الإصلاح الذي نأمُله للأمة.. سياسي أو حضاري؟ (مهم قراءته هذا الوقت)

الإصلاح الذي نأمُله للأمة.. سياسي أو حضاري؟

طارق حسن السقا


إن المتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن هناك أصواتًا وأفكارًا وأقلامًا ورؤى إصلاحية كثيرة تهدف جميعها إلى تغيير الواقع المتردي الذي تعيشه أمتنا اليوم، كما تسعى هذه القوى الإصلاحية إلى تجويد هذا الواقع وتطويره إلى الأفضل، وقد تختلف أساليب, ووسائل, ورؤى, ونظريات هذه القوى الإصلاحية نحو التغيير والإصلاح، غير أن الواقع يفرض علينا أن نتساءل:
- أي إصلاح تريده الأمة؟
- وأي تغيير يجب أن نسعى جميعا لتحقيقه؟
- وهل ضماد جراح الأمة تكمن في إحداث تغييرات سياسية اقتصادية؟
- أو إحداث تغييرات حضارية وفكرية؟

إن الفرق بين طبيعة النوعين بيّن وشاسع، فالتغييرات السياسية في أي من المجتمعات قد تحدث فجأة وبين عشية وضحاها (سقوط نظام صدام حسين مثلا)، وقد تحدث بسبب انتصار حربي, أو بسبب تغيير أشخاص ذوي فاعليه سياسية كبيرة، أو ثقل دولي, أو بسبب ضغوط اقتصادية، أو حربية، أو نفسية، لهذا أو ذاك من الأسباب، وبمقدار السرعة التي تنتج عنها التغيرات السياسية، والاقتصادية، تكون سرعة زوال أثرها أيضا (سقوط الاتحاد السوفيتي والنظام الشيوعي مثلا) بحيث تبدو الأمور حين تزول أسباب التغيير السياسي، أو الاقتصادي، وكأنها لم تكن شيئا، وسرعان ما تعود (ريمة) إلى عادتها القديمة.

أما التغييرات الحضارية، أو الفكرية، فهي لا تتم بهذه السرعة مطلقا، بل غالبا ما تأخذ أوقاتا طويلة, وأزمنة مديدة، حتى يتسنى لها التمكن، والرسوخ، في واقع حياة الأمة، وربما لا يتسنى لمن بذر البذرة في هذه الحالة أن يرى الثمرة، ولكن غالبا ما تحقق نتائجها في أجيال لاحقة، وغالبا تكون آثارها طويلة وممتدة.

ومن أبرز طبائع التغييرات الحضارية أنه يصعب اقتلاعها من جذورها بسهولة إلا بعد مرور أوقات طويلة, وأزمنة مديدة أيضا.

ومن طبيعة التغييرات الحضارية والفكرية أنها دائما ما تصطدم بمحور العادات المألوفة, والتقاليد المعهودة، والثقافات الموروثة, والعقائد الفاسدة التي تربت عليها الأجيال على مر العصور.

ومن ثم فإن محور العادات والتقاليد، محور نزال خصب لم تهمله قوة من القوى الاستعمارية عبر تاريخ الفكر الاستعماري الطويل مع أمتنا، فكل قوى الشر لما حاولت السيطرة على أمتنا سخرت كل إمكانياتها، وبذلت الغالي والنفيس، من أجل السيطرة على محور عادات الأمة وتقاليدها، وأخذت تهزم الأمة في عادتها وتقاليدها الأصيلة (حجاب المرأة مثلا)، وعملت على اجتثاث هذه العادات وهذه التقاليد من جذورها, وزرعت الكثير من العادات والتقاليد الممسوخة والتي ساعدت على تمييع شخصية الأمة ومن ثم إضعافها ليسهل السيطرة عليها.

لذلك يجب أن يعي المصلحون الدعاة، والمثقفون، والإعلاميون، والمربون، في مجتمعنا هذه الحقيقة، كما يجب أن يعي الجميع أن مجموعة العادات والتقاليد، التي تسربت إلى وعى الأمة -المغيب خلال أوقات ضعفها- كانت وما تزال هي أكبر حائط صد يعوق نهضة أمتنا اليوم, كما كان عائقا في وجه أنبياء الله، ورسله في الماضي، فمنذ أن حاولوا تغيير هذه العادات البالية، والتقاليد المعيقة لآدمية الإنسان كما يريده مولاه, واجهوا الرد المشهور من أقوامهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]

فعلى كاهل شريحة الصفوة المستنيرة في المجتمع تقع أكبر المسؤوليات, وأعظم التبعات في سبيل تخليص أمتنا من العادات والتقاليد التي غزت مجتمعاتنا ومسختها, وميعت شخصيتها، وأضعفت مقوماتها, وفي الوقت نفسه عززت –وما زالت تعزز حتى اللحظة- موقف أعداء الأمة.

إن كل من يتصدي لإحداث تغيير حضاري، فكري، في مجتمعنا عليه أن يعلم أن مؤشر نجاحه، إنما يكمن في قدرته على اقتحام محور العادات والتقاليد، والسيطرة عليه، والعمل على تغير الأعراف الفاسدة، واستبدال الأعراف الأصيلة بها، بحيث تكون مفيدة، تعود بمردود إيجابي على الإنسان كما يريده الله سبحانه وتعالى.

إن الأخذ بيد الأمة صوب تحقيق الإصلاح الحضاري، والفكري، هو الأمل والتحدي الذي يجب أن يقتحمه كل من أراد لهذه الأمة أن تسعد، وتعود، لتسود، وتقود العالم من جديد.

المصدر: الألوكة
المشاهدات 1521 | التعليقات 0