الإسراف في حفلات النجاح (وفيها إشارة إلى مأساة حلب)
المهذب المهذب
1437/07/22 - 2016/04/29 06:03AM
الإسراف في الحفلات 22/7/1437
مجموعة من عدة خطب ..
الخطبة الأولى:
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا لآخرتكم، وخذوا من حياتكم لموتكم، ومن صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشُغلكم، ومن فقركم لغناكم، أعانني الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أيها الإخوة: إن من النعم الوفيرة التي حبانا الله إياها: وفرةَ المال في أيدي كثير من الناس على تفاوت في ذلك بينهم، وهي والله نعمة ومسؤولية يحاسب عليها العبد يوم القيامة، ويسأل عنه يوم يقف بين يدي ربه -عز وجل.
ألا وإن من الواجب على الآباء والأزواج والأولياء القيامَ بالمسئولية تجاه نعمة المال، واتباعَ ما أرشد إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: "وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا"، وقوله سبحانه: "وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا"، ويقول تعالى: "وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا".
وفي الوقت الذي يُنهى فيه الآباءُ والأولياءُ عن التوسع في إعطاء الأموال من تحت ولايتهم من الزوجات والأولاد؛ فإن من الرشد في استعمال المال إعطاءَهم ما يكفي حاجاتهم، ويبعدهم عن النظر إلى ما في أيدي الآخرين، ويُشبعُ رغباتهم المشروعة، وتلك معادلةٌ وإن بدت في أول الأمر صعبةً، لكنها عند الآباء والأولياء الراشدين ميسرةٌ بإذن الله تعالى؛ يتوخَّى الأبُ والوليُّ فيها ما يُرضي ربَّه، ويحققُ مصلحةَ أهله وولده.
أيها الإخوة: إن من المظاهر التي تستدعي منا الوقوفَ عندها، والسعيَ لتجنب مفاسدِها وأخطارِها: ما نشاهده ونسمع عنه هذه الأيام من المبالغة في الحفلات والمناسبات الاجتماعية حتى أصبح لكل مناسبة حفلة، ومن هذه الحفلات: ما يسمى بحفلات التخرج أو حفلات النجاح، والتي لم تعد قاصرة على مرحلة معينة، بل تبدأ من غير مبالغة مع الإنسان من مرحلة الروضة إلى المرحلة الجامعية، أو ما بعدها!
حفلةٌ للتخرج من الصف الأولِ الابتدائيّ، وحفلةٌ في العام الذي يليه للتخرج من الصف الثاني، وهكذا في كل مرحلة سواء من جانب الأبناء أو البنات، ولو اقتصر الأمرُ على حفلة تخرجٍ لهان الخطب، ولكن لننظر ما يصاحب هذه الحفلات من المخالفات والتي يأتي في مقدمتها الإسرافُ والتبذيرُ في اللباس، وبخاصةٍ عند الطالبات، حيث يُجعل لحفلِ التخرج لباسٌ معين، تُكلَّف الأسرةُ بشرائه، ومصيره غالباً للرمي والإتلاف.
وقد يتجاوز الأمرُ ذلك إلى استئجار قاعاتٍ أو استراحاتٍ لإقامة حفلات التخرج فيها، وما يصاحب ذلك من ترتيبات وإجراءات تكلف مبالغَ ماليةً باهظة؛ فهذا مبلغ لاستئجار القاعة، وآخر لمصمِّمِ أو مصممةِ الحفل، وثالثُ ربما لاستئجار المغنين أو المغنيات، ورابع للهدايا والجوائز، وخامس للورود والحلويات، وسادس للأطعمة والأكلات والمشروبات، وغير ذلك من صور الإسراف المقيت والتبذير الصارخ!!
ووالله إن العاقل ليحزن حين يرى النعمَ المرميّةَ والمهانة بعد انتهاء تلك الحفلات، والأطعمةَ التي لم يؤكل منها إلا أقل القليل! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ناهيك عما يصحب هذه الحفلاتِ غالباً من لباسٍ غير لائق، وتساهلٍ في التصوير، وتقليدٍ للفساق أو الكفار!
