الإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ خَبَرٌ وَعِبَر 6 ذي القَعْدَةِ 1444 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
االْحَمْدُ للهِ الذِي رَفَعَ قَدْرَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ فِي الدُّنْيَا وَالأُخْرَى، وَأَسْرَى بِهِ لَيْلَاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أن مِنْ أَعْظَمِ الْحَوَادِثِ فِي حَيَاةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتِّي تُعَّدُّ مِنْ مَنَاقِبِهِ التِي لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ, حَيْثُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِس, ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ , وَرَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى, وَرَأَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ, كُلُّ ذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : تَعَالَوْا نَسْتَمِعُ هَذَا الْخَبَرَ الْعَظِيمَ, قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا, فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ, ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ: الْبُرَاقُ, يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ فَحُمِلْتُ عَلَيْه, فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ, فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ التِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ, ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ, فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ, فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ, فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ, فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا, قِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ, قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ, قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ, فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ قَاعِدٍ , عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ, إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى, فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ , قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ, وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ, فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ, وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ, فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى, فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ ابْنٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ, قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ, قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ, قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ, فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقَالَا: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ, قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ, قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ, قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ, فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ, وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ, فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ, قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ, قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ, قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ, قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ, فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ, قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ, قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ, قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ, فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ, قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ, قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ, قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ؟ فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ, فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى! فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَارَبِّ هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي؟
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ, قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ, قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ, قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ؟ فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ ابْنٍ وَنَبِيٍّ, فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ, فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ؟ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ, وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا كَأَنَّهُ قِلَالُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ, فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ, فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ, وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ, ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً, فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى, فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً, قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ, عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ, وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ, فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ, فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ, ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلَاثِينَ, ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ, ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا, فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْسًا, فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا, فَقَالَ مِثْلَهُ , قُلْتُ: سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ, فَنُودِيَ: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا) وفي رواية (قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ قَالَ وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (1).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَكَذَا أُسْرِيَ ثُمَّ عُرِجَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَنُكْمِلُ مَا حَدَثَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ قُرَيْشًا خَبَرَ مَسْرَاهُ وَمِعْرَاجِهِ فَكَذَّبُوهُ وَعَارَضُوهُ وَطَارُوا بِذَلِكَ كُلَّ مَطِيرٍ, وَكُلُّ ذَلِكَ يُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُورِ اللهِ, وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقَرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ, فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا, فَكَرِبْتُ كُرْبَةً مَا كَرِبْتُ مِثَلَهَا قَطَّ, فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وسَارعُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالُوا: هَلَ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ, قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ, قَالَ: لِئَنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ, قَالُوا: أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ. فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ بالصَّدِيق.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ عِبَرٌ كَثِيرَةٌ, فَمِنْهَا: بَيَانُ فَضْلِ نَبِيِّنَا مُحَّمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ خَصَّهُ اللهُ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ التِي لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ, وَهَذَا يَزِيدُنَا مَحَبَّةً لَهُ وَتَمَسُّكًا بِسُنَّتِهِ وَ اتِّبَاعَهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَمِنْ فَوَائِدِ القِصَّةِ: أَنَّ أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا للهِ طَائِعًا, فَتَأَمَّلْ كَيْفَ وَصَفَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ العَظِيمِ بِصِفَةِ العُبُودِيَّةِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه}.
وَمِنَ الفَوَائِدِ: إِثْبَاتُ عُلُوِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِه, خِلَافًا لِمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَان, بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ العُلَى, لَكِنَّهُ مَعَنَا بِعِلْمِهِ وَسَمْعِهِ وَحِفْظِهِ وَتَدْبِيرِه.
وَمِنَ الفَوَائِدِ: تَعْظِيمُ شَأْنِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَهَمُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَأَوْلاهَا, وَهِيَ أَشْرَفُ الأَوَامِرِ الإلَهِيَّةِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَأَزْكَاهَا, وَخَيْرُ مَا عَمَرَ الْعَبْدُ أَوْقَاتَهُ فِيهِ وَأَمْضَاهَا, وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإسْلامِ, وَالْمَبْنَى الثَّانِي مِنْ مَبَانِيهِ الْعِظَام, وَهِيَ أَوَّلُ مَا فُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّوْحِيد, وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبَ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْمَزِيدِ, فَهِيَ الْعِبَادَةُ الْوَحِيدَةُ التِي فَرَضَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَاشَرَةً, وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا مِنْ غَيْرِ تَرْجُمَان, فِي تلك الليلة, فَرَضَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَمْسِينَ صَلاةً ثُمَّ خَفَّفَهَا حَتَّى صَارَتْ خَمْسَا ًفِي الْعَدِدِ وَلَكِنَّهَا خَمْسُونَ فِي الأَجْرِ وَالْمِيزَانِ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَناَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا , وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ, اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(1) رواه البخاري ومسلم, وفيه ألفاظ انفرد بها أحدهما.
المرفقات
1684938488_الإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ خَبَرٌ وَعِبَر 6 ذي القَعْدَةِ 1444 هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق