الإسراف + موافقة للتعميم ( مشكولة )

صالح عبد الرحمن
1446/10/17 - 2025/04/15 08:54AM

خطبة عن الإسراف

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى، وَأَضَلَّ بِحِكْمَتِهِ وَهَدَى، وَمَنَعَ وَأَعْطَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، وَالرَّسُولُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾

أيها المؤمنون: يَفْترِقُ الناسُ في المَسَاعِي

وَيَـخْتَلِفُوْن.. ويَتَبَاعَدُوْنَ في المَقَاصِدِ وَيَتَبَايَنُون.

ولا تَسْتَقِيْمُ الحَياةُ إِلا بالقِيامِ بالقِسْط. 

ولا تَصْلُحُ الحياةُ إِلا بإِقامَةِ الميزان{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}

مِيْزانٌ يُقِيْمُهُ المَرْءُ.. فَتَسْتَقِيْمُ لَهُ مَساعِيْه. فَلا يَجْنَحُ ذَاتَ الشِّمَالِ ولا يَجنَحُ ذات اليَمِين.  وصَراطُ اللهِ المُسْتَقِيْمُ، مَنْهَجٌ قَوِيْمٌ.. وسَطٌ بَيْنَ سَبِيْلَينِ مُفْتَرِقَيْن، وعَدْلٌ بَيْنَ طَرِيْقَيْنِ مُنْحَرِفَيْن {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}

ولا صَلاحَ لِدُنْيَا المرءِ مَا لَمْ تَكُنْ الخُطى على حُسْنِ التَّدْبِيْرِ تَسِيْر، ولا أَضَرَّ بِالعَبْدِ في حَيَاتِهِ.. مِنْ جُنُوحٍ يَنْحَرِفُ بِهِ عَنْ أَواسِطِ الأُمورِ وأَكْمَلِها. إِلى مُنْحَدَرٍ يَنأَى بِهِ إِلى طَرَف.  إِلى (بُخْلٍ وتَقْتِيْر) أَو إِلى (إِسْرَافٍ وتَبْذِيْر)

وَفِيْ القُرْآنِ ذَمَّ اللهُ هذينِ النَّقِيْضَيْنِ، وَحَذَّرَ مِنَ هذينِ الضِّدَّيْنِ. فَمَقَتَ البُخلاءَ فَقال: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} وَأَغْلَظَ في وَصْفِ المُبَذِّرِيْن فَقال: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}وَمَدَحَ المُقْتَصِدِيْنَ المُنْصِفِيْن المُعْتَدِلِيْن فَقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.

مِيْزَانُ عَدْلٍ لِمَنْ عَقَل {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} في اعْتِدالٍ مَحْمُودٍ، لا يَلْحَقُهُم بِهِ ذَمٌّ ولا نَدَم. {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} لا تَكُنْ بَخِيْلاً مُمْسِكاً.. كأَن يَدَكَ إِلى عُنُقِكَ قَدْ غُلَّت. فإِنَّ البُخْلَ مِنْ أَرْذلِ الأَخلاقِ وأَنْكَسِها.   ولا تَكُنْ مُسْرِفاً مُبَذِراً.. فإِنَّ الإِسْرَافَ مِنْ أَدْنَى المبادِئِ وأَنقَصِها. وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا.

وحِيْنَ يَتَبَاهَى النَّاسُ.. في مآكِلِهِم ومَشَارِبِهِم، وَمَرَاكِبِهِم ومَسَاكِنِهِم، ويتَفاخَرَونَ فِي أَمْتِعَتِهِم ومُقْتَنَيَاتِهِم، وَفِي حَفَلاتِهِم وكَمالِياتِهِم. وفي سَفَرَاتِهِم ومُشْتَرَياتِهِم.  حِيْنَ يَتَكاثَرُونَ.. فإِن لَمْ يَجِدُوا.. فَبِمَظَاهِرِ الثَراءَ يَتَظَاهَرَون.

حِيْنما تَبْرُزُ هذه المعانِيْ.. وتَستَوْلِيْ عَلى العُقُول.. فَلا تَسَلْ عَنْ مَشاهِدَ مِنْ العَناءِ مُؤْسِفَة. إِضاعَةٌ لِلْمَالِ  وتَبْدِيْدٌ لَهُ..هَدْرٌ لِلمَالِ.. والمالُ لِلحَياةِ قِوَام. 

