الإسلام وسط بين الإسراف والتقتير، وبين البخل والتبذير
محمد البدر
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى :﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾وَقَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾يقول الشَّيْخِ السَّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار﴿وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً﴾.إلخ ،وَقَالَﷺ «المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًي وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فنحن مسؤولون أمام الله عن هذه النعم ، مسؤولون عن شكرها وحسن التصرف فيها،ولا شكَّ أنَّ الإسراف تعدَّدت صوره ومظاهره و يقع في أمور كثيرة كالمأكل، والمشرب، والملبس، والمركب، والمسكن، وغيرها، فمن صور الاسراف المبالغة في تناول الأطعمة والمشروبات،قَالَ تَعَالَى :﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾،فنحن نسرف في الأكل والشرب ونتفاخر به في الزواجات والعزاء وكل المناسبات حتى فشا فينا السّمنة المفرطة،وانتشرت الأمراض ودب فينا الخمول والكسل قَالَﷺ: « مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فنحن مع الأسف لا نملأ بطوننا فقط، بل نملأ حتى صناديق النفايات بنعمة الله قَالَ تَعَالَى:﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.ومن صور الاسراف استخدام الماء واستعماله ، لاسيما الماء الصالح للشرب ،فيضخ الماء بصورة كبيرة لري المزروعات ولغسيل السيارات وتنظيف الأفنية و المبالغة في استعماله في غسيل المواعين وغسيل دورات المياه وغيرها فعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.ومع هذا فنحن أكثر إسرافاً في الماء، وهدراً له، مع أننا نعلم أن أجدادنا إلى وقت قريب كانوا يحصلون على الماء من الآبار بمشقة وصعوبة فموارد الماء كانت ضئيلة جدا.كذلك الإسراف في الكهرباء ،فكمْ هُمُ الذين يضعون في بيوتِهم أو متاجرِهم أو مجالسِهم من الإضاءةِ أو التكييفِ ما يزيد على حاجةِ المكانِ،كذلك الاسراف في تضييع الأوقات لمشاهدة القنوات الفضائية وأجهزة الجوال والوات ساب وبرامج التواصل الاجتماعي ومتابعة الأنشطة الرياضية . ومن صور الاسراف:الإسراف في المعاصي والآثام: قَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:ومن أهم أسباب الإسراف هو الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية ،والاعتقاد أن ذلك من الكرم والجود وإظهار نعمة الله والافتخار بذلك.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللَّهِ: ومن صور الاسراف التسوق بلا حاجة فقط لضياع الأوقات وهدر الأموال بلا ضرورة ملحة ،كذلك الاسرافُ في شراء الملابس واقتنائها،قَالَﷺ« كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ.
وهناك من يسرف في القيل والقال ونقل الكلام وإشاعته بين الناس، قَالَﷺ:« إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فلنحذر من الاسراف فمضاره عظيمةقَال تَعَالَى﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ﴾ ينبغى أن نشكر الله على هذه النعم ومن أجلها نعمة الاسلام ونعمة التوحيد والسنة ونعمة الأمن والأمان ونعمة إقامة شرع الله ،حتى تدوم وتستمر بل وتزيد وتقر.
.الا وصلوا