياه الكهربائية، والصنابير الذكية التي إذا وضعت يدك أمامها سالت وأعطت، فهي تعين على عدم الإسراف، وترشيد المياه، فالواجب التقليل، أو الضوء من إناءٍ كما كان هديه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ من إناء.
ومن سننه: تجديده، وهو أن يكون على وضوءٍ، ثم يتوضأ من غير أن يحدث، والسؤال: متى يسن تجديده؟ فالجواب: يسن تجديده إذا فعل العبد بالوضوء الأول عبادة كالصلاة والتلاوة، ويجوز أن يصلي الصلوات بوضوءٍ واحد، وتجديده لكل صلاةٍ سنة.
الثانية والعشرون أيها الأخوة المؤمنون: أن يقول الذكر الوارد بعد الفراغ من الوضوء، وقد ورد في الباب حديثان صحيحان: الأول: أن يقول كما في مسلم (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ).
والثاني: ما ثبت عن ابن مسعود موقفا (من توضأ ثم فرغ من وضوءه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك ختم عليها بخاتمٍ، ثم وضعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة، وله أن يجمع بينهما)، فهذه اثنتان وعشرون سنة، من سنن الوضوء، فيا سعادة من استكملها وأتمها، وواظب عليها، وتفقدها، هنيئًا لمن كل يومٍ يتوضأ خمس مرات، في هذه الفضل والسنن، وذلك فضل الله ذو المن.
أيها المسلمون هذا ومن المسائل المتعلقة بالموضوع، مما ينبغي التنبيه عليها: استقبال القبلة، ورفع البصر، ورفع السبابة بعد الوضوء ثلاثتها لا دليل عليها، فلا يشرع فعلها بعد الوضوء.
ومما لا يشرع للمتوضئ أن يقول ذكرًا معينًا على الأعضاء، فلم يرد ما يدل على ذلك، فالأذكار على الأعضاء لا دليل عليها، وكذا لا يُشرع الصلاة على النبي  على الوضوء، وهذا مما لا دليل عليه، أو ذكر الشهادتين على الأعضاء، فلم يصح سوى الذكر السابق بعد الوضوء، والتسمية في أوله، وما عداه لا يصح فيه شيء.
ومن المسائل: أن تنشيف الأعضاء جائز ليس بسنةٍ ولا بدعة، ويراعى في ذلك المصلحة والحاجة، كالبرد ونحوه، ومما هو بدعة، ولا يشرع مسح العنق فالتقرب بمسح العنق بدعة.

والله اعلم
المشاهدات 1063 | التعليقات 0