الإدمان المحمود: ذكر الله تعالى
عبدالله البوحنية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، فبالتقوى تربحون، وبغيرها تخسرون، وتدبروا وأنتم تسمعون:{وَاتَّقُواْيَوْماً لاَّتَجْزِينَفْسٌعَننَّفْسٍشَيْئاًوَلاَيُقْبَلُمِنْهَاعَدْلٌوَلاَتَنفَعُهَا شَفَاعَةٌوَلاَهُمْيُنصَرُونَ }
أيها المسلمون: عنوان هذه الخطبة: الإدمان المحمود
هل يرغب أحد في أن يكون دائما منشرح الصدر، مطمئن القلب صالح البال، إذن فعليه بالدواء الناجع والبلسم النافع: إدمان ذكر الله على كل حال.
إن ذكر الله تعالى من أعظم ما يعبد الله به، وهو من أجل صفات أولياء الله الصالحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، من أعطيه فبالله اتصل، ومن مُنعه فعن الله انعزل
وهو قوت القلوب والأرواح، والحادي إلى بلاد الأفراح، الذي متى لازمها بنى لها إلى الرحمن جسورا، والذي متى فارقها صارت لها الأجساد قبورا.
وهو سلاح المؤمن، به تُستدفع الآفات، وبه ُتكشف الكربات، وبه تهون المصيبات.
إذا نزل بالصالحين البلاء فإلى ذكر الله مفزعهم، وإذا حل بهم الشقاء فإلى ذكر ملجؤهم.
أيها المسلمون: لكل جارحة في الإنسان عبادة خاصة بها، والذكر هو عبودية جارحة اللسان وعبودية القلب، قد زين الله به ألسنة الذاكرين وقلوب المتقين، كما زين بالبصر أعين الناظرين وآذان السامعين، فاللسان الغافل، والقلب الهامل، كالعين العمياء، والأذن الصماء.
الذكر لله تعالى هو روح الأعمال الصالحة، إذا خلا العمل عن ذكر الله كان كالجسد بلا روح.
وقد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين بالذكر له وامتدح الذاكرين في كتابه العزيز فقال تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا}
{واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ولا تكن من الغافلين}
{واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}
{والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}
وبين تعالى أن من غفل عن الذكر فقد خاب وخسر فقال:
{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}
وبين تعالى اختصاص النفع بالآيات على من كان من الذاكرين فقال: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ..} الآية
وبين رسول الله فضله فقال: (سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال: الذاكرين الله كثيرا والذاكرات)
وقال: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل)
ويكفي في شرف الذكر أن الله يباهي بأهله: كما صح (أن رسول الله خرج على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم فقالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا إلى نعمة الإسلام ومن علينا قال آالله ما أجلسكم إلا ذلك قالوا آالله ما أجلسنا إلا ذلك، قال أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)
وقال في الفرق بين الذاكر والغافل: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت)
اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك مخبتين إليك منيبين.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لأنه، وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: فيا أيها الناس اعلموا رحمني الله وإياكم أن للذكر فوائد جمة منها:
1/ أنه يرضي الرحمن ويسخط الشيطان.
2/ أنه يزيل عن القلب الهم والحزن ويجلب إليه الأنس والفرح.
3/ أنه يورث ذكر الله تعالى (فاذكروني اذكركم) (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
4/ أنه يورث حياة القلب ورقته.
5/ أنه يكسب الأجر والحسنات ويحط الخطايا والسيئات.
أيها المؤمنون: لا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد، وجلاؤه ذكر الله تعالى واستغفاره، فإن ذلك يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، وإذا تُرك الذكر صدئ القلب وخرب
وصدأ القلب يكون بأمرين: الغفلة والمعاصي، وجلاؤه يكون بأمرين الذكر والاستغفار
ومن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكما على قلبه، ويكون حجم الصدأ بحجم الغفلة.
وإذا صدئ القلب لم يعرف معروفا ولم ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، ورأى الباطل حقا والحق باطلا، وأظلم القلب واسود وركبه الران وصار قاسيا، وهذا من أعظم العقوبات.
عباد الله: إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، وفي الذكر دواء القلب وشفاؤه، وفي الغفلة هلاك القلب وشقاؤه.