لنتذكر أيها الإخوة في الله مجتمعاتٍ عديدة حُرمت نعمةَ المال؛ يتمنى الواحد منهم كسرةَ خبزٍ يابسة يطعم بها أولاده، وقطعة قماش بالية تقيهم شدة البرد أو حرارة الشمس، ونحن نتقلب في هذه النعم الوفيرة والخيرات المتتابعة.. أهكذا يكونُ شكر النعم؟؟ وهل هذه الأفعال تعين على حفظ النعم واستقرارها؟؟ وَمَاذَا سَنَقُولُ للهِ تَعَالَى عِنْدَ مَقْدِمِنَا عَلَيْهِ، وَوُقُوفِنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فِيمَا نُهْدِرُهُ مِنْ أَوْقَاتٍ وَأَمْوَالٍ!!
إِنَّ مِنَ المُؤسِفِ أَنَّ مَا يُنْفَقُ عَلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فِي حَفَلاَتِ التَّخَرُّجِ وَالنَّجَاحِ، فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ يُوَازِي مَا يُنْفَقُ عَلَى النَّاجِحِ فِي تَعْلِيمِهِ وَتَأْهِيلِهِ طُوَالَ العَامِ، وَرُبَّمَا فَاقَهُ!
إن النعمَ لا تدوم إلا بالشكر، وأما الإسراف والتبذير فهو أسرعُ طريقٍ لزوال هذه النعم وفرارِها، نعوذ بالله أن نكون ممن بدلوا نعمة الله كفراً، ونسأل الله تعالى أن يحفظَ علينا أمننا وإيماننا، وأن يُديمَ علينا نعمه الظاهرةَ والباطنة، وأن يُوزِعَنا شكرَها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنَّكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد".
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي صغيرَها وكبيرَها؛ فإن أقدامكم على النار لا تقوى.
عباد الله: فِي الوَقْتِ الَّذِي نَلْهُو فِيهِ وَنَلْعَبُ تُحِيقُ بِأُمَّتِنَا أَخْطَارٌ جِسَامٌ، وَيُحِيطُ بِهَا الأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُرِيدُونَ تَبْدِيلَ دِينِهَا، وَمَسْخَ شَرِيعَتِهَا، وَإِفْسَادَ أَخْلَاقِهَا، وَاحْتِلاَلَ دُوَلِهَا، وَنَهْبَ ثَرَوَاتِهَا، وَاسْتِلاَبَ عُقُولِهَا، يَتَآزَرُ عَلَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ، وَيَقْتَسِمُونَ الأَدْوَارَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِإِنْهَاكِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَالقَضَاءِ عَلَيْهَا، وَقَدْ بَانَ لِكُلِّ ذِي عَيْنَيْنِ مَكْرُهُمْ وَكَيْدُهُمْ بِأَهْلِ الشَّامِ؛ عَجَّلَ اللهُ تَعَالَى فَرَجَهُمْ، وَكَبَتَ أَعْدَاءَهُمْ.
إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَسْتَحِي مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ نَلْهُوَ وَنَلْعَبَ وَإِخْوَانُنَا فِي الشَّامِ والعِرَاقِ -وَفِي حَلَبَ تَحْدِيْدَاً- يُذْبَحُونَ ذَبْحَ النِّعَاجِ، وَتُنْتَهَكُ أَعْرَاضُهُمْ، وَتُدَكُّ بِالصَّوَارِيخِ بُيُوتُهُمْ، وَيُمَزَّقُ أَطْفَالُهُمْ، وَيُعَذَّبُ أَحْرَارُهُمْ، بَلْ طَالَ القَصْفُ مَسَاجِدَهُمْ وَمَدَارِسَهُمْ وَمُسْتَشْفَيَاتِهِم، وَهُمْ يَسْتَغِيثُونَ بِنَا مُصْبِحِينَ وَمُمْسِينَ، إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَسْتَحِي مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ نَلْهُوَ وَنَلْعَبَ وَهَذَا حَالُهُمْ، وَنَسْتَحِي مِنَ التَّارِيخِ أَنْ يُدَوَّنَ فِي أَيَّامِهِ أَنَّ أُمَّةً تَلْهُو وَتَلْعَبَ وَإِخْوَانُهَا فِي الدِّينِ يُعَذَّبُونَ وَيُقْتَلُونَ.