انْحَنَتْ في طَلَبِهِ ظُهُورُ الرِّجال.. فَبَدَّدَهُ سَفِيْهٌ أَو سَفِيْهَةٌ في أَتْفَهِ مَطْلَبْ. وأَتْلَفُهُ سَفِيْهٌ أَو سَفِيْهَةٌ في أَرْفَهِ مَأَكَلٍ أَو مَلْبَسٍ أَو مَشْرَبْ.   عُقُوبَةٌ لِمَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لأَمْرِ اللهِ: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}

ولا يُخاطَبُ بَخِيْلٌ عَنْ شُؤْمِ الإِسْرَافِ.. فَمَا ذَاكَ لَهُ بِدَواءَ.  كَما لا يُخاطَبُ مُسْرِفٌ عَنْ فَضْلِ الكَرَم.. فَما ذاكَ لَهُ بِشِفاءَ. {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} 

 بارك الله لي ولكم..

الحمد لله رب العالمين {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ الوَاحدُ القَهَّار، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُ الله وَرَسُوْلُه المُصطفى المُختار، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأَصْحَابِهِ البَرَرَةَ الأَطْهار، وسلَّم تسليمًا. 

أَما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

أيها المسلمون: والإِسْرافُ.. تَجاوُزُ الحَدِّ في كُلِّ فِعْل. أَو التَمادِيْ بأَمرٍ.. يَخْرُجُ بِهِ المرءُ مِنْ دائِرَةِ المُباحِ إِلى دائِرَة ما لا يُباح، أَو مِن دائِرَةِ ما يُحْمَدُ إِلى دائرةِ ما لا يُحْمَد، أَو مِنْ دَائِرَةِ ما يَنْفعُ إِلى دائرةِ ما لا يَنْفَع.

والاقْتِصادُ.. مَسْلَكٌ لا يُحسِنُ فَنَّهُ إِلا مَنْ لَهُ عَقْلٌ وفِطْنَةٌ وَوَرَعٌ ودِيانَة. 

وفي شأَن المآكِلِ والمطَاعِم.. يَطُولُ الحديثُ عَن صُورٍ شائِعَةٍ مِن التَّبْذِيْرِ والتَّبْدِيْدِ والإِسْرَافِ اعْتادَ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الناسِ، فَصارَتْ في أَعْيُنِهِم أَمْراً هَيِّناً لا يُؤْبَهُ لَه.

تُقامُ الولائِمُ.. فَتُهَيَّأُ لَها أَنواع المطَاعِمِ والمآكِل.  

فَيَنفَتِلُ النَّاسُ عَنها، وكَأَن لَمْ يُؤْكَلْ مِنها شَيئاً.  أُنْفِقَتْ فِيْها أَموالٌ، وأُهدِرَتْ فيها نِعَم، وتسببت بأضرار دينية واقتصادية واجتماعية، فهو معصية لله ولرسوله، وسبب لشغل الذمم بالديون في غير طائل، وكسر لقلوب الفقراء والمساكين.

ولَو أَنَّ دَاعِي الإِيْمَانِ في القَلْبِ قَام.. لَحَجَزَ النَّفْسَ عَنْ هَواها. ولَذَكَّرَها بالسؤَالِ يَومَ القيامةِ أَمامَ مَولاها.  إِذْ لَيسَ كَرَماً.. أَنْ تُهْدَرَ النِعَمُ.. ولَيْسَ شَهامَةً أَن يُبالَغَ في كَثْرَتِها.  عَنْ جابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (طَعامُ الواحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وطَعامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأرْبَعَةَ)

رواه مسلم.

ومن المظاهر الملفتتة التي نعيشها أيها الكرام ما نراه من ظاهرة تصوير الولائم ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي والتي أخرجت الولائم من مفهوم الكرم إلى الرياء والمباهاة.

فتَرْبِيَةُ الجِيْلِ عَلى الاقْتِصادِ وعدمِ الإِسرافِ في المأَكَلِ والمَشربِ والمَلْبَس والمباهاة.. تَرْبِيَةٌ تَتَوافَقُ مَع هدي القُرآن {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}

فلا نكن يا مؤمنون بإسرافنا سبباً في أن تحل بنا المَثُلات، وأن تترحّل النِعمُ ونُحْرَمَ البركات.

 أنفِق وكُلْ واشرب واصنع ما شئت، مِن غَيرِ سَرَفٍ ولا مَخيلةٍ، ومِن غيرِ تبذيرٍ ولا معصية.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسو الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا واشربوا والبسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة).

فَما للنِعَمِ مَعَ الكُفرانِ قَرار. {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}

وأَعظَمُ ما شُكِرَتْ بِهِ النِعَمُ.. قِيامٌ بأَمرِ الله ظاهِراً وباطِنا.

وأَعظَمُ ما كُفِرَتْ بِهِ النِعَم.. صُدُودٌ وجحودٌ ومعصيةٌ وإِعراض {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}

المشاهدات 680 | التعليقات 0