الإدِّكارْ - في أسبابِ تأخرِ الأمطارْ

خالد علي أبا الخيل
1439/06/04 - 2018/02/20 07:57AM

الإدِّكارْ - في أسبابِ تأخرِ الأمطارْ

التاريخ: الجمعة:30 –جمادي الأولى-1439 هـ

 

الحمد لله، الحمد لله القائل: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ) (النور:44) أحمده سبحانه قائل: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص:68)، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل في نزول الأمطار البركات المدرار، وحبسها نقصٌ وعِبرٌ وإدِّكار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بيَّن أن من أسباب تأخر الأمطار الذنوب والأوزار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، والتابعين الأبرار.

 أما بعد...

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله واستعفروه، وتوبوا إليه ولا تعصوه، تذكروا رحيلكم من هذه الدار، ومُفارقة الأهل والمال وسُكن الدار، تذكروا إذا وُضِعتم في الألحاد وفارقكم الأهل والأولاد والأحفاد، فتَّذكُر الآخرة أعظم زاجرٍ عن الدنيا الفانية والمعاصي القاسية.

أيها المسلمون: تأخر الأمطار هو حديث الكثير في المدن والقرى والقفار، حديث المجالس وهاجس الجالس؛ ولهذا يدعون ويستسقون، ويفتقرون ويطلبون، ويرغبون ويؤمِّنون، يشكون قلة الماء وجدب الأرض بعد أن كانت مخضرة، يشكون قلة الماء وجدب الأرض وحُق لهم أن يشكوا فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا وقال: (إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ).

لا شك أن تأخر الأمطار خطرٌ على العباد والبلاد، والبهائم والاقتصاد، إن ما يُشاهد في هذه الآونة الأخيرة من شُحٍّ في الأمطار، وقلةٍ في النبات والأزهار، ويبسٍ في الأشجار لواجب علينا التفكر والإدِّكار.

ففي تأخر المطر دروسٌ وعِبر، ووقفاتٌ وتفكرٌ ومُدكر:

الوقفة الأولى إخوة الإيمان والهدى-: العلم بأن الله على كل شيءٍ قدير، وبيده التصرف والتدبير يُعطي لحكمة ويمنع لحكمة وهو العليم الخبير، فلا تنزل قطرةٌ من مطرٍ إلا بعلمه، ولو اجتمع البشر على نزول المطر لم يستطيعوا (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) (لقمان:34).

(أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك:30).

ويجب العلم بأن الله حكيمٌ عليم يضع الأشياء مواضعها وهو أحكم الحاكمين (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (الشورى:27) ففي يده ملكوت كل شيء وخزائنه يداه مبسوطتان، يُنفق كيف يشاء له القدرة النافذة والحكمة البالغة في تدبر خلقه (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54) فالمطر ليس سبب تأخره مجرد رياحٍ شماليةٍ أو جنوبيةٍ أو تغير الأحوال المناخية، وإنما لحكمٍ وأسرارٍ إلهيةٍ ربانية، فلنحذر من الاعتراض على قضاء الله وتدبيره، وحكمته وتقديره.

الوقفة الثانية: أن الابتلاء سُنَّةٌ ربانية، وقدرةٌ إلهية، فيبتلي عباده في الخير والشر، في السراء والضراء ليبلوهم أيشكرون فيعبدون؟ أيصبرون ويستغفرون؟ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35).

ومن ذلك تأخر المطر لِحكمٍ يعلمها الواحد القهار (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41).

الوقفة الثالثة: لنعلم عِظم نعمة الماء، وأن به الحياة والإحياء (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30) وقال مُمتنًّا عليهم به: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ) (الواقعة:68-69).

ولنعلم نعمة حصول الماء بلا عناء نعمةٌ وهناء، فما هو إلا أن يفتح المرء صنبور الماء، فاحمد الله على نعمة المياه، واشكره على ما مًنَّ به الإله، ومن شكره عليها عدم الإسراف فيها وإهدارها في غير مواطنها.

الوقفة الرابعة: أن الله يمنع لحكمة، ويُعطي لحكمة ومنها العظة والتذكرة، فالله يمنع القطر من السماء؛ ليتوب التائب ويستغفر، ويؤوب الغافل الشارد ويدَّكر، فيُنزل الله المطر على أرضٍ دون أرض، ومكانٍ دون مكان.

قال ابن مسعودٍ وابن عباسٍ ﭬما: ليس عامٌ بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يُصرِّفه أين شاء، ثم قرئا (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) (الفرقان:50) فالعطاء نعمة، والمنع عظةٌ وعبرة.

الوقفة الخامسة: أن نعلم أن الرزق من عنده وحده يرزق عباده، ومن ذلكم نعمة الأمطار والمياه (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات:22) فهو مصدر رزقٍ للعباد والبلاد، وهناك فئةٌ وشريحةٌ رزقها وعيشها على الأمطار والآبار، فنزول الغيث بركةٌ ورحمة، وطهورٌ ونعمة.

الوقفة السادسة: ليعلم العبد أن له عبوديةٌ في الضراء والسراء، فالله يبتلي عباده بالسراء لعلَّهم يشكرون، ويبتليهم بالضراء لعلَّهم يتوبون ويستغفرون؛ يبتليهم ليُظهر عبوديتهم وفقرهم وضُرهم إليه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) (النمل:62).

الوقفة السابعة: لُيظهر العبد فاقته وفقره إلى الله، ويُكثر من سؤاله والإلحاح عليه فإنه قريبٌ مُجيب، وهو الغني بذاته سبحانه جلَّ ثناؤه تعالى شأنه، وكل شيءٍ رزقه عليه، وكلنا مُفتقرٌ إليه، فيعلم أن ما عند الله لا يُنال إلا بدعاء الله؛ ولهذا شُرِعت صلاة الاستسقاء، وإذا تأخر النزول طلبوه بالدعاء، فأظهروا الذُّل والحاجة، والانكسار والفاقة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15).

وفي الحديث: (ضحِك رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ) أي: قرب فرجه، يعلم أن فرجكم قريب.

أنا الفقيرُ إلى ربِّ البريَّاتِ

 

أنا المُسَيكينُ في مجموعِ حالاتي

أنا الظَّلوم لنفسي وهْي ظالمتي

 

والخيرُ إن يأتِنا مِن عندِه يأتي

فإذا أظهروا فقرهم، وحاجتهم، وفاقتهم، وتضرعهم أنزل الغيث وأفرحهم، فإذا أظهروا فقرهم، وحاجتهم، وفاقتهم، وتضرعهم، وتوبتهم، واستغفارهم أنزل الغيث وأفرحهم (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (الشورى:28) يمنع قطره ليرجعوا ويُقبِلوا، ويستغفروا ويتوبوا (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (نوح:10-11) هذا ما أوصى به نوحٌ قومه، وكذا أوصى به هودٌ قومه (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (هود:52).

الوقفة الثامنة: لنعلم أن ما أصابنا إنما هو من قِبل أنفسنا وسيئاتنا، هلَّا فتش كل إنسانٍ عن نفسه؟ بعض الناس يُلقي الملامة على غيره، ويرمي بالأخطاء على غيره، فالناس يعصون، والناس يُسيئون، والناس يُخطئون، وهذا صحيح، لكن هلَّا رجعت إلى نفسك، وتُبت إلى ربك، وأصلحت ذريتك، ونقيت مالك، وأطعت ربك، وحافظت على صلاتك، وبررت بوالديك، ووصلت أرحامك؟

الوقفة التاسعة: إن ما حصل من تأخر الأمطار، وشُح الغيث ونزول المدرار، وحصول الغُبار إنما هو بسبب الذنوب والأوزار، فالمعاصي تمحق البركات وتُزيل الخيرات، وتمنع الأرزاق والعطايا والهبات، فشؤم المعاصي يعم الفيافي والقفار، ويعُم الصالح والطالح، بل حتى البهائم تتأثر بشؤمها، قال عكرمة –$ تعالى-: "دواب الأرض وهوامُها حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنعنا القطر بذنوب بني آدم" رواه ابن جرير في تفسيره، وأبو نعيمٍ في (الحلية)، وقال أبو هريرة ﭬ: «إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم»، وقال مُجاهدٌ $: «إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السَّنة، وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم».

والناظر في أحوالنا ومُجتمعنا يرى العجب في معاصينا فشا الجهل، وقل العدل، ظهر الباطل، وانتشر الزنا والربا، وسماع الغناء، والإسبال، وحلق اللحى، وتضييع الصلوات، واتباع الشهوات، وما في الجوالات من الشرور والفساد والدمار، وفتنة النساء وقلة حيائها، وأكل أموال الناس بالباطل، والنظر الحرام، والسمع الحرام، والكلام الحرام، والبطش بالحرام، وأكل الحرام.

 انظر إلى البيوعات المحرمة، والفوائد الربوية، والخيانة فيما اؤتمن عليه الشخص من الوظائف الحكومية، وانظر إلى الغش والكذب والتدليس، والتزوير والإفساد والسرقة والاختلاس، ومنع الزكاة والتساهل في أدائها، فأكل الحرام من أعظم الأبواب لغلق الباب ومنع الدعاء المُستجاب، وفي الحديث عند أحمد (وإنَّ العبد ليُحرَم الرِّزقَ بالذنب يصيبه).

فقلة الأمطار وشُح المياه والأرض أصبحت غبراء لا نبت فيها ولا شجر، علينا نُراجع أنفسنا ونتفقد أحوالنا مع ربنا، وحقوق الناس معنا، إياك والظلم والكِبر والشحناء، والعجب والحقد والرياء احذر صغار الذنوب قبل كبارها فمعظم النار من مستصغر الشرر.

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا

 

وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ

 

الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى


لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً

 

إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى

 

ومن الأسباب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتشار الباطل، والتبرج والسفور والاختلاط، وقلة الغيرة، وذهاب الحياء، فبالجملة هذه المعاصي تمحق البركة، وتُحل النقمة، فالمعاصي إذا انتشرت وتساكت الناس عنها، وتخاذلوا في إنكارها وتغييرها أمام أصحابها بالحكمة والموعظة الحسنة عمَّ شرها، وحل عقابها، فما أصابنا إلا بسبب ذنوبنا، نستغفر الله ونتوب إليه (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41) ولو أذاق العباد كل ما عملوا ما ترك على ظهرها من دابة.

فما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ وخطيئة (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:130).

الوقفة العاشرة: لا يغر المرء ما يُشاهد ويُرى في البلاد الكافرة من الأمطار وتوالي الماء الغزار، ثم يقول محتجًا: ما علاقة المعاصي بمنع الأمطار؟ وليعلم هذا أن هذا إنما هو استدراج واستمتاع الحياة الدنيا (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون:55-56).

فليس بعد الكفر ذنب (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:55) فاحمد الله على توحيدك، وتُب إلى ربك واستغفر ذنبك واصبر على بلائك.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة:2-4).

الوقفة الحادية عشر بوأكم الله المنازل الفاخرة في الدار الآخرة: أن تسأل وتقول: عرفنا موانع القطر، وعلى رأس ذلك معصية الله ورسوله، فما هي أسباب استجلابه وبواعث نزوله؟ فلا شك أن فعل الطاعات والأعمال الصالحات سببٌ لنزول الخيرات، فعلى رأسها تقوى الله، وتحقيق التوحيد ورضاه، والتوكل عليه، وحُسن الظن به، ومحبته وخوفه ورجاه (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (الأعراف:96).

ومن ذلك الاستغفار بالقلب واللسان استغفارٌ يُلامسه البُعد عن العصيان (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (نوح:10-11) (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (هود:52).

فالاستغفار به مفاتيح أرزاق السماء، وما استُجلب الماء من رب السماء بمثل الاستغفار.

ومنها: التضرع والدعاء، وطلب الاستسقاء (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:42-43).

من ذلك: الإحسان إلى الناس وسد حاجاتهم، ورحمتهم والشفقة عليهم، والتسامح معهم والتصافح عنهم، وإنظار مُعسرهم وسد فاقتهم، والصدقة عليهم وقضاء حوائجهم، ففي مسلم: بينما رجل بفلاةٍ من الأرض إن سمع صوتًا في سحابة يقول: اسقِ حديقة فلان، قال: فانقطعت قطعةٌ من السحاب حتى أتت على حارة فاستوعبت الماء كله، فتتبع الماء فرأى الماء يأتي إلى رجلٍ في حديقته يُدير الماء بمسحاته، فقال الرجل: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: اسمي فلانٌ، للاسم الذي سُمِع في السحاب، فقال: لما سألتني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب، قال: أما ما إذا قلت هذا فإني آخذ ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثه، وأُرجع ثلثًا إلى الأرض.

فتصدقوا وأحسنوا (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) (المزمل:20).

 (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) (وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) والجزاء من جنس العمل وكما تدين تُدان وأحسنوا إنما الله يحب المحسنين، وتصدقوا فإن الصدقة تُطفئ غضب الرب.

ومن الأسباب: الاستقامة على الطاعة، ومواصلة العبادة فلا يفقدك ربك حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن:16).

ومن الأسباب: تحقيق الإيمان وزيادته، إيمانٌ يُخالط بشاشته القلوب (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (الأعراف:96).

ومن الأسباب: الدعاء، فعظِموا الرغبة واظهروا الفاقة، والذُّل والحاجة، ادعوه بقلوبٍ صادقةٍ خالصة، وأبدانٍ خاشعة، وقلوبٍ خاضعة، فألحوا بالدعاء لاسيما في مواطن الإجابة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (البقرة:186) (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) (الأعراف:55).

وَإِنِّي لأَدْعُو اللَّهَ وَالأمْرُ ضَيِّقٌ عَلَيَّ

 

فَمَا يَنْفَكُّ أَنْ يَتَفَرَّجَا

وَرُبَّ فَتًى سُدَّتْ عَلَيْهِ وُجُوهُهُ

 

أَصَابَ لَهُ فِي دَعْوَةِ اللَّهِ مَخْرَجَا

 

 

 

المشاهدات 1354 | التعليقات 0