لِمَاذَا لا نَقْتَصِدُ فِي لَهْوِنَا وَلَعِبِنَا وَاحْتِفَالاَتِنَا، وَفِي إِنْفَاقِنَا عَلَى اللَّهْوِ واللَّعِبِ؛ لِنَعِيشَ مَعَ إِخْوَانِنَا فِي كُرْبَتِهِمْ، وَنُخَفِّفَ عَنْهُمْ الْشِّدَّةَ بِمَا نَبْذُلُهُ لَهُمْ؟! وَالَّذِي جَعَلَ أُخُوَّةَ الدِّينَ حَتْمًا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، لَوْ وَفَّرْنَا شَطْرَ مَا نُنْفِقُهُ عَلَى اللَّهْوِ واللَّعِبِ لأَغْرَقْنَاهُمْ بِالمَالِ، وَلأَمْدَدْنَاهُمْ بِقِيمَةِ السِّلاَحِ، وَلآوَيْنَا مُشَرَّدِيهِمْ، وَأَطْعَمْنَا جَوْعَاهُمْ، وَعَالَجْنَا جَرْحَاهُمْ، وَخَفَّفْنَا عَنْهُمْ مُصَابَهُمْ!
إِنَّ غَفْلَةَ قُلُوبِنَا وَلَهْوَهَا وَلَعِبَهَا هُوَ الَّذِي جَرَّدَهَا مِنَ الإِحْسَاسِ بِمُصَابِ إِخْوَانِهَا، وَأَمَاتَ المَشَاعِرَ وَالأَحَاسِيسَ، حَتَّى صَارَتِ الأَعْيُنُ تُشَاهِدُ مَنَاظِرَ الرُّعْبِ فِي نَشَرَاتِ الأَخْبَارِ ثُمَّ تُدِيرُ الوَجْهَ عَنْهَا إِلَى آلَةِ لَهْوٍ أَوْ تَفْكِيرٍ فِي تَرْفِيه!!
أَلاَ فَلْنَتَّقِ اللهَ تَعَالَى فِي أَنْفُسِنَا، وَفِي أَوْقَاتِنَا، وَفِي أَمْوَالِنَا، وَفِي إِخْوَانِنَا المُضْطَهَدِينَ؛ لِئَلاَّ يَحِلَّ بِنَا مَا حَلَّ بِهِمْ، فَلَقَدْ امْتَلَأَتْ قُلُوبُ الأَعْدَاءِ بِالحِقْدِ عَلَيْنَا وَعَلَى دِينِنَا وَجِنْسِنَا، وَلَنْ يَرَدَّهُمْ عَنَّا بَعْدَ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ وُقُوفُنَا مَعَ إِخْوَانِنَا فِي أَرْضِ الشَّامِ المُبَارَكَةِ.
اللَّهُمَّ يِا غَوْثَ المُسْتَغِيثِينَ، وَيَا نَاصِرَ المُسْتَضْعَفِينَ، أَغِثْ إِخْوَانَنَا فِي الشَّامِ بِنَصْرٍ مُبِينٍ، اللَّهُمَّ أَمِدَّهُمْ بِجُنْدِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ نَصْرَكَ.
اللَّهُمَّ يَا مُذِلَّ الجَبَابِرَةِ، وَيَا كَاسِرَ الأَكَاسِرَةِ، اكْسِرْ شَوْكَةَ الرَّوَافِضِ وَالنُّصَيْرِيِّينَ، اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ، وَشَتِّتْ شَمْلَهُمْ، وَخَالِفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاقْذِفِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَامْنَحْ إِخْوَانَنَا رِقَابَهُمْ.
اللَّهُمْ قَدْ تَكَالَبَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّ الدَّاخِلِ وَأَعْدَاءُ الخَارِجِ، وَكَادُوا بِهِمْ كَيْدًا عَظِيمًا، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ عَاقِبَةَ أَمْرِ البَاطِنِيَّةِ وَحُلَفَائِهِمْ خُسْرًا، وَأَحْبِطْ كَيْدَهُمْ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ.
اللَّهُمَّ ضَعُفَ الرَّجَاءُ إِلاَّ بِكَ، وَتَقَطَّعَتْ حِبَالُ المَدَدِ إِلاَّ حَبْلُكَ، اللَّهُمَّ فَأَمِدَّ إِخْوَانَنَا بِجُنْدِكَ، وَاكْتُبْ لَهُمْ نَصْرَكَ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدِكَ.
اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ عِصَابَةُ المُؤْمِنِينَ فِي الشَّامِ يَتَمَكَّنِ البَاطِنِيَّةُ وَالصَّهَايِنَةُ مِنْ أُمَّةِ الإِسْلامِ، اللَّهُمَّ نَصْرَكَ المُبِينَ لِعِبَادِكَ المُجَاهِدِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ بِكَ لَهُمْ فَأَيِّدْهُمْ بِنَصْرٍ مُبِينٍ؛ فَإِنَّكَ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ...
مجموعة من عدة خطب ..
الخطبة الأولى:
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا لآخرتكم، وخذوا من حياتكم لموتكم، ومن صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشُغلكم، ومن فقركم لغناكم، أعانني الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أيها الإخوة: إن من النعم الوفيرة التي حبانا الله إياها: وفرةَ المال في أيدي كثير من الناس على تفاوت في ذلك بينهم، وهي والله نعمة ومسؤولية يحاسب عليها العبد يوم القيامة، ويسأل عنه يوم يقف بين يدي ربه -عز وجل.
ألا وإن من الواجب على الآباء والأزواج والأولياء القيامَ بالمسئولية تجاه نعمة المال، واتباعَ ما أرشد إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: "وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا"، وقوله سبحانه: "وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا"، ويقول تعالى: "وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا".
وفي الوقت الذي يُنهى فيه الآباءُ والأولياءُ عن التوسع في إعطاء الأموال من تحت ولايتهم من الزوجات والأولاد؛ فإن من الرشد في استعمال المال إعطاءَهم ما يكفي حاجاتهم، ويبعدهم عن النظر إلى ما في أيدي الآخرين، ويُشبعُ رغباتهم المشروعة، وتلك معادلةٌ وإن بدت في أول الأمر صعبةً، لكنها عند الآباء والأولياء الراشدين ميسرةٌ بإذن الله تعالى؛ يتوخَّى الأبُ والوليُّ فيها ما يُرضي ربَّه، ويحققُ مصلحةَ أهله وولده.
أيها الإخوة: إن من المظاهر التي تستدعي منا الوقوفَ عندها، والسعيَ لتجنب مفاسدِها وأخطارِها: ما نشاهده ونسمع عنه هذه الأيام من المبالغة في الحفلات والمناسبات الاجتماعية حتى أصبح لكل مناسبة حفلة، ومن هذه الحفلات: ما يسمى بحفلات التخرج أو حفلات النجاح، والتي لم تعد قاصرة على مرحلة معينة، بل تبدأ من غير مبالغة مع الإنسان من مرحلة الروضة إلى المرحلة الجامعية، أو ما بعدها!
حفلةٌ للتخرج من الصف الأولِ الابتدائيّ، وحفلةٌ في العام الذي يليه للتخرج من الصف الثاني، وهكذا في كل مرحلة سواء من جانب الأبناء أو البنات، ولو اقتصر الأمرُ على حفلة تخرجٍ لهان الخطب، ولكن لننظر ما يصاحب هذه الحفلات من المخالفات والتي يأتي في مقدمتها الإسرافُ والتبذيرُ في اللباس، وبخاصةٍ عند الطالبات، حيث يُجعل لحفلِ التخرج لباسٌ معين، تُكلَّف الأسرةُ بشرائه، ومصيره غالباً للرمي والإتلاف.
وقد يتجاوز الأمرُ ذلك إلى استئجار قاعاتٍ أو استراحاتٍ لإقامة حفلات التخرج فيها، وما يصاحب ذلك من ترتيبات وإجراءات تكلف مبالغَ ماليةً باهظة؛ فهذا مبلغ لاستئجار القاعة، وآخر لمصمِّمِ أو مصممةِ الحفل، وثالثُ ربما لاستئجار المغنين أو المغنيات، ورابع للهدايا والجوائز، وخامس للورود والحلويات، وسادس للأطعمة والأكلات والمشروبات، وغير ذلك من صور الإسراف المقيت والتبذير الصارخ!!
ووالله إن العاقل ليحزن حين يرى النعمَ المرميّةَ والمهانة بعد انتهاء تلك الحفلات، والأطعمةَ التي لم يؤكل منها إلا أقل القليل! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ناهيك عما يصحب هذه الحفلاتِ غالباً من لباسٍ غير لائق، وتساهلٍ في التصوير، وتقليدٍ للفساق أو الكفار!
لنتذكر أيها الإخوة في الله مجتمعاتٍ عديدة حُرمت نعمةَ المال؛ يتمنى الواحد منهم كسرةَ خبزٍ يابسة يطعم بها أولاده، وقطعة قماش بالية تقيهم شدة البرد أو حرارة الشمس، ونحن نتقلب في هذه النعم الوفيرة والخيرات المتتابعة.. أهكذا يكونُ شكر النعم؟؟ وهل هذه الأفعال تعين على حفظ النعم واستقرارها؟؟ وَمَاذَا سَنَقُولُ للهِ تَعَالَى عِنْدَ مَقْدِمِنَا عَلَيْهِ، وَوُقُوفِنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فِيمَا نُهْدِرُهُ مِنْ أَوْقَاتٍ وَأَمْوَالٍ!!