ما دمت تقدرْ فأكثر ذكر خالقنا وأدِّ واجبه نحو العبادات
اللهم يا هادي المهتدين، ويا راحم المستغفرين، ويامقيل العاثرين، نسألك أن تلحقنا بعبادك الصالحين الذين أنعمت عليهم من النبيين والشهداء والصديقيين، يارب العالمين
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأعل راية الحق والدين وأذل الشرك ودمر المشركين وانصر جنودك المجاهدين وارحم عبادك المستضعفين
وصل اللهم وسلم على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وآله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك وعفوك يا أرحم الراحمين.
[/align]
المشاهدات 6514 | التعليقات 4
والظاهر أنه حتى في لغة الأقدمين كان أكثر ما يطلق على اعتياد الشراب وملازمته !!!
وما أجمل تعبير المصطفى عليه الصلاة والسلام عن كثرة الذكر بقوله لمن استوصاه كما عند الترمذي وغيره : (( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله ))
ما أجمل التعبير بترطيب اللسان بذكر الله وما أثقل (الإدمان) !!!!
هذه مجرد ملاحظة ثانوية جدا ولا تخل بالخطبة على كل حال ... فالخطبة نافعة وموفقة وجزى الله من كتبها خير الجزاء ونفع بعلمه ...
[align=justify]
أخي الكريم أشكر تعليقك على الموضوع، وأتقبل أي نقد بناء بصدر رحب، وأسعد بالتعديل والتصحيح
وتعقيبا على التعليق وأود أن أوضح
1- جرى استخدام كلمة الإدمان جريا على أصل اللغة العربية الفصيحة دون النظر للاستخدام العرفي الذي يتغير زمنا أو مكان أو حتى لحنا وغلطا في استخدام اللغة
وأسوق شواهد أهل اللغة:
دَمِنَ على الشئ:لزمه ، وأدمن الشراب وغيره: أدامه ولم يقلع عنه ، ويقال أدمن الأمر ، واظبعليه.(المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية ج1 ،طبعة1985م ، مادة (د.م.ن) ص308 القاهرة)
وقال اين فارس في معجم مقاييس اللغة: دمن ) الدال والميم والنون أصل واحد يدلعلى ثبات ولزوم . ويقال : دمن فلانفناء فلان ، إذا غشيه ولزمه . وفلان دمن مال ، مثل قولهمإزاء مال . وإنما سمي بذلك لأنه يلازم المال.
2- قد تم التحرز من سوء الفهم بالنعت المبين للمراد، فقيل الإدمان المحمود، فالغضب مثلا فيه ما هو مذموم شرعا وما هو محمد شرعا، وبالصفة يتبين المراد.
3- في لغة المتقدمين شواهد عدة على استخدامهم لفظ الإدمان جريا على أصل اللغة في ذلك ومن ذلك:
سئل الإمام محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله - : عن دواءللحفظ فقال : إدمان النظر في الكتب.
وقال الذهبي أيضا في نقده للغزاليً: ((وقد ألّف الرجل في ذمِّ الفلاسفةِ كتابَ "التهافت"، وكَشَفَعوارَهم، ووافقهم في مواضعَ ظنًّا منه أن ذلك حقٌّ أو موافقٌ للملَّةِ، ولم يكن لهعلمٌ بالآثار، ولا خبرةٌ بالسنَّةِ النبويَّةِ القاضيةِ على العقلِ، وحُبِّبَ إليه إدمانُ النظرِ في كتابِ "رسائل إخوان الصفا" ، وهو داءٌ عضالٌ، وجَربٌ مردٍ، وسمٌّ قتَّال، ولولا أنَّ أبا حامد مِن كبار الأذكياء، وخيار المخلصين لتلِف، فالحذارالحذار مِن هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شُبَه الأوائل وإلا وقعتم في الحيرة
(سير أعلام النبلاء: 19ـ328)
قال المناوي رحمه الله : "فلا يظن ظان أن من أدمن الذكر وأصر على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أن يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازل الكاملين بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح " فيض القدير 6/190
وشكا ذلك رجل إلى مالك بن دينار فقال : أدمن الصيام , فإن وجدت قسوة فأطل القيام , فإن وجدت قسوة فأقل الطعام .
ومن ذلك شعرا قولهم
أكرر شكري وتقديري
عبدالله البوحنية
تعديل التعليق