(الإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ خَبَرٌ وَعِبَر ) للشيخ محمد الشرافي

الفريق العلمي
1435/08/14 - 2014/06/12 07:04AM
الإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ خَبَرٌ وَعِبَر 15 شعبان 1435 هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي رَفَعَ قَدْرَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالأُخْرَى ، وَأَسْرَى بِهِ لَيْلَاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى .

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَاعْرِفُوا مَا لِنَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَدْرٍ وَمَنْزِلَةٍ , وَمَا اخْتَصَّهُ اللهُ بِهِ مِنْ فَضَائِلَ وَمَنَاقِبَ , وَهَذَا شَرَفٌ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْحَوَادِثِ فِي حَيَاةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتِّي تُعَّدُّ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَخَصَائِصِهِ التِي لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ , حَيْثُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِس , ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ , وَرَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى , وَرَأَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ , كُلُّ ذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ , وَلَمَّا رَجَعَ وَأَخْبَرَ قُرَيْشَاً بِمَا حَصَلَ لَهُ كَذَّبُوهُ وَازْدَادُوا فِي الصَّدِّ عَنْهُ وَعَنْ دَعْوَتِهِ , لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَمْرَاً لَمْ يَعْهَدُوهُ , فَكَانُوا يُسَافِرُونَ إِلَى الشَّامِ فِي شَهْرٍ مِنَ الزَّمَانِ ثُمَّ يَأْتِي مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى هُنَاكَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ , بَلْ يَقُولُ : إِنَّهُ عَرَجَ إِلَى السَّمَاء !

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : تَعَالَوْا نَسْتَمِعُ هَذَا الْخَبَرَ الْعَظِيمَ , قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا , فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ , ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ : الْبُرَاقُ , يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ فَحُمِلْتُ عَلَيْه , فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ , فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ التِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ , فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ , فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ , فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا , قِيلَ : مَنْ هَذَا قَالَ : جِبْرِيلُ , قِيلَ : مَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ , قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ , فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ , قَاعِدٍ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ , إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى , فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ , قُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَال : هَذَا أَبُوكَ آدَمُ , وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ , فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ , وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ , فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى , فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ ابْنٍ وَنَبِيٍّ .
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ , قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ , قِيلَ : مَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ , قِيلَ : أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ , فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقَالَا : مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ .

فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ , قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قِيلَ : جِبْرِيلُ , قِيلَ : مَنْ مَعَكَ ؟ قِيلَ : مُحَمَّدٌ , قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ , فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ , وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ , فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , قَالَ : مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.

فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ , قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ , قِيلَ : مَنْ مَعَكَ ؟ قِيلَ : مُحَمَّدٌ , قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قِيلَ : نَعَمْ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ , فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ .

فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ , قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ , قِيلَ : وَمَنْ مَعَكَ ؟ قِيلَ : مُحَمَّدٌ , قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ , فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ .

فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ , قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قِيلَ : جِبْرِيلُ , قِيلَ : مَنْ مَعَكَ ؟ قِيلَ : مُحَمَّدٌ , قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ؟ فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ , فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى ! فَقِيلَ : مَا أَبْكَاكَ ؟ قَالَ : يَارَبِّ هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي ؟

فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ , قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قِيلَ : جِبْرِيلُ , قِيلَ : مَنْ مَعَكَ ؟ قِيلَ : مُحَمَّدٌ , قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ؟ فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَقَالَ : مَرْحَبًا بِكَ مِنْ ابْنٍ وَنَبِيٍّ , فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ , فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ ؟ فَقَالَ : هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ , وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا كَأَنَّهُ قِلَالُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ , فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ , فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ , وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ , ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً , فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى , فَقَالَ : مَا صَنَعْتَ ؟ قُلْتُ : فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً , قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ , عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ , وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ , فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ , فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ , ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلَاثِينَ , ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ , ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا , فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ : مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْساً , فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ : مَا صَنَعْتَ ؟ قُلْتُ : جَعَلَهَا خَمْساً , فَقَالَ مِثْلَهُ , قُلْتُ : سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ , فَنُودِيَ : إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْراً) وفي رواية (قَالَ : فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ قَالَ وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (1).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَكَذَا أُسْرِيَ ثُمَّ عُرِجَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنُكْمِلُ مَا حَدَثَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ , أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .


الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ : فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ قُرَيْشَاً خَبَرَ مَسْرَاهُ وَمِعْرَاجِهِ فَكَذَّبُوهُ وَعَارَضُوهُ وَطَارُوا بِذَلِكَ كُلَّ مَطِيرٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ يُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُورِ اللهِ , وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقَرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ , فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا , فَكَرِبْتُ كُرْبَةً مَا كَرِبْتُ مِثَلَهَا قَطَّ , فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَقَالُوا : هَلَ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , قَالَ : أَوَ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : لِئَنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ !

قَالُوا : أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ . فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ بالصَّدِيق .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَظِيمَةِ عِبَرٌ كَثِيرَةٌ , مِنْهَا :

بَيَانُ فَضْلِ نَبِيِّنَا مُحَّمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ خَصَّهُ اللهُ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ التِي لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ , وَهَذَا يَزِيدُنَا مَحَبَّةً لَهُ وَتَمَسُّكاً بِسُنَّتِهِ وَ اتِّبَاعَهِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً.

وَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ القِصَّةِ : أَنَّ أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ أَنْ تَكُونَ عَبْداً للهِ طَائِعاً , فَتَأَمَّلْ كَيْفَ وَصَفَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ العَظِيمِ بِصِفَةِ العُبُودِيَّةِ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه)

وَمِنَ الفَوَائِدِ : إِثْبَاتُ عُلُوِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِه , خِلَافاً لِمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَان , بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ العُلَى , لَكِنَّهُ مَعَنَا بِعِلْمِهِ وَسَمْعِهِ وَحِفْظِهِ وَتَدْبِيرِه .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِمَّا يَجِبُ التَنْبِيهُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَا تُعْلَمْ بِعَيْنِهَا , ثُمَّ لَا يَجُوزُ الاحْتِفَالُ بِمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَيْلَةُ الإِسْرِاءِ , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ البِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَمِنَ الْمُحْدَثَاتِ البَاطِلَة .

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَناَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا , وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ ... اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ , اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري ومسلم , وفيه ألفاظ انفرد بها أحدهما .
المشاهدات 2533 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


جزاكم الله خيرا أستاذ محمد ، تذكير يحمل النفس و الروح على الارتقاء و السمُو .


زادك الله من فضله وعلمه ونفع بك دينه وأهله