إِنَّ مِنَ المُؤسِفِ أَنَّ مَا يُنْفَقُ عَلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فِي حَفَلاَتِ التَّخَرُّجِ وَالنَّجَاحِ، فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ يُوَازِي مَا يُنْفَقُ عَلَى النَّاجِحِ فِي تَعْلِيمِهِ وَتَأْهِيلِهِ طُوَالَ العَامِ، وَرُبَّمَا فَاقَهُ!
إن النعمَ لا تدوم إلا بالشكر، وأما الإسراف والتبذير فهو أسرعُ طريقٍ لزوال هذه النعم وفرارِها، نعوذ بالله أن نكون ممن بدلوا نعمة الله كفراً، ونسأل الله تعالى أن يحفظَ علينا أمننا وإيماننا، وأن يُديمَ علينا نعمه الظاهرةَ والباطنة، وأن يُوزِعَنا شكرَها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنَّكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد".
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي صغيرَها وكبيرَها؛ فإن أقدامكم على النار لا تقوى.
عباد الله: فِي الوَقْتِ الَّذِي نَلْهُو فِيهِ وَنَلْعَبُ تُحِيقُ بِأُمَّتِنَا أَخْطَارٌ جِسَامٌ، وَيُحِيطُ بِهَا الأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُرِيدُونَ تَبْدِيلَ دِينِهَا، وَمَسْخَ شَرِيعَتِهَا، وَإِفْسَادَ أَخْلَاقِهَا، وَاحْتِلاَلَ دُوَلِهَا، وَنَهْبَ ثَرَوَاتِهَا، وَاسْتِلاَبَ عُقُولِهَا، يَتَآزَرُ عَلَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ، وَيَقْتَسِمُونَ الأَدْوَارَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِإِنْهَاكِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَالقَضَاءِ عَلَيْهَا، وَقَدْ بَانَ لِكُلِّ ذِي عَيْنَيْنِ مَكْرُهُمْ وَكَيْدُهُمْ بِأَهْلِ الشَّامِ؛ عَجَّلَ اللهُ تَعَالَى فَرَجَهُمْ، وَكَبَتَ أَعْدَاءَهُمْ.
إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَسْتَحِي مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ نَلْهُوَ وَنَلْعَبَ وَإِخْوَانُنَا فِي الشَّامِ والعِرَاقِ -وَفِي حَلَبَ تَحْدِيْدَاً- يُذْبَحُونَ ذَبْحَ النِّعَاجِ، وَتُنْتَهَكُ أَعْرَاضُهُمْ، وَتُدَكُّ بِالصَّوَارِيخِ بُيُوتُهُمْ، وَيُمَزَّقُ أَطْفَالُهُمْ، وَيُعَذَّبُ أَحْرَارُهُمْ، بَلْ طَالَ القَصْفُ مَسَاجِدَهُمْ وَمَدَارِسَهُمْ وَمُسْتَشْفَيَاتِهِم، وَهُمْ يَسْتَغِيثُونَ بِنَا مُصْبِحِينَ وَمُمْسِينَ، إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَسْتَحِي مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ نَلْهُوَ وَنَلْعَبَ وَهَذَا حَالُهُمْ، وَنَسْتَحِي مِنَ التَّارِيخِ أَنْ يُدَوَّنَ فِي أَيَّامِهِ أَنَّ أُمَّةً تَلْهُو وَتَلْعَبَ وَإِخْوَانُهَا فِي الدِّينِ يُعَذَّبُونَ وَيُقْتَلُونَ.
لِمَاذَا لا نَقْتَصِدُ فِي لَهْوِنَا وَلَعِبِنَا وَاحْتِفَالاَتِنَا، وَفِي إِنْفَاقِنَا عَلَى اللَّهْوِ واللَّعِبِ؛ لِنَعِيشَ مَعَ إِخْوَانِنَا فِي كُرْبَتِهِمْ، وَنُخَفِّفَ عَنْهُمْ الْشِّدَّةَ بِمَا نَبْذُلُهُ لَهُمْ؟! وَالَّذِي جَعَلَ أُخُوَّةَ الدِّينَ حَتْمًا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، لَوْ وَفَّرْنَا شَطْرَ مَا نُنْفِقُهُ عَلَى اللَّهْوِ واللَّعِبِ لأَغْرَقْنَاهُمْ بِالمَالِ، وَلأَمْدَدْنَاهُمْ بِقِيمَةِ السِّلاَحِ، وَلآوَيْنَا مُشَرَّدِيهِمْ، وَأَطْعَمْنَا جَوْعَاهُمْ، وَعَالَجْنَا جَرْحَاهُمْ، وَخَفَّفْنَا عَنْهُمْ مُصَابَهُمْ!
إِنَّ غَفْلَةَ قُلُوبِنَا وَلَهْوَهَا وَلَعِبَهَا هُوَ الَّذِي جَرَّدَهَا مِنَ الإِحْسَاسِ بِمُصَابِ إِخْوَانِهَا، وَأَمَاتَ المَشَاعِرَ وَالأَحَاسِيسَ، حَتَّى صَارَتِ الأَعْيُنُ تُشَاهِدُ مَنَاظِرَ الرُّعْبِ فِي نَشَرَاتِ الأَخْبَارِ ثُمَّ تُدِيرُ الوَجْهَ عَنْهَا إِلَى آلَةِ لَهْوٍ أَوْ تَفْكِيرٍ فِي تَرْفِيه!!
أَلاَ فَلْنَتَّقِ اللهَ تَعَالَى فِي أَنْفُسِنَا، وَفِي أَوْقَاتِنَا، وَفِي أَمْوَالِنَا، وَفِي إِخْوَانِنَا المُضْطَهَدِينَ؛ لِئَلاَّ يَحِلَّ بِنَا مَا حَلَّ بِهِمْ، فَلَقَدْ امْتَلَأَتْ قُلُوبُ الأَعْدَاءِ بِالحِقْدِ عَلَيْنَا وَعَلَى دِينِنَا وَجِنْسِنَا، وَلَنْ يَرَدَّهُمْ عَنَّا بَعْدَ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ وُقُوفُنَا مَعَ إِخْوَانِنَا فِي أَرْضِ الشَّامِ المُبَارَكَةِ.
اللَّهُمَّ يِا غَوْثَ المُسْتَغِيثِينَ، وَيَا نَاصِرَ المُسْتَضْعَفِينَ، أَغِثْ إِخْوَانَنَا فِي الشَّامِ بِنَصْرٍ مُبِينٍ، اللَّهُمَّ أَمِدَّهُمْ بِجُنْدِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ نَصْرَكَ.
اللَّهُمَّ يَا مُذِلَّ الجَبَابِرَةِ، وَيَا كَاسِرَ الأَكَاسِرَةِ، اكْسِرْ شَوْكَةَ الرَّوَافِضِ وَالنُّصَيْرِيِّينَ، اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ، وَشَتِّتْ شَمْلَهُمْ، وَخَالِفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاقْذِفِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَامْنَحْ إِخْوَانَنَا رِقَابَهُمْ.
اللَّهُمْ قَدْ تَكَالَبَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّ الدَّاخِلِ وَأَعْدَاءُ الخَارِجِ، وَكَادُوا بِهِمْ كَيْدًا عَظِيمًا، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ عَاقِبَةَ أَمْرِ البَاطِنِيَّةِ وَحُلَفَائِهِمْ خُسْرًا، وَأَحْبِطْ كَيْدَهُمْ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ.
اللَّهُمَّ ضَعُفَ الرَّجَاءُ إِلاَّ بِكَ، وَتَقَطَّعَتْ حِبَالُ المَدَدِ إِلاَّ حَبْلُكَ، اللَّهُمَّ فَأَمِدَّ إِخْوَانَنَا بِجُنْدِكَ، وَاكْتُبْ لَهُمْ نَصْرَكَ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدِكَ.
اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ عِصَابَةُ المُؤْمِنِينَ فِي الشَّامِ يَتَمَكَّنِ البَاطِنِيَّةُ وَالصَّهَايِنَةُ مِنْ أُمَّةِ الإِسْلامِ، اللَّهُمَّ نَصْرَكَ المُبِينَ لِعِبَادِكَ المُجَاهِدِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ بِكَ لَهُمْ فَأَيِّدْهُمْ بِنَصْرٍ مُبِينٍ؛ فَإِنَّكَ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